هل من فجاجة في إجراء مقارنة بين أحداث درعا التي كانت منها شرارة الثورة السورية وحادثة شارلي ابدو التي هزت فرنسا مؤخرا؟ أعتقد أن الربط بين درعا وشارلي منطقي تماما إذا تم النظرمن ناحية تأثيرهما المباشر على الأمن القومي في كلا البلدين.
سارعت الحكومة الفرنسية للاستنفار على أعلى المستويات وبشكل غير مسبوق فور وقوع الحادث، واعتبرته حدثا على المستوى الوطني واستنفرت وسائل الإعلام لمتابعة التطورات بشكل مستمر، كما جرت وقفات تضامنية شعبية في ساحة الجمهورية بباريس والمدن الفرنسية الأخرى بأعداد مليونية وبمشاركة وحضور قادة وزعماء من مختلف دول العالم، وتم تكريم الضحايا وامتلأ مكان الحادث بالورود على عادة الأوروبيين وعند صدور العدد الجديد من شارلي ابدو أعلن الفرنسيون تعاطفهم العملي مع الجريدة بالتهافت على شرائها فتجاوز عدد النسخ المباعة الخمسة ملايين نسخة.
بالانتقال لما جرى في 18 آذار 2011 في درعا وسقوط عدد من الشهداء في الجامع العمري على أيدي رجال الأمن، فقد كانت احتمالات تطويق الأحداث في البداية واردة جدا، وخاصة في ظل محدوديتها وعدم توسعها، لكن النظام بدد ذلك عبر إخراج مسيرات ضخمة في مختلف المدن السورية في 28 آذار لتأييد بشار الأسد وتمهيدا لخطابه الشهير في مجلس الشعب في 30 آذار الذي كان أشبه بحفلة من التصفيق والهتافات والتهريج قبل أن تجف دماء الشهداء، وسيظل السوريون يذكرونه بكل أسى.
وبالعودة لموضوع المقارنة بين درعا وشارلي يمكن أن تطرح التساؤلات التالية:
لماذا لم يكن النظام حازما منذ اللحظة الأولى ولم يقم باتخاذ إجراءات عاجلة من محاسبة المسؤولين عن القتل أو تجريدهم من وظائفهم؟ وهل كان النظام يخشى أن يحدث ذلك حالة تنازل وتراجع تساعد على زيادة المد الشعبي ضده ؟ ولماذا يعتذر بشار الأسد شخصيا عن جرائم عناصره ويقوم بإجراء مصالحة مع أهالي الضحايا كانت ستعيد الهدوء على الفور للبلاد.
- من هي الجهة التي دفعت لإخراج مسيرات حاشدة قبل خطاب الأسد وليس بعده كما يفترض عادة؟ وهل تم ذلك للضغط عليه من قبل جهات يمكن اعتبارها صقور النظام؟ لمنع الأسد من تقديم أي تنازلات في خطابه خاصة بعد تأجيله لما بعد المسيرات.
- هل كان بشار الأسد يفكر بداية بتقديم تنازلات أو إصلاحات حقيقية، ولكنه لم يستطع القيام بذلك بسبب ضغط صقور النظام؟ أم على العكس من ذلك تماما، فقد كان يقف ضد تقديم أي تنازلات وتم افتعال حادث خلية الأزمة للتخلص من بعض الشخصيات النافذة في النظام التي تريد ذلك؟
- هل كان بشار الأسد يريد قول أو تقديم شيء ما في خطابه الأول أمام مجلس الشعب، ولكنه لم يستطع فعل ذلك بتأثير الضغوط عليه، أم أنه تراجع عن ذلك من تلقاء نفسه؟ وما السر وراء انهائه الخطاب بشكل مفاجئ للجميع.
- لماذا لم يقم النظام بالقبول والتعاطي مع المعارضة بكافة أشكالها، ورفض أي مبادرات للحوار والحل؟ وفي هذا الإطار اجتماع "سميراميس" والبرلمانيين وصحارى وسواها؟
- لماذا تمت الدعوة لعقد اللقاء التشاوري للحوار الوطني في صحارى برعاية نائب الرئيس فاروق الشرع ومن وراءها؟ ولماذا لم يتم الاستمرار في تلك اللقاءات وتطويرها؟ ولماذا جرى عدم الاعتراف بتوصيات اللقاء ومقترحاته وعدم الأخذ بها في وقتها مع أنها كانت متدنية السقف وتلقى قبولا واسعا؟
- لماذا استمر النظام في إصراره على الحل الأمني ومن ثم الحسم العسكري ولم يتراجع عن ذلك قيد أنملة رغم كل ما حدث في البلاد من مآسٍ وكوارث؟
يطرح افتراض منطقي يقول بأنه لو قام بشار الأسد منذ البداية بالإعلان عن محاكمات للضباط المسؤولين عما جرى في درعا، ومن ثم القيام بصلح مع أهالي الضحايا، وهم يقبلون بذلك كعرف عشائري، ويلي ذلك الإعلان عن أجندة إصلاحات حقيقية، تماثل على الأقل توصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث المنعقد عام 2005، فإن كل التكهنات تشير لتكريس بشار الأسد رئيسا قويا للبلاد، وبما يوازي الإجماع ولمدة طويلة من الزمن.
في بداية أحداث الربيع العربي وخلال اجتماع للقيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية قال فاروق الشرع إن الرياح ستضرب سوريا بلا شك وإن علينا التعامل مع هذا الواقع، ولم يجرؤ حضور الاجتماع على طلب تفسير وفهم هذا القول، ففهم البعض ذلك بالتصدي، بينما فهم الآخرون ذلك بالمرونة وربما أراد الشرع من كلامه ترك النهايات مفتوحة للتفسير والتأويل حسب الظروف، ويتضح من إدارته اللقاء التشاوري رغبته بالانحناء والتجاوب مع قوة الرياح وهذا ما يفسر إبعاد النظام له بشكل نهائي عن ساحة العمل السياسي وخاصة بعد قبول المعارضة به كرئيس للمرحلة الانتقالية في البلاد.
نعود لشارلي مرة أخرى لنرى كيف استطاع الرئيس فرانسوا هولاند تحويلها لقضية وطنية واستفاد منها في رفع شعبيته المتآكلة بشكل كبير؛ بينما في المقلب الآخر نرى كيف دمر الأسد البلاد للحفاظ على النظام والحكم، كما وضع مستقبل الطائفة العلوية في مهب الريح بعد أن زج بها في مقدمة المدافعين عن النظام عبر فرق الشبيحة والدفاع الوطني.
لم يتوقع الأسد اندلاع أي احتجاجات شعبية ضد نظامه، وهو يعتبر الرئيس الذي يقتل مواطنيه مجنونا ومع ذلك لم يتقدم بأي مبادرة حقيقية للحوار أو أي إصلاحات جدية للانتهاء من الأزمة.
في الخطاب الأول أعلن الأسد أن ما يجري هو حرب قد تمتد لسنوات رغم عدم وجود معطيات تدل على ذلك، ولكن تتالي الأحداث يؤكد أن كل ما تحدث عنه النظام في البداية تحقق على أرض الواقع وبشكل أدق من كل التوقعات والتحليلات الأخرى.
لو أراد الأسد إنقاذ البلاد لاستطاع ذلك فعلا ولحافظ على النظام والحكم وكل شيء فلماذا لم يقم بذلك؟ ولصالح من قام الأسد والنظام بتدمير البلاد. هنا يكمن الفرق بين درعا وشارلي وبين الأسد وهولاند.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية