يحل الشتاء والبرد على محاصري جنوب العاصمة منذرا بكارثة إنسانية جديدة متزامنا مع مرور نحو شهر على إغلاق النظام للمعبر الإنساني الوحيد للمنطقة.
ووصف "المكتب الإغاثي لريف دمشق الجنوبي" وضع السكان في المنطقة بأنه "مأساةٌ فريدةُ من نوعها".
وتضم منطقة جنوب العاصمة أحياء (مخيم اليرموك -الحجر الأسود -العسالي والقدم -التضامن) وبلدات (ببيلا –بيت سحم – يلدا). بتعداد سكاني ناهز الـ 75 ألفا.
تتسع المعاناة لتطول لقمة المحاصرين واحتياجاتهم اليومية بعد إعلان المنطقة لنكبتها في النصف الثاني من عام 2013، حيث نفدت المواد الغذائية بشكل كامل، وبات الاعتماد الوحيد على ماتبقى من خيرات بعض البساتين التي قد لاتغني ولا تسمن من جوع، نظرا لضيق المساحات الزراعية لديها.
وضعٌ بلغ ذروته مع نهاية العام 2013، حيث شرّع وقتها بعض رجال الدين تناول لحم القطط والكلاب والحمير، فاتحا فصلا جديد من صراع البقاء على قيد الحياة، حيث سقط نحو 125 شهيدا نتيجة الجوع ناهيك عن العشرات الذين لم يتم توثيقهم.
وبات منظر الباحثين عن لقمتهم في حاويات القمامة وأطفال الشوارع بانتظار من يتحنن عليهم بشيء يقتاتونه؛ مشهدا مألوفا في شوارع جنوب العاصمة.
وأضحت "رجل العصفورة" تلك النبتة السامة ذات الطعم المر عنوان المرحلة وبأثمان مرتفعة، والتي تأبى الدواب أن تأكلها، مجبرة الناس على تناولها، فقد كان الحصول عليها أيسر بكثير من شراء مادة "الرز" أو "السكر"-إن وجدت- بسعر يفوق 12 آلف ليرة للكيلو غرام الواحد.
حال دفع بالكثير إلى الوقوع في أمراض نفسية مزمنة، فمنهم من آثر الانتحار على العيش في هكذا ظروف، وآخرين دفعهم الجوع إلى مايشبه "الانتحار الجماعي"، كما حدث في موقعين اثنين، الأول كان في منتصف كانون الأول/ نوفمبر 2013، عندما حاول المئات الخروج من السجن الكبير عن طريق حاجز "بيت سحم"، لتنتهي مأساتهم بسقوط نحو 150 شهيدا بعد محاولتهم الفرار من الموت جوعا ليواجهوا ذات المصير برصاص قناصي النظام المتربصين.
تلتها مجزرة أخرى بعد أقل من شهر كانت عند معبر "علي الوحش" الواصل بين "يلدا" و "السيدة زينب"، وقتها حاول الآلاف من المحاصرين الخروج لذات السبب، بعد أن طمأنتهم الميليشيات الطائفية بعدم التعرض لهم، لتغدر بهم حيث اعتقلت جميع الرجال والأطفال منهم والبالغ عددهم أكثر من 1000 شخص وإلى الآن لم يعرف مصيرهم، باستثناء البعض الذين أعيدو إلى ذويهم جثثا هامدة عليها آثار تعذيب.
وبعد أن وصلت الأمور إلى حافة الانهيار، أُجبرت بعض بلدات المنطقة "يلدا" و"ببيلا" و"بيت سحم" في منتصف شهر شباط/فبراير 2014 على إبرام مصالحة مع النظام للسماح بدخول المواد الغذائية، في سبيل سد جزء من رمق الحياة، وبات النظام يتحكم بدخول المواد الغذائية التي يحددها نوعاً وكماً والتي تمنع غالب الأحيان من الدخول تحت ذرائع عديدة، منها أنها توزع على "الإرهابيين" في المنطقة، وأخرى بتوريد المواد للمناطق التي لم تدخل في الهدن وذرائع شتى.
أوصلت بها الحال إلى إغلاق آخر المعابر بشكل كامل، مانعا إدخال أي مواد غذائية أو طبية أو خدمية ليعود شبح الحصار للمنطقة من جديد.
ومع قدوم الشتاء، وإحكام الحصار أذرعه من جديد، وعجز الأرض عن كفاية حاجة الناس، وعدم قدرة أكثرهم على تخزين شيء من الطعام بسبب قلة المال، يعود شبح الحصار من جديد لكن هذه المرة تخوف من كارثة جديدة شبيهة أو أشد قسوة من الماضية.
دمشق- زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية