أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كاتب لبناني.. يريدون "حمرا" فيها سينما بورنو تحرسها صورة "المعلونة روحه"

نشرت صحيفة لندنية ناطقة بالعربية مقالا مطولا لكاتب لبناني يتحدث فيه عن تلبس لبنان بـ"خطاب النهايات"، وسيره الحثيث "نحو الهاوية"، مستعرضا مواقف من الماضي والحاضر تتقاطع فيها "الحمرا" مع فتاة "البورونو" مع النظرة للاجئ السوري، بـ"حقد عام وعارم وشامل".

واستذكر الكاتب "شادي علاء الدين" في مقاله بصحيفة "العرب" أيام وليالي شارع "الحمرا" الخوالي و"التي يجتاح اللبنانيين الحنين إليها"، حيث كانت هناك دار سينما مخصصة لعرض أفلام الخلاعة، برعاية مخابرات حافظ الأسد، الذي كانت صورته تتصدر مدخل السينما وفي أعلى مكان منها.

ويضيف: "إذن نحن نحتقر اللاجئين السورين الذين سرقوا منا حمراءنا التي كانت عامرة سابقا بوجود سوري مخابراتي كان يحرس حقنا في مشاهدة البورنو ولكنه كان يمنعنا من ممارسة العادة السرية".
وهذا نص المقال: 
لا تخبر النهايات سوى عن نفسها ولا تبدأ إلا منها. لا تتراكم وتتكاثر وتتكثف وتتمادى إلا فيها. تعلن عن نفسها كبداهة منتصرة لا مجال لقراءتها بل لعرضها فقط. لا يمكن كتابة النهايات ولا عيشها يمكن فقط وصفها.

نكتب لنصف النهايات. نعلن أنها النهايات وهي مقفلة لا تفتح على بدايات جديدة أو تمهد لها بل تضم نفسها على أقفالها وتسود. تمتد كلحظة احتضار مفتوحة تحاول خداع الوجود بارتعاشات متشنجة تصبها في تلافيف وعينا كعلامة على حياة كاملة في حين أنها طقس موت يعربد.

ليس للنهايات عنوان. إنها عنوان نفسها ومتى ما كانت جنائزية فإنها لا تخاطب حتى صناعها ومؤلفيها ومنشديها، بل تمر عبرهم ومن خلالهم وعلى جثثهم. ما يعني النهايات هو كمالها، وفي طريقها إلى تحقيقه تشرع بعملية إبادة المعاني وتترك هذه الإبادة تتراكم وتتراكم حتى تصير قانونا ولغة وثقافة تمهيدا لتحويلها إلى جغرافيا تسكنها، وتعلن من على أطلالها المحترقة قيام دولتها السيدة والحرة والمستقلة.

لبنان يعيش حالياً، وبشكل خاص، خطاب النهايات ويكتب كتابها بإصرار منتش بالسير الحثيث نحو الهاوية لذا سنتخذ من قراءة دفتر أحواله مدخلا للإشارة إلى مناخ النهايات الذي يعصف بالمنطقة بشكل عام.
اصطدام لبنان بالمأساة السورية سرّع مسيرة النهايات. أرسل البلد الجميل حشدا من القتلة ليشاركوا في استباحة الدم السوري فكان من نتيجة هذا الخيار أن تدفق السوريون إلى لبنان هربا من ذلك الجحيم. استقبلهم البلد بوصفهم نوعا من العار، وراح يعرّيهم من جميع الصفات والحقوق، وحلا له في الآونة الأخيرة أن يلجأ إلى استحداث قوانين تجعل من دخولهم إلى لبنان شبه مستحيل.

إحدى الجرائد اللبنانية العريقة نشرت لصحفي تخرّج حديثا من كلية الإعلام مقالا يبكي فيه على الحمراء التي صارت سورية يحتلها أصحاب البشرات السمراء. لم يكن الصحافي ينعى منطقة ولا يحتج على أزمة بل كان يعلن أن زمن الصحافة قد انتهى في لبنان، وأن الصحافة قد ماتت موتا لا ترجى بعده قيامة. ليست المشكلة في ما يمكن أن يتهم به المقال من عنصرية بغيضة.

المسألة تجاوزت هذا البعد بكثير فقد باتت العنصرية وراء المقال، بل ربما يمكن أن تكون سببا تخفيفيا يصب في مصلحة الكاتب والجريدة في حال كان هو عنوان المشكلة.المشكلة تتعلق، أساسا، بكون نشر مثل هذا المقال بات ممكنا في جريدة عريقة كجريدة النهار. المشكلة تكمن، أساساً، في اعتبار هذا الكلام مقالا يصلح للنشر. لا نستطيع مناقشة المحتوى إلا إذا كان هذا الشيء مالكا لصفة أولية وهي كونه مقالا في الأساس. غياب هذه الصفة لا تجعل منه لغوا وهباء، بل على العكس من ذلك تجعل من هذا الكلام تعبيرا جديا وحادا ومقصودا عن حقد عام وعارم وشامل ضد السوريين، لدرجة أن الشكل الذي يجب أن يرتديه ليعبر عن نفسه لم يعد مهما على الإطلاق. إنه ليس كلاما أو خطابا أو مقالا أو هراء، إنه كراهية صافية تعلو فوق حيل الشكل والمنهج والأسلوب لتطلق نفسها عارية خالية من كل التزيينات التي يمكن للكلام أن يجبرها عليها.
لغة الكراهية هي نفي للكلام، وحين تتبلور في خطاب فإنها لا تبحث سوى عن تماه مفتوح مع النهايات. من هنا كان نشر هذا المقال في جريدة “النهار” وكأنه إعلان عن حرص الجريدة ليس على نفي تاريخها واحتقار مستقبلها وحسب، بل على امتناع حاضرها ولحظتها ودخولها في نهاية لا تسمح بأن يكون لها تاريخ سابق عليها. تمسك النهايات بالنهار وتلفها في صندوقها الأسود وتترك الديوك تصيح في الفراغ وتعلن بقسوة فظة عن نهاية الصحافة في لبنان.

تلك "الحمراء"
يمكن للمرء أن يتساءل كذلك عن ماهية الحمراء التي يجتاح اللبنانيين الحنين إليها. في الحمراء التي يجتاحنا الحنين إليها كانت هناك سينما تعرض أفلام بورنو برعاية المخابرات السورية حيث كانت صورة الملعونة روحه اليوم على كل لسان سوري تتصدر مدخلها في أعلى مكان ممكن. كان هناك من يدور بمصباح يدوي في داخل الصالة صارخا على محبي العادة السرية “ضبو ولك ضبو”. لم يعد هناك من يصرخ “ضبو ولك ضبو”. هذا الحنين إلى تلك الحمراء هو حنين إلى ذلك الصارخ “ضبو ولك ضبو”. لم نعد “نضبو” وما ظهر منه كاف لتكون البلاد وليس الحمراء فقط عبارة عن عورة تكشف عن نفسها بفخر مقزز.
إذن نحن نحتقر اللاجئين السورين الذين سرقوا منا حمراءنا التي كانت عامرة سابقا بوجود سوري مخابراتي كان يحرس حقنا في مشاهدة البورنو ولكنه كان يمنعنا من ممارسة العادة السرية.

هنا تحديدا تكمن قسوة المفارقة وفظاظتها ودلالتها. اللافت أن اكثر كارهي الوجود السوري المخابراتي الأمني بقوا في معارضتهم لوجوده في لبنان مقيمين في حدود السياسة، ولم نشهد كلاما عنصريا ضد الأمنيين والمخابرات ولكن دائما وأبدا ضد السوري الذي لم نستطع إيجاد تعريف واضح له.
كان السوري إبان فترة حكم المخابرات في لبنان يعاني من اضطهاد مزدوج في بلاده وفي لبنان. والآن حين اندلعت المجزرة ضده في سوريا وجاء الى لبنان، انفجر حنين لبناني إلى مرحلة سورية أخرى كان فيها القمع المخابراتي يطال الجميع. وهب هذا الحنين الوجود الأمني السوري هيئة تنظيم وضبط تبدو الآن مفقودة. وقتها كان هناك حلف لبناني سوري قوامه العنصرية ضد المواطنين السوريين. الآن، بعد خروج المخابرات السورية من لبنان فإن اللبنانيين يعيدون إنتاج احتقارها لهم وللسوريين على هيئة عنصرية لا تتجه عمليا ضد الآخر بقدر ما تعبر عن امتلاء النفس بالفراغ، واستبطان نظرة المخابرات لهم وتحولها إلى وصف للذات لا يمكن أن ينتج عنه سوى عشق الخراب والسعي إليه.

هكذا تبنى معادلة إتاحة البورنو ومنع العادة السرية في صالة السينما التي يراد منها منع أي تفريغ يمكن للمرء بعده نفض حمولة البورنو من رأسه ومن خياله والعودة إلى ممارسة شؤون تدبير حياته، بل يراد للمجال العام أن يصبح كله مسرحا لخيالات بورنوغرافية. كيف يمكن بغير هذه الطريقة إنشاء صورة "قائدنا إلى الابد"، أو "السيد الذي لا يخطىء"، أو "الولي الفقيه". إنها المبالغات وقد صارت علامة وجود بورنوغرافي السمات والمعاني.

ملكة البورنوغرافيا
ظهرت ميا خليفة نجمة البورنو اللبنانية في لحظة النهايات لتؤكد عليها وتدعمها. بدا التناول اللبناني لظاهرتها تعبيرا عن لعثمة وعن لغو غير قادر على تكوين أي منطق. بدت ميا أكبر بكثير من حدود ما يستطيع البلد احتماله واستيعابه. صدرت بيانات عائلية تدين فعلتها. أقيمت حملات تعاطف وشجب ولكنها كانت تخاطب البلد انطلاقا من مسافة لا يمكن ردمها وهي المسافة التي يخلقها واقع كونها نجمة عالمية. خرجت خليفة من حدود التناول اللبناني فلم تعد مجرد “عاهرة أخرى”، بل باتت نجمة تعمل في المجال الذي يمثل الأصل المشتهى، والكمال الممتنع لكامل سيرورة المنطق اللبناني في تدبير شؤون الأفكار، والسياسة، والعيش والنظرة إلى الذات والعالم.

استدعت ميا الصلة مع البلد انطلاقا من كونها أصلا بلغ كمالا لا يستطيعه البلد الذي خرجت منه، والذي لم يشكل سوى لحظة انطلاق. تقول ميا للبنان البلد الغارق في حالة بورنوغرافية عامة إنها تفوقت عليه وصارت مرجعاً، في حين أنه لم ينجح في أن تكون بورنوغرافيته العامة سوى نكتة باردة.
كتبت ميا خليفة على يدها "كلنا للوطن للعلى للعلم" لا لتستحضر صلة بنسب ما بل لتخاطب الجمهور اللبناني والعربي بوصفه جمهورا، مجرد جمهور يدخل في عالم الفرجة صاغرا، ليضيف على ملايين المشاهدات التي تحظى بها أفلامها أرقاما فلكية أخرى.

صلتها بلبنان تكمن في صيغة المبالغة الخالقة للبورنوغرافيا التي تمثل جوهر الأسطرة اللبنانية العامة. تتبدى ملامح هذه المبالغة في الصورة التي نسجها حزب الله حول نفسه، وحول زعيمه السيد حسن نصرالله والصورة التي تُتَداول للجيش اللبناني الذي احتلت جزمته العسكرية منذ فترة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وفي خيالات اللبننة التي تدّعي احتلالا ما للعالم حضاريا وثقافيا.

كلنا ميا خليفة
كلمات النشيد الوطني اللبناني على ساعد ميا خليفة تخرج عن كونها كلاما ليصبح صورة لا يمكن التماسها إلا من مسافة القرب والتحديق، وبذلك تضم النشيد إلى عالمها وتنفيه، فكل ما يمس مجال جسدها النجم المعولم يصبح ملكا للبورنوغرافيا التي توجتها ملكة على عرشها. لكن ما كرّسها نجمة بشكل خاص كان الإقبال اللبناني والعربي على مشاهدة أفلامها. هذا الإقبال وهو سابق على إعلان لبنانيتها التي لم يكن من داع لكشفها في لحظة مختارة بعناية سوى ذلك الاهتمام العربي واللبناني الخرافي بالبورنوغرافيا، ما دفع بالشركات المنتجة لهذا النوع من الأفلام والتي كانت قد بدأت تعيش أزمة مالية بسبب ضعف الطلب على منتجاتها إلى تصميم أنواع معينة من الأفلام تستجيب لمزاج المشاهد العربي واللبناني.

ما هو مزاج المشاهد اللبناني والعربي؟ بدا واضحا أنه يريد أن يشاهد فتيات عربيات وبشكل خاص محجبات يمارسن الجنس. يريد أن يشاهد امرأة يعرفها تمارس الجنس مع الغرباء. يريد أن يرى عالم الجسد الأنثوي وهو يخرج من واقعيته ليدخل في مجال المبالغة والتضخيم، ويتحول تاليا إلى سلطة قامعة وعنيفة يتيح له التماهي معها تصفية المرأة الممكنة والحقيقية التي يعيش معها، وتاليا تصفية الوقائع المتصلة بها.
عالم ميا خليفة هو عالم المرأة الصورة أي تلك التي غادرت جسدها لتسكن الشاشة وهي ليست قابلة للمس. وليس هذا الانتهاك الجسدي الذي تعرضه في أفلامها سوى نوع من الجنس الممتنع، وهو تماما البضاعة التي نشتريها منها وهو تماما المسافة التي تفصل بيننا وبينها. إنها ليست فعلا جنسيا بل الجنس في وضعية مستعلية سلطوية. مبالغات ميا خليفة هي جزء من نظام ينتج المبالغات كنوع من نشاط تجاري معد للاستهلاك، ونحن نستهلك المبالغات.

منتج المبالغات لا يعيشها ولا يتبناها كمنطق للعيش، ولكننا في نزوعنا اللاهث نحو تأبيد النهايات نحوّل كل شيء إلى صيغة واقعة عنف دموي. فعل الهتك الذي نشتريه والذي بدا واضحا من حجم المشاهدات العربية اللبنانية الخرافية لأفلام خليفة أنه يوحدنا، هو نفسه ما نريد الانتقام من الغرب بسببه.
أعلنت داعش التي دعتنا ميا إلى محاربتها، قبل أن ننصرف إلى الحديث عنها أنها انتقامنا وردّنا على الانتهاك الذي يمارس ضدنا، ولكن بما أننا نحن بأنفسنا جمهور انتهاكنا الخاص ورعاته ومستهلكيه، فإن داعش قد مُنحت الحق في أن تنتقم منا.

الفيلم الأكثر مشاهدة لميا خليفة هو فيلم تظهر فيه بالحجاب. هناك جمهور يثور ويغضب لكرامة الحجاب، وكرامة الإسلام، وكرامة النبي ويقتل دفاعا عن هذه الكرامات، وهذا الجمهور نفسه هو جمهور مشاهدة شريط “الحجاب البورنوغرافي”.

يقول أنطونان آرتو “إننا لم نتحدث أبدا بهذه الوفرة عن الحضارة والثقافة إلا منذ أن بدأت الحياة تغادرنا”.
أعتقد أن هذا ما نفعله الآن نتحدث عن القيم والأخلاق في اللحظة التي شرعنا فيها بمغادرة الحياة التي لا تكون ممكنة سوى بالتعاطف الإنساني المتجاوز لأي اعتبار. هكذا نسأل بمرارة هل يمكن لبلد يموت فيه أطفال سوريون من البرد أن يكون ممكنا؟ إنه زمن المبالغات الفظة المتحالفة مع نهايات متجهمة.

صحف
(130)    هل أعجبتك المقالة (118)

أيمن

2015-01-12

الى المعلك ismailمقالة الإستازشادي علاء الدين هي التجسيد الكامل لحزب المماتعةوالبيئة الحاضنة له.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي