هل يعرف القارئ الفارق بين العرب والأوروبيين؟ طبعاً رجالنا أطول وأجمل، وبناتنا «أحمرْ خدّ وأأصلْ جِدْ»، وكلنا من أهم فخذ في أكبر بطن من أقوى عشيرة. هذا مفهوم. غير أنني لاحظت أخيراً فارقاً إضافياً.
في الدوحة عقدنا اتفاقاً، وعدنا الى بيروت ونفذنا بعضه، ولا يزال بعض آخر ينتظر. نحن لا نجتمع إلا ونتفق، وكل جلسة لنا تنتهي بالعتاب الذي هو صابون القلوب، وبتوقيع اتفاق لم يقرأه أحد ولا يعتزم أحد تنفيذه، لذلك نقول: حبر على ورق.
في أوروبا، يجتمعون مرة بعد مرة بعد ألف مرة، قبل أن يتفقوا على شيء، هذا إذا اتفقوا، ولكن ينفذون ما يوقعون عليه. وكنت تابعت الولادة القيصرية لاتفاق ماستريخت بحكم الإقامة في الغرب، وهو الاتفاق الذي قام الاتحاد الأوروبي بموجبه، بعد أن اعتقدت أنه لن يقوم، فقد دامت المفاوضات سنوات، وكانت تنتهي بخلافات حادة تضخم الصحف أهميتها. وفي النهاية وقع الاتفاق في مدينة ماستريخت الهولندية في 7/2/1992، ودخل حيّز التنفيذ في 1/11/1993، وكان اليورو نتيجة أحد ملاحقه.
الخلاف على معاهدة لشبونة أشد منه على اتفاق ماستريخت، وأكثر عقداً وتعقيداً، وهو مفتوح لا يعرف أحد متى سينتهي. فالتصويت في إرلندا بالرفض كان مجرد خطوة على الطريق. وأقول للقارئ إن المعاهدة التي هي عبارة عن دستور للاتحاد خلفت الدستور الأوروبي الراحل الذي رفضه الفرنسيون والهولنديون عام 2005، فعاد أعضاء الاتحاد الى المربع الأول، وطلعوا بمعاهدة في لشبونة لا أراهن على إنها لن تلقى مصير الدستور المرحوم.
ما أعرف يقيناً هو أن الأوروبيين سينفذون المعاهدة إذا وقعوا عليها، ثم أقارن بما أعرف يقيناً عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وهي أكبر سناً من السوق المشتركة، ولم تنفذ يوماً.
إذا كان القارئ يعتقد أنني أتجنّى على الأمة، فهو يستطيع أن يتوقف عن القراءة هنا، لأن حرية الكلام أو الكتابة ترافقها حرية عدم الإصغاء، أو عدم القراءة. أزعم أن العبقري يعمل ما لم يُعمل من قبل، والعملي يعمل ما يجب عمله، والعربي يعمل ما لا حاجة له به، أو ما يؤمر به.
إذا صمد القارئ العربي معي، فإنني أزيد له إنني أشعر أحياناً بأننا نتفق، بمعنى اننا نوقع اتفاقاً، ثم نتفاوض عليه، كما نرى الآن مع اتفاق الدوحة. وكل جلسة عندنا تنتهي بالقُبَل، فلا أذكر أن مؤتمر قمة عربياً انتهى بخلاف وانسحابات، والاستثناء الوحيد كان عندما وبخ ولي عهد دولة عربية زعيم دولة أخرى لسوء تصرفه، فكاد هذا يرد بمحاولة اغتيال.
لست هنا لأنتقد العرب فقط، فالولايات المتحدة هدف أسهل، ونعرف الآن أن الأميركيين سيختارون في أول ثلثاء من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل رئيساً من بين مرشحَيْن اثنَيْن أساسيَيْن، إلا أنهم عندما ينتخبون ملكة جمال أميركا فهم يختارون واحدة من خمسين، وهذا دليل على أنهم يجدون ملكة الجمال أهم من الرئيس فيوسعون مجال الاختيار، وهو موقف صحيح، فالرئيس قد يشن حرباً عليّ، لأنني من بلاد العرب والمسلمين بجنود مدججين بالسلاح، أما لو ضربتني ملكة جمال أميركا فهو على قلبي أحلى من العسل.
أعود الى العرب، ومشكلتهم أن عندهم حلاً لكل مشكلة، إلا أن مشكلتهم الأخرى هي أن كل حل هو أسوأ من المشكلة الأصلية. هل احتاج أن أراجع مع القارئ تاريخ فلسطين الحديث؟ لم نقبل التقسيم وخسرنا أكثر مما عرض علينا، وبقينا نرفض وخسرنا البقية، ولا نزال نصر على حق العودة وقد انتقل الى مكان آخر ثلاثة أرباع لاجئي 1948، وأصبحنا الآن نقبل 22 في المئة من أرض كلها فلسطين، فلا يرضى العدو، «ورضينا بالهمّ، الهمّ ما رضي فينا"، كما يقول مثل يعرفه كل فلسطيني، والمشكلة هنا اننا لا نبدأ البحث عن حل إلا بعد أن نكون ارتكبنا جميع الأخطاء الممكنة وألغينا إمكانات الحل، أو كما قال أبا ايبان يوماً: «العرب لا يضيعون فرصة تضييع فرصة".
يقولون: الحكيم يتعلم من أخطائه، وثمة إضافة للمثل هي: أحكم منه من يتعلم من أخطاء غيره. والعربي لا يتعلم من أخطائه أو أخطاء الناس، فهو يزداد ثقة بنفسه كلما ازداد جهلاً أو ضعفاً، والنتيجة هي ما نرى في كل بلد.
أعرف انني سلبي في ما أكتب اليوم، وأعرف أن الضرب في الميّت حرام، غير انني أكتب بعد أن تابعت ولادة اتفاق الدوحة، وكيف أدخل غرفة العناية الفائقة من دون مرض ظاهر، وكيف جرى التصويت على معاهدة لشبونة في إرلندا.
المقارنة زادتني اقتناعاً بأن أفضل عمل لنا ألا نعمل شيئاً، حتى لا نزيد الأمور سوءاً، وهناك القول: لا تؤجل عمل اليوم الى غد. وهو ينطبق على العربي أكثر من غيره لأنه ارتكب من الأخطاء ما يكفي ليوم واحد.
العرب لا يضيعون فرصة "تضييع فرصة".... جهاد الخازن
الحياة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية