كنا قد حذرنا في مقال سابق من خطورة التهدئة التي طال الحديث عنها قبل أن يتم التوصل إليها مع دولة الاحتلال على الوضع الفلسطيني الداخلي ، ذلك أن المواقف الفلسطينية حول هذا الموضوع، والفهم المتفاوت والمختلف للكيفية التي يجب أن تكون عليها التهدئة كان جليا وواضحا، ولأن دولة الاحتلال أدركت ذلك ولانها تعلم بأنها تستطيع ان تستخدم هذا الاختلاف أو الفهم المتباين في الطرف الفلسطيني ليصب في مصلحتها وبالتالي تستطيع ان تلعب على هذا "الحبل" وأن تجير الموضوع للدعاية والترويج من أن الطرف الفلسطيني هو الذي ينتهك التهدئة ولا يلتزم بها.
اسرائيل التي رفضت أن تكون التهدئة شاملة لجميع الاراضي الفلسطينية بحيث تكون الضفة الغربية جزءا منها -وهو المطلب الذي اصرت عليه بعض الفصائل الفلسطينية مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وكذلك حركة الجهاد الاسلامي ربما لادراك هذه الفصائل أن التهدئة لا يمكن ان تستمر أو أن تستقيم إن لم تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة- لم تنتظرطويلا بعد الاتفاق على الموضوع الذي رعته الدولة المصرية، فهي سارعت إلى اغتيال أحد قادة الجهاد الاسلامي في مدينة نابلس وهذا ما استدعى ردا على ذلك قامت به الحركة من خلال اطلاق ثلاثة مقذوفات محلية الصنع باتجاه سديروت وهذا ما أدى إلى جرح ثلاثة من الاسرائيليين بحسب الاعلام الاسرائيلي.
الرد الذي قامت به حركة الجهاد واطلاق مقذوفات أخرى من قبل كتائب الاقصى التابعة لحركة فتح كان مثار جدل واختلاف في الساحة الفلسطينية وصل في مرحلته الاولى الى حد نعتقد بانه غير مقبول ونتمنى ألا يتصاعد خاصة وأن اللهجة والاشارات وغير ذلك من التوصيفات التي تم استخدامها من بعض ممثلي الفصائل لا تبشربالخير، كما أنه تم استغلاله من قبل دولة الاحتلال بشكل عاجل وسريع كما كان متوقعا وتم الحديث فيه على اعلى المستويات حيث تمت إثارته من قبل وزيرة الخارجية الصهيونية المنحدرة من عائلة صهيونية متشددة تسيبي ليفني ونعتقد بان هذا لن يتوقف عند هذا الحد.
موضوع التهدئة في الساحة الفلسطينية حتى وإن كان مطلبا فلسطينيا بشكل او بآخر فهو كان أيضا مطلبا إسرائيليا كما كان كذلك من بعض الدول العربية التي صار الحصار على قطاع غزة وكل ما ينتج عنه من معاناة لا تنتهي لابناء القطاع بالاضافة الى عمليات القتل اليومي والتدمير والعدوان الذي تمارسه دولة الاحتلال يشكل إحراجا لها كما أنه صار يظهر حجم العجز والاستهتار الذي تتصف به تلك الدول وعلى هذا الاساس فقد صارت تحاول كل جهدها من اجل التوصل الى تهدئة بين الفلسطينيين واسرائيل في محاولة منها لابعاد اية مسؤولية عن عاتقها ومن ثم فهي لن تتردد في تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن اي خرق واظهاره بالتعاون مع الجانب الاسرائيلي على انه الطرف الذي يخرق الهدنة.
لم يكن من الممكن لموضوع التهدئة ان يصمد في ظل الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة في اراضي الضفة المحتلة ولا يمكن فهم الموافقة على الفصل او تجزئة التهدئة بهذا الشكل، خاصة وان ذلك يعتبر ترسيخا لمبدا الفصل بين "جناحي الوطن" وهوهدف استراتيجي بالنسبة لدولة الاغنصاب كما انه قاعدة استعمارية معلومة فيما يتعلق ب "فرق تسد".
قضية الاستعجال الفلسطيني في التوصل إلى اتفاقات غير جيدة "حتى لا نقول غيرذلك" مع الجانب الاسرائيلي ليست متعلقة فقط بموضوع التهدئة، فهذا يذكرنا باتفاقات معبر رفح عندما كان يخرج علينا من يخرج من خلال الفضائيات "يدق على صدره" بان الحرية لغزة وان المعبر سوف يكون فلسطينيا خالصا، وكنا نحذرفي حينه بان لا داع للخداع او المبالغة ونحذرمن ان الامور لا يمكن ان تكون كما يحاول هؤلاء السادة تصويرها لاننا نعلم بأن دولة الاحتلال لا يمكن ان توافق على ما يردده هؤلاء السادة، ونعتقد بان الامور "بعد أن ذاب الثلج" تبينت على حقيقتها وثبت بان كل الذين "دقوا على صدورهم" إنما كانوا "يجملون" اتفاق معبر رفح ولا نقول كانوا يمارسون الخداع.
اتفاق التهدئة كان يجب الاتفاق عليه بكل تفاصيله وبرضى الفصائل الفلسطينية كافة قبل ان يتم الاتفاق عليه مع اسرائيل سواء بوساطة مصرية او بدون، لان هذا الاتفاق يمكن ان ينهار في اي لحظة، ويمكن لاي مجموعة من المجموعات المقاومة ان تتسبب في انهياره إذا شاءت وان لم تكن راضية عنه، وهذا الحديث يمكن ان ينسحب على اي اتفاق في المستقبل، وعلى هذا الاساس فاننا نعتقد بانه كان الاجدى بان يتم الاتفاق فلسطينيا حول الموضوع قبل الحصول على الموافقة الاسرائيلية، وهذا ما ندعوا اليه في اي قضية أخرى في المستقبل وان يكون موضوع الموافقة الاسرائيلية آخر الاشياء التي يجب التفكير بها ولا يجوز اعطاؤها اية اولوية، حيث ان الاولوية يجب ان تكون للتوافق الفلسطيني الفلسطيني ونتمنى الا تستمر الفصائل الفلسطينية بالتراشق فيما بينها لان ذلك وكما هومعلوم للجميع لن يكون إلا سببا آخر في تعميق الانقسام الداخلي وهذا ما تريده دولة الاحتلال.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية