"طريق الموت" فيلم وثائقي يرصد رحلة نزوح العشرات من أهالي مدينة الحصن إلى لبنان بعد اقتحام شبيحة النظام لها العام الماضي 2013.
ويصور الفيلم الذي أنجزه الناشط الإعلامي "خالد الحصني" حجم المعاناة القاسية التي مر بها هؤلاء الأهالي حتى الوصول إلى بر الأمان لتُكتب لهم حياة جديدة، رغم سقوط 40 ضحية وعشرات الجرحى والمصابين في صفوفهم.
وبإمكانيات بسيطة استطاع الحصني الذي كان أحد أبطال هذا الفيلم إنجاز عمل وثائقي يحمل الكثير من الحس الإنساني والصدق الفني، وملامسة الواقع الذي فاقت فجائعيته حدود الخيال.
*فكرة الفيلم
حول فكرة الفيلم والظروف التي سبقت إنجازه يقول الناشط "خالد الحصني": "قبل إنجاز "طريق الموت" كنت أحمل على كاهلي حملاً ثقيلاً، وبخاصة في آخر فترة من حصار مدينة الحصن من قبل قوات النظام وشبيحته".
ويضيف الحصني: "لقد آليت على نفسي أن أكمل رسالتي الإعلامية التي نذرت نفسي لها منذ بداية الثورة وبخاصة بعد أن أصبحت ناطقاً باسم ريف حمص الغربي، وأن أنجز ما علي قبل أن أخرج من الحصن، ويتابع:"كنت أجهز تقريراً فلمياً عن الأحداث التي مرت بالحصن في الشهر الأخير قبل خروج الأهالي، وأردت أن يكون هذا التقرير عبارة عن نداء أخير للعالم الإنساني الذي اتضح للأسف أنه غير إنساني".
ويستطرد الحصني: "بعد وصولي مع أهالي الحصن إلى لبنان بأمان والحمد لله خطرَ بذهني إنجاز فيلم وثائقي عن طريق الموت ورحلة النزوح هذه، وطرحت الفكرة على أكثر من إعلامي وعلى أصدقائي الإعلاميين لمساعدتي ولكن المشكلة –كما يؤكد الحصني- هي "عدم وجود مادة فلمية".
ويضيف: "لم أتمكن من التصوير على الطريق لأن المسير كان ليلاً، ولم يكن بالإمكان التصوير بسبب القصف العنيف الذي كان ينزل علينا كزخات المطر". ويضيف:"كانت مشاهد الضحايا الذين يتساقطون أمام أعيننا أبلغ من أي تعبير، وكانت الأولوية في إنقاذ المصابين والجرحى وليس في أي شيء آخر".
ويردف الناشط الحصني: "منذ فترة شهر تقريباً بدأت بجمع أفكاري وكتابة سيناريو الرحلة على شكل تقارير كنت أنشرها على صفحتي، ولكن فكرة الفيلم ظلت حاضرة في ذهني".
وحول مضمون فيلمه "طريق الموت" يقول الناشط "خالد الحصني": "ينقسم الفيلم إلى خمسة أجزاء، يصور الجزء الأول منها مدينة الحصن والتعريف بها، ويحتوي هذا الجزء صوراً من مشاهد الدمار والقصف الذي طال المدينة في الفترة الأخيرة".
* فاتورة الدم
أما الجزء الثاني من الفيلم فيتضمن -كما يقول الحصني- "لمحة نصية عن عدد الشهداء والجرحى في طريق النزوح، حيث بلغ عدد الذين قضوا أكثر من 40 شخصاً وعدد الجرحى تجاوز 70 شخصاً، وهناك العشرات من المفقودين لم يُعرف إلى الآن إن كانوا أحياءً أم في عداد الأموات".
ويردف الناشط الحصني: "اعتمدت في الجزء الثالث من الفيلم على خريطة إرث غوغل التي توضح طريق الرحلة بخط أحمر وهناك "أسماء لمواقع وحواجز ونقاط عبورنا لمناطق الشبيحة والكمائن التي واجهتنا ولكن بسبب ضعف البرامج وتحويلها بدت دقتها ضعيفة للأسف".
ويلمح الناشط الحصني إلى أنه استعان في الجزء الرابع من الفيلم بمجموعة فيديوهات من (يوتبوب) لنازحين من مناطق أخرى، وهي مشاهد شبيهة بما جرى لنا، وللمفارقة، فإن "الكثير ممن جاؤوا معنا في طريق الموت كانوا يراسلوني على الخاص، ويسألوني متى صورت هذه المقاطع، ولماذا لم ترنا إياها فوضحت لهم الفكرة".
أما الجزء الخامس، حسب منجز الفيلم، فهو "عبارة عن فيديو من صفحات النظام لجثث الشهداء الذين سقطوا على الطريق".
ويستعيد الناشط "خالد الحصني" موقفاً إنسانياً صعباً عايشه بنفسه في رحلة طريق الموت، فمن بين الكثير من العائلات النازحة كان هناك–كما يقول– شخص مع زوجته وطفله، وفي لحظة من اللحظات صار الطفل يبكي، وكنا قريبين من منازل قرى النصارى التي ينتشر فيها الشبيحة".
ويستدرك الحصني: "عندما بدأ الطفل بالبكاء وقف الجميع في أماكنهم، وجلسوا على الأرض، كي لا ينفضح أمرنا وينكشف مكاننا، لأن أقرب منزل لم يكن يبعد أكثر من 800 متر".
ويردف الحصني: "تدخّل شخص من الأشخاص، وكان قريباً من والد الطفل الذي كان يحمل صغيره ويحاول إسكاته وقال له: "سكّت ابنك أحسن ما نموت كلنا" فقال له الأب كيف، وهنا قال له الشخص:"اخنقوا" -أي اخنق ابنك- وأضاف: "يموت شخص أحسن ما يموت 500 شخص من الموجودين".
ويتابع الحصني سارداً ما جرى:"كان هناك طبيب بين النازحين فاقترب من الطفل وأعطاه إبرة، وعندها هدأ الطفل ونام"، وتابع النازحون المسير.
ولم تكن حواجز الأمن وحدها التي تستهدف"موكب الموت"، بل كان شبيحة القرى الموالية التي مر بها يستهدفوننا.
*قصص مأساوية
ويضيف بلهجة حزن: "بدا العالم آنذاك كله –كما هو في الواقع- ضدنا ويريد قتلنا، ولم نكن نعرف من أين تأتينا النيران أو القذائف، حتى أن ملابس بعضنا تمزقت من كثرة الرصاص الذي كان يلامس أجسامنا وننجو منه بأعجوبة، وظلت رشاشات الشبيحة ومدافعهم تقصفنا حتى داخل لبنان بعد وصولنا فجر اليوم التالي".
ويتابع الناشط الحصني: "كنت وكل من معي من النازحين على قناعة تامة بأننا خرجنا في طريق الشهادة -بإذن الله- وأننا لن نصل إلى بر الأمان، ولكن قدّر الله وما قدّر فعل".
ويشير الحصني إلى أن أصعب موقف عاشه في هذه الرحلة التي استغرقت أكثر من 13 ساعة، هو استشهاد شقيقه طارق إلى جانبه، دون أن يتمكن من إنقاذه، مضيفاً أن "الكثير من رفاق الطريق عاشوا قصصاً ومواقف لا تقل أسىً وفجاعة عن قصتي".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية