ألم يعترف رئيس المجلس الوطني الأول برهان غليون أن روسيا تضحك على المعارضة السورية بالحديث عن التسوية السياسية، وأنها لن تتخلى عن نظام الأسد الذي تعتبره الممثل الشرعي لمؤسسات الدولة السورية، وآخر ما قاله غليون منذ يومين إن الحديث عن التسوية السياسية فخ كبير منصوب للمعارضة السورية، إذ إن موسكو تعتقد أن الحل السياسي يكون مع تثبيت النظام وليس تغييره.
هل نسي الائتلاف حرب الفيتو الروسية في الأمم المتحدة- والتي بلغت أربعة في أقل من ثلاثة أعوام- ضد أي قرار إدانة للنظام السوري، وكذلك معارك مندوب فلاديمير بوتين، فيتالي تشوركين ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر، حتى أن قرار مرور المساعدات الإنسانية في المناطق المحاصرة نفذ في الأمم المتحدة بتعجيزات روسية لدول العالم، حتى لا يكون هذا القرار على غرار قرار مجلس الأمن حول ليبيا الذي أباح التدخل العسكري الغربي.
هل تغيرت روسيا فعلا!؟
لماذا تتناسى المعارضة اليوم، تاريخا أسود من الدعم الروسي لنظام الأسد بالمال والسلاح والرجال والاستخبارات، أين ذهبت اتهامات المعارضة لروسيا بأنها تدعم الأسد حتى بالخبراء والمستشارين العسكريين، كان هذا بالأمس القريب .. القائمة الروسية طويلة.. فهل أصيبت ذاكرة المعارضة بالزهايمر السياسي.. أمام كل هذا الحقد الروسي، لماذا تتهافت المعارضة الآن –على استحياء- إلى مائدة ميخائيل بوغدانوف مسؤول الملف السوري في الخارجية الروسية، وهرولت إلى القاهرة على أمل أن تكون مصر مدخلا للحل الروسي .. ماذا جرى.. هل تغيرت روسيا فعلا.. وهي ذاتها التي قالت قبل أيام إن أي حديث عن تسوية سياسية يجب أن تكون بعيدة عن الحديث حول رحيل بشار الأسد.. اندفاع خجول لكنه مفضوح من قبل الائتلاف إلى روسيا لا يبدو أن ثمة مؤشرات حقيقية لاتباعه.
طوال السنوات الأربع الماضية، كانت المعارضة تبيع الشعب السوري خطبا واتهامات ضد روسيا، بأنها شريك في قتل الشعب السوري، وداعم صريح لكل ما يقوم به النظام.. واليوم بدون أي مقدمات، لا يتورع البعض عن قبول مبادرة "رائحة" روسية شرط أن تكون واضحة المحاور والمعالم للحوار مع النظام.. هل تمت تبرئة روسيا من دم أطفال ونساء سوريا، وحان وقت منحها صك براءة للبدء بحوار سياسي عله يفضي إلى انتصار الجزار على الضحية وأخواتها.
أي عبقرية سياسية تمتلكها المعارضة السورية في إدارة الصراع، فبعد أربع سنوات من التدمير والقتل الممنهج لكل ما هو سوري، تصل المعارضة إلى قناعة مفادها أن الحل لن يمر إلا عبر البوابة الروسية، هل من حاجة إلى كل هذه السنوات من الدمار والشهداء للوصول إلى هذه القناعة. في حين الطريق كانت أقصر بكثير من هذا الكابوس العالمي، إذ تحولت سوريا إلى أسوأ صراع عرفه التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية.
لا أعرف ولم أفهم، كيف دعا ميشيل كيلو جهارا نهارا في مقال نشره في صحيفة العربي الجديد إلى عدم تقييد أيادي المعارضة تجاه سوريا، بل ويقول "لماذا لا نبدأ حوارا منظما مع موسكو متسائلا أين الخطورة في ذلك، ولا يتوقف عند هذا الحد .. بل لا يمانع في حوار مواز مع إيران"، وبغض النظر عن نوايا كيلو في هذا الأمر، وكيف فلسفته السياسية في إعادة بناء التوجهات السياسية، إلا أنه لا يمكن قبول القاتل قاضيا، وهو في داخله يدرك أن الثورة السورية ما هي إلا مجموعة من الإرهابيين والمرتزقة لا يجب أن تنتصر، كيف يمكن إيجاد نقطة التقاء مع هذا العقل الروسي، الذي يعتقد بدون أدنى شك أن انتصار الثورة السورية، هي خروجها من المنطقة إلى الأبد .. لا يمكن أي قوة في التاريخ أن توجد أي منطق للحوار بين مفهومين متناقضين بهذا الشكل.. وإن كان من السهل أن نصفح عن جرائم روسيا بحق الشعب السوري، فالأسهل من ذلك أن نصفح عن بشار الأسد وأعوانه باعتبارهم سوريين شئنا أم أبينا، ونعود إلى "حضن الوطن" لنعمره على طريقة "راجع يتعمر لبنان".. إن دقيقة تأمل واحد ليس أكثر تستعيد مواقف روسيا تجاه الثورة السورية، كفيلة بنسف أي دعوة لأن تكون موسكو وسيطا في الحوار بين المعارضة والنظام .. كيف للثائر أن يقبل بجلاده حكما.. كيف سيكون الحكم!؟
تتناسى المعارضة اليوم، بعد تقدم الصراع فلسفة الثورة السورية، التي اختارت الموت على المذلة، واختارت الحرية على قيد الحديد، فهل تنازل السوريون عن حريتهم وأوقفوا تضحياتهم وفوضوا من يمد يده لروسيا، كيف لثورة الحرية والكرامة والديمقراطية أن تنتهي عند أقدام العصابة الأسدية وعلى طاولة بوتين الملطخة بالدم السوري.
*بيع دم السوريين بأوهام الحل السلمي
يقر معظم "السياسيين" من قيادات المعارضة، أنهم كانوا يحبسون أنفاسهم كل يوم جمعة، على أمل ألا يتوقف هؤلاء الشباب عن المظاهرات وشعارات تحطيم هيبة الديكتاتور، وبالفعل تحقق لهؤلاء ذلك.. لتنطبق وحرفيا مقولة الثورات "يطلقها المغامرون، ويكملها الشجعان، ويخطفها الجبناء".
بالطبع لا تتحمل المعارضة السورية مسؤولية ما يجري، لأنها في الأصل خارج حسابات الصراع، لكن هذا لا يعفيها من أن تكون على قدر المسؤولية التمثيلية للثورة وألا تقلل من هيبة ووزن الثورة.
واليوم.. رغم مرارة الصراع في سوريا، ورغم قتامة المشهد وانسداد الأفق، إلا أن المعارضة وبكل برود تتعامل بشكل تجريبي مع الأزمة: حدث ذلك ومازال يحدث منذ بداية الثورة، تأخروا في تسليح الثوار ورفضوا السلاح الليبي منذ الشهور الأولى، إلى أن انتزع الشعب السوري قرار السلاح بنفسه للدفاع عن النفس، لتتعالى بعد ذلك أصوات المعارضة بالسلاح، وتخوفوا من فكرة التدخل الدولي العسكري، حتى لا يقعون في تهمة الاستقواء بالخارج وأنهم جاؤوا على دبابة غربية، في حين أن النظام استقوى حتى بمرتزقة أفغان وأطلق العنان لكل الدبابات الروسية أن تصول وتجول في المدن والأرياف لقمع المتظاهرين.. ليس هذا فحسب، بل ذهبوا بوفد عريض إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأمضوا أسبوعين لإقناع الإدارة الأمريكية بصواب تسليح الجيش الحر وإنهاء الصراع، إلا أن المضيف الأمريكي حذرهم من الحديث مع الرئيس باراك أوباما حول السلاح.
*رسالة لافروف للمعارضة
وفشلوا في أكتوبر العام 2012 بمراكش حين كان الموقف الدولي على أشده، في اختيار رئيس للحكومة يدير المناطق المحررة، ويعمل على ضبط السيطرة في المناطق المحررة وإدارة مؤسسات الدولة.. ونشب صراع حول من يتسلم رئاسة الحكومة، فرياض حجاب بعثي وأسعد مصطفى من بقايا النظام.. لتضيع بعد ذلك المناطق المحررة بمؤسساتها في بحر الفوضى، وتنبت التيارات الإسلامية المتطرفة في كل منطقة غاب عنها التنظيم من المعارضة بشقيها السياسي والعسكري.. كان علينا أن نكشف عورة هذه المعارضة، منذ اللحظة التي كان البعض منهم يرسل معونات دول الخليج إلى الداخل ويكتبون على هذه المعونات أسماءهم.. فالصورة تكفي ولا تحتاج إلى التوضيح.
فشلت المعارضة السورية في أن تكون معارضة، صدرت أسوأ أنواع السياسيين السوريين، وانغمست في صراعات جانبية على جنبات البوسفور، لم يخجلوا حتى من مضيفتهم تركيا، حين تبادلوا اللكمات والصفعات وتراشقوا بالكلمات، على مرأى ومسامع الجار الطيب.. حتى إسقاط النظام لم يكن يوما محط إجماعهم.. فشلوا في كل شيء على الإطلاق، حتى في الدفاع عن الشعب السوري، حتى في توقيت التوجه إلى روسيا للحل السياسي، كان اندفاعا ينطوي على تجاهل قاس لتضحيات الشعب السوري.. رغم كل هذا وما زالوا يعتقدون أنهم يمكن أن يمثلوا مصالح الثورة.. لم يعد نظام بشار الأسد وتخاذل المجتمع الدولي، هما المأساتان الوحيدتان للشعب السوري.. لقد أضيفت إليهما مأساة أكبر، أن مثل هذه المعارضة تقود ثورة تفوق حجمها التاريخي والسياسي .. إنها أسوأ معارضة لأعظم ثورة.
عبدالله رجا - مسؤول الملف الخارجي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية