بادئ ذي بدء، وقبل أي شيء آخر، آيات الشكر لرئيس الجمهورية للمبادرة المزدوجة التي اتخذها: قمة روحية، نظر إليها مفتي طرابلس وكأنها حضور مؤسساتي، وقمة رئاسية. ولعله في ذلك يلفت الانتباه من حيث لم يشأ ربما إلى الفجوة الدستورية التي لا ننفك نشير إليها، وهي غياب مجلس الشيوخ الذي ينص الدستور في المادة 22 على أن تتمثّل فيه "جميع العائلات الروحية".
وإذا كان الحكم قد اضطر أكثر من مرة للجوء إلى قمة روحية، فلأن الصراعات الطائفية تكاد تقضي على الجوهر الروحي للأديان بتحويلها قبائل غريبة عن الدين وعن القيم الروحية، بل مجتمعة على العداء لها على نحوٍ يحرم لبنان من حمل مناعته كمتحد تعددي للعائلات الروحية التي تعيش (ولا نقول تتعايش) في حال حوارٍ كياني يومي دائم تتجاوز أهميته المناظرات والمناقشات الفلسفية والفقهية واللاهوتية.
وغني عن القول إن وجود مجلس الشيوخ بالصفة التي ينص عليها الدستور يمكّن مجالس الحكم من اللجوء عبره إلى الدين كقوة رادعة عن النزاعات القبلية الجاهلية، فضلاً عن تكريس كون الأديان، في فرادة هذا الحوار بين المؤمنين، تكوّن منهلاً دائماً للمناقب التي ترعى الدول المتحضرة عبر القوانين والشرائع وبقوة تفوقها إلزامية في حالات كثيرة.
***
ولا نبوح بسرّ إذا نحن قلنا إن ثمة أكثر من مجموعة من النواب والمفكّرين والحقوقيين تتعاون لصوغ مشروع قانون إنشاء مجلس الشيوخ لطرحه على مجلس النواب فور انتهائه من تعديل قانون الانتخاب. مع الإشارة الى أن قانون إنشاء مجلس الشيوخ وتحديد صلاحياته وطريقة تكوينه لا تحتاج إلى أكثر من قانون عادي، أسوة بقانون مجلس النواب.
***
وبعد، رجوعاً إلى القمتين. يخطر لنا أن نسأل الرئيس سليمان ماذا كان يمنعه، وهو المعروفة عنه الصلابة في التصرف، أن يقول للرئيسين البري والسنيورة من غير ان يشكل ذلك رجوعاً الى نهج "الترويكا" إنه "لن يطلق سراحهما" من القصر الجمهوري قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي بينهم يعلنونه كأمر واقع ويدعون جميع الوزراء الذين يعيّنون آنذاك الى القبول، ولو على سبيل التضحية(!!!) ومن يستقيل يستبدل بسواه ممن يمكن أن يكون أفضل منه وأكثر استعداداً للتضحية بالشروط المسبقة.
ولتذهب الحكومة لتمثل أمام المجلس.
ونرى إذذاك إذا كان النواب سيحجبون عنها الثقة ويواجهون الرأي العام (اي الناخبين الغاضبين...) بالتلكؤ عن الانصراف الى تلبية الحاجات الحياتية المنتظرة من الحكم للتلهي بفرض الشروط التعجيزية بعضهم على البعض.
وحتى نختم هذا المقال بما يدعو إلى مزيد من التفاؤل، لا بد من أن نسجل للجيش وقوى الأمن القدرة التي برزت في وقف مسلسل المعارك المجانية المفتعلة في طرابلس (الشام؟).
ونحن على ثقة بالرئيس سليمان، بصفته القائد الأعلى بموجب الدستور، والقائد "التاريخي" للجيش حتى إشعار آخر.
وأملنا أن يشرك الرئيسين بري والسنيورة في استخلاص العبر والمعلومات والامثولات من الأسباب الظاهرة والمخفية لهذا النموذج الجديد من الحرب غير المعلنة الأهداف، لا العسكرية ولا السياسية... ولا حتى "العقائدية".
كان يجب... وكان يمكن! .... غسان تويني
النهار
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية