ليست المرة الأولى التي يخرج رأس الدبلوماسية المصرية الوزير أحمد أبو الغيط على شاشات التلفزة والفضائيات متوعدا ومهددا بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه من أبناء قطاع غزة باختراق الحدود المصرية الفلسطينية تحت أي ذريعة ولأي سبب كان، وكان السيد أبو الغيط قد هدد سابقا وفي "طلعة بهية " أخرى بأن من يحاول أن يجتاز الحدود مع مصر فلا بد من تكسر رجليه أو عظامه على الطريقة المصرية.
الحقيقة أن السيد ابو الغيط عندما يصرح بمثل هذه التصريحات التي لا تمت إلى الدبلوماسية التي من المفروض انه يمثلها من خلال هذا المنصب الذي يتقلد بصلة، يعتقد بأنه بذلك قد يخيف الفلسطيني الذي يحاول اجتياز الحدود مع مصر باحثا عن "أي شيء" في الديار المصرية، وعندما نقول "أي شيء" فان ذلك لأن لا شيء موجود في قطاع غزة، ولأن إسرائيل التي تدعي بأنها تريد العيش بسلام، وأنها ترغب في أن تكون واحدة أو جزءا طبيعيا في المنطقة، فهي تكذب، وتمنع عن القطاع كل شيء، وهي لو استطاعت لمنعت الهواء عنه، ولا يمكن أن ينسى الفلسطيني ما تمناه رابين وما قاله " النازي الجديد" فلنائي-هذا الاسم الذي على الفلسطينيين ألا ينسوه - صاحب فكرة المحرقة للقطاع، ومن هنا فقد لاحظ العالم بان غزة عن بكرة أبيها خرجت باتجاه مصر عندما اجتاحت الجماهير الفلسطينية الحدود مع مصر في المرة السابقة.
كن نتمنى لو أن الوزير المصري قال شيئا مختلفا هذه المرة، وكنا نتمنى أن يقول شيئا فيه شيء من الدبلوماسية وان يوجه ولو كلمة لوم واحدة أو عتاب لدولة الاحتلال التي لم تقم بالالتزام باتفاق التهدئة الذي كان برعاية مصرية، وان يقول على سبيل الماثل إننا نحمل دولة الاحتلال كل التداعيات التي تنتج عن عدم التزامها باتفاق التهدئة، لان عدم التزامها يعني بأننا في مصر سوف نتأثر بذلك، وان لا يستكين وألا يشعر بالحرج أو الخشية من أن يعلن ذلك.
السيد أبو الغيط ربما لا يعلم أن لا احد في الداخل الفلسطيني يتلهف على مغادرة القطاع بهذا الشكل، وانه لو كانت الأمور على طبيعتها في قطاع غزة لما هجم الناس على الحدود بقضهم وقضيضهم، وأنهم عندما فعلوا ذلك فإنما فعلوه من اجل أن يدخلوا المواد الأساسية إلى القطاع، بعيدا عن الفئة القليلة التي لا شك كانت ولا زالت تنوي المتاجرة في ما قد تجلبه من الأراضي المصرية وهذا على أي حال حق لها.
كن نرغب ونود أن نسمع السيد أبو الغيط وهو يقول بان مصر تقف مع الأشقاء في فلسطين، وانه يتفهم هذه المحاولات باختراق الحدود، وان مصر تعمل بلا توقف على إنهاء هذا الوضع الشاذ، وانه يتمنى على هؤلاء الأشقاء أن يصبروا قليلا خاصة وأنهم صبروا كل هذه الأعوام حتى تستطيع "دبلوماسيته" الفذة أن تضع حدا لغطرسة إسرائيل التي يحملها مسؤولية كل هذا الذي يحدث، وان لا يشعر بالخشية من ردود فعل إسرائيل التي لا ولم تتردد عن اتهام مصر بكل الأشياء السيئة وأنها تتساهل في كذا وكذا وكذا، ولا يتردد أي مسئول من قادة الكيان بان يقول في اليوم التالي لزيارة مصر ما هي أباطيل واتهامات غير دقيقة أو صحيحة ضد مصر، ونحن لا نطالبه بان يكذب مثل ما يفعلون ولا نطالبه بشن الحرب على إسرائيل ولا بقطع العلاقات معها لأنه لا ينوي وهو لن يستطيع هذا على افتراض توفرت النية لفعل ذلك، كنا نتمنى على أبو الغيط ألا يخرج متحدثا إلى الشعب الفلسطيني مثل جنرالات الحرب أو قادة الأمن أو وزراء الداخلية أو ضباط البوليس والمباحث وان يتسم ويتماها مع منصبه كوزير للخارجية لا أن يشبعنا تهديدات في كل مرة يخرج فيها علينا.
أن تظل "الحيطة" الفلسطينية "مايلة" والكل "ينط عليها" فهذا مرفوض، وكان على احدهم أن يقول لمصر أن هذا لا يجوز سواء من أركان السلطة في رام الله أو في حكومة إسماعيل هنية وانه عيب ولا نقبله، خاصة وان الكلام عن الشقيق الأكبر أو الشقيقة الكبرى أصبح مجرد كلام "فارغ ودبلوماسي وممجوج" لا يفيد ولا يسمن ولا يغني من جوع، ولا بد من تذكير السيد أبو الغيط بان غزة وعندما تم احتلالها من قبل دولة الكيان في حرب العام 1967 لم تكن تحت سلطة دولة بروناي ولا حكومة مدغشقر مع احترامنا للدولتين، وإنما كانت تحت السيطرة المصرية ونعتقد بان اللياقة واللباقة والمفروض والواجب هو أن تعمل مصر على استعادة هذه الأرض وإعادة الحرية إليها، وان أي كلام خارج عن هذه السياق يعتبر كلاما بلا معنى و "دبلوماسي" غير مقبول، وإذا كانت الحالة الفلسطينية تنوء بالهزال والضعف والتشظي فلأن من كان وراء ذلك ليس حالة الانقسام الفلسطيني التي صار الجميع يحاول التلطي خلفها أو أخذها ذريعة للتنصل من مسؤولياته بقدر ما كان سببه التخاذل والتآمر العربي على فلسطين والقصية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
القفز عن التاريخ ومحاولات تغييبه وتحميل الآخرين المسؤولية لم يعد فيه أي فائدة، وطالما أن السيد أبو الغيط يبتعد في كل مرة يتحدث فيها عن غزة عن الدبلوماسية فليس عيبا ولا حراما أن نتحدث معه بلغة مباشرة تبتعد عن اللياقة واللباقة والدبلوماسية.
الكلام الذي نسمعه عن اتفاقيات الحدود من بعض المرتبطين بالنظام المصري ومن يدعون بأنهم أساتذة في القانون الدولي وخبراء في حل النزاعات بين الدول وما إلى ذلك من عناوين ومسميات صار كله بالنسبة لنا كلام في الهواء ومحاولات للهروب من المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة المصرية ولم يعد يقنع أحدا خاصة وان إسرائيل هي من اغتال القانون الدولي وتجاوز كل الأعراف والاتفاقيات الدولية وغير الدولية، وهي التي لا ولم تطبق أي من الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، رفح معبر مصري فلسطيني خالص وأي محاولة للعب على الموضوع لا يمكن أن تكون سوى محاولة للخداع والتنصل من الالتزامات المصرية تجاه قطاع غزة الذي لا زال من ناحية قانونية جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل وهي تحت السيطرة المصرية، ولا يمكن أن يفهم أي فلسطيني غير ذلك بغض النظر عما قد يسمعه السيد أبو الغيط من المسئولين الفلسطينيين.
ما أرغب في النهاية أن أقوله للسيد احمد أبو الغيط إنني التقيت بمئات الفلسطينيين الذين يعملون في الخارج إن لم يكن بالآلاف منهم، والذين وبرغم ما كان ولا زال يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنهم يصرون على القدوم إلى الوطن خلال إجازات الصيف، وان نسبة عالية منهم لا تتوقف في أي عاصمة من العواصم، بل وبمجرد أن يحصلوا على الإجازة السنوية يأتون إلى الضفة الغربية ولا يمكثوا في الأردن على سبيل المثال ولو ساعة واحدة، وإنما يتوجهون مباشرة من المطار إلى الجسور، وبإمكان السيد أبو الغيط أن يسال هؤلاء لماذا يفعلون ذلك، وسوف يجد الإجابة الشافية التي من خلالها يستطيع أن يفهم ما يشاء وهو بالتأكيد سوف يفهم الكثير إذا خلصت نيته.
بيت لحم
5-7-008
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية