رغم أهمية وضرورة إجراء مراجعات جدية لمسار الثورة وتحولاتها من قبل الجهات الممثلة للثورة والمعارضة، إلا أن ذلك لم يحصل بالفعل واقتصر الأمر على بعض الدراسات والأبحاث المستقلة غير الملزمة و لم يتم اتخاذ إجراءات وتوصيات بخصوصها.
تركزت جهود الناشطين والمعارضين في البداية على إسقاط النظام بكل أركانه ومرتكزاته، وإقامة سلطة بديلة عنه تؤسس لإقامة مجتمع مدني ديمقراطي تعددي.
وفي الطريق نحو ذلك كان يفترض في المعارضة أن تبني سلطة مؤقتة لتكون بديلا عن النظام في حال سقوطه المفترض في أي لحظة، وأن تكون مؤسساتها الانتقالية مبنية على الشفافية والمحاسبة وصورة عن المستقبل الموعود.
لم يلحظ أي جهد أو اهتمام من المعارضة ببناء سلطة تشريعية لتشكل مرجعية، وضمانا لها وللثورة ولم يتم تقديم مساندة لمحاولات بذلت في هذا الإطار.
ولم تقم المعارضة بالتقاط الفرص السانحة لذلك، خاصة عندما أعلن البرلمان العربي مبكرا تجميد نشاط وعضوية مجلس الشعب السوري فيه وكان أول منظمة إقليمية أو دولية تقوم بذلك، وكذلك عندما أوقفت عدة برلمانات العلاقات والتبادل مع مجلس الشعب السوري.
خلال مشاركتي مع ناشطين سوريين في مظاهرة ضد النظام أمام مجلس الشعب المصري المنتخب بعد ثورة يناير، والمؤيد بطبيعة الحال للثورة السورية دخلت لمكتب رئيس المجلس سعد الكتاتني رفقة بعض الناشطين، كان من بينهم معتز شقلب وكان المجلس منعقدا في تلك الأثناء، وتقدمت بصفتي البرلمانية بطلب عقد جلسة استماع للجنة الشؤون العربية في المجلس.
وجدت أن من البديهي والأهمية بمكان تقديم مثل ذلك الطلب، واغتنام فرصة تجميد عضوية مجلس الشعب السوري المؤيد للنظام في البرلمان العربي، وقيام مجلس الشعب المصري بقطع العلاقات معه؛ وبالفعل فقد قام رئيس اللجنة العربية بمجلس الشعب المصري وقتها الدكتور محمد السعيد إدريس بالاتصال معي وطلب مني تشكيل وفد من ثلاثة أشخاص فقمت بدعوة الأستاذ محمود حاج حمد المفتش الأول في وزارة الدفاع، إضافة للأخ معتز شقلب بطبيعة الحال والذي قام بدعوة الدكتور فداء المجذوب وكذلك الأخ زكي الدروبي.
فوجئنا عند دخولنا مبنى الاجتماع بوجود أعضاء قياديين في هيئة التنسيق وكان واضحا أنهم سيحضرون نفس اجتماعنا بدعوة من رئيس اللجنة رغم أنه لم يقم بإعلامنا عن ذلك من قبل وكان خيارنا حضور الاجتماع وعدم إضاعة هذه الفرصة.
اتضح أن الدكتور إدريس رئيس اللجنة، وهو ناصري قام بدعوة أصدقائه من ناصريي هيئة التنسيق وعلى رأسهم السيد منجونة، وكان يريد توجيه الاجتماع ليكون بين وفد من المجلس الوطني ووفد من هيئة التنسيق، لتقوم لجنة الشؤون العربية بفتح حوار بين الطرفين ومن ثم جعل وزارة الخارجية تستمر بذلك الدور.
للأسف فإن إدارة الاجتماع كانت سيئة وساعدت في إظهار خلافات واسعة في وفدنا الذي ظهر كوفدين مختلفين تماما، ما دفع بأحد أعضاء اللجنة لتشبيه الحالة بما يحصل من خلافات بين الفصائل الفسطينية، وخاصة بين فتح وحماس، وأشار إلى الدور المصري المعروف في التوسط وحل الخلافات بينها، وأعلن استعداد وزارة الخارجية المصرية للقيام بدور الوساطة لو طلب منها السوريون ذلك.
كان وفد هيئة التنسيق يريد النقاش حول الاتفاق الذي تم إبرامه بين الهيئة والمجلس الوطني والذي لم يرَ النور ومات قبل الإعلان عنه، وكان رئيس اللجنة لا يصغي لي، وأنا أكرر أننا لا نمثل المجلس الوطني وأن الاجتماع ينحرف عن الأجندة الأساسية له وهو جلسة استماع ليعرف أعضاء اللجنة واقع الحال والحقائق في سورية، ومن ثم التقدم ببعض المطالب التي تخص حياة السوريين اللاجئين لمصر فيما يتعلق بالاقامة والمدارس والصحة وسواها، وبالتالي فليست الجلسة للحوار أو النقاش أو المصالحة بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني، والممثل الحقيقي للثورة هو من يعبر عن مطالب الثورة برحيل النظام.
ولكن إصرار وفد الهيئة وتعنته في مواقفه المسبقة وعدم اعترافه حتى بكلمة ثورة جعلت من أعضاء الوفد الآخرين يردون عليه بشكل عنيف وغاضب، وبالنتيجة فقد نزلنا تحت قبة المجلس بعد انتهاء اجتماع اللجنة، حيث قام أعضاؤه بالترحيب بنا بشكل رائع وعلى الهواء مباشرة، ورفعنا علم الثورة وقام المجلس بالموافقة على تقرير اللجنة حول الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوصيات للحكومة المصرية فيما يتعلق باللاجئين السوريين.
تجربة وحيدة وفريدة لم تتكرر رغم أنني سعيت مع قيادات المعارضة للقيام بذلك، حيث كان اقتراحي أن يتم تشكيل نواة برلمانية تتواصل مع البرلمان العربي، وتطلب التمثيل فيه كبديل لمجلس الشعب السوري وكممثل للثورة السورية ومن ثم العمل على توسيع هذا التمثيل في الهيئات البرلمانية الأخرى ..الآسيوي ..الإسلامي ... الأوروبي ... الدولي ... وصولا لنيل الاعتراف بأنه يمثل السلطة التشريعية للسوريين.
كانت الفكرة توسيع النواة بالتدريج وصولا لمجلس نيابي كامل يعتمد التمثيل النسبي ولمدة محددة يتم بعدها التغيير وإيجاد ألية لتمثيل أدق وأشمل ليتحول إلى برلمان وطني للثورة يقر دستورا للبلاد ونظاما داخليا لعمله ويقوم بالإشراف على سلطة تنفيذية تنبثق عنه إضافة لسلطة قضائية مستقلة حيث تتكامل السلطات ويتم الفصل بينها.
ما حصل أن تجربة مجلس الشعب المصري لم تهتم بها قيادة المعارضة مطلقا، ولم أفلح بالتواصل مع علي الدقباسي رئيس البرلمان العربي رغم الرسائل الكثيرة التي أرسلتها له ولم يساعدني أحد من المعارضة للقيام بذلك وانتهت الأمور عند هذا الحد.
من خلال التخبط الذي شاب عمل المعارضة والخلافات الحادة في صفوفها والتداخل في الصلاحيات بين مؤسساتها، ربما كان وجود برلمان للثورة سيقوم بضبط الإيقاع لمؤسسات المعارضة، ويصوب أداءها ويقوم بعرض قضية الشعب السوري أمام العالم بشكل يخدم الثورة السورية ومطالبها العادلة.
ربما تقف أسباب ذاتية وراء عدم وقوف قيادات المعارضة مع مشروع برلمان للثورة والشعب السوري، حيث يعتقدون أنه سيسلب منهم القيادة والصلاحيات فيما بعد، وربما تكون بعض الجهات الداعمة ضد ذلك لعدم السماح بنشوء سلطة شرعية تجعل من الصعب تقويضها لاحقا.
لا يجب إغفال محاولات متعددة لم تكلل بالنجاح قام بها ناشطون لإنشاء برلمان للثورة وأعتقد أن من المفيد العودة للحديث عن ذلك بالتفصيل فيما بعد ضمن سياق آخر من الفرص الضائعة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية