يتقاطر قادة الدول الغربية على دولة الاحتلال الاسرائيلي واحدا تلو الآخر في مشهد فيه الكثير من الابتذال والنفاق والتملق لا يمكن فهمه إلا على أساس انه محاولة لنيل الرضى من هذه الدولة الخارجة عن القانون والتي تمارس كل الموبقات والممنوعات ضد ابناء الشعب الفلسطيني ، واسرائيل عندما تقوم بذلك فانما تفعله في عز الظهيرة بدون أدنى خجل او شعور بالاحراج او التردد وأمام أنظار العالم كله، وبرغم ذلك فاننا لا نسمع كلمة تنديد واحدة من قادة العالم وخاصة في الغرب وإن فعل أحدهم فهو إنما يقوم بذلك على استحياء وبكلمات فيها الكثير من الدبلوماسية والمجاملة.
قبل فترة أتت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في زيارة إلى دولة الاحتلال ومارست ابشع انواع التزلف والنفاق، واظهرت من المشاعر تجاه اسرائيل كما لم يفعل أي من قادة الماينا الذين سبقوها، وكان يمكن لمن يسمعها ان يعتقد بان مشاعرها تجاه "ضحايا المحرقة النازية" هي أشد وأقوى من مشاعر بعض وربما الكثير من اليهود، وقد اظهرت من الاحاسيس وكانها كانت نفسها واحدة من الضحايا برغم انها لم تعش تلك التجربة ولم تكن قد ولدت بعد، سيدة المانيا التي عبرت عن كل ذلك، لم تذكر ولو كلمة واحدة عن ضحايا محرقة القائد العنصري الاسرائيلي فلنائي وكل القادة الآخرين الذين لم يكونوا أقل وحشية منه في قتل ابناء فلسطين دون تمييز بين طفل وشيخ أو امراة.
لم تكد سيدة ألمانيا ان تغادر المنطقة حتى اتى "سيد أميركا" جورج بوش ليقول امام الكنيست ما لم يقله أي من رؤساء اميركا السابقين، إلى الدرجة التي اعتبره بعض الكتاب والاعلاميين الاسرائيليين انه كان اكثر تطرفا من بعض قادة الكيان العبري، لا بل هو اثبت صهيونية اكثرمن صهيونية بعض عتاة المتطرفين الصهاينة من المستوطنين ومن غيرهم، وطالب بأن تكون دولة الاحتلال دولة يهودية خالصة في دعوة تعبر عن عقلية عنصرية توراتية منحرفة ومتطرفة، وفي سابقة تعتبر خطيرة في ظل العولمة وفي هذا الوقت من الزمان الذي تجاوز فيه الناس الدول الدينية التي مضى عليها قرون عديدة، هذا عدا عن الالتزام غيرالعادي بامن وقوة اسرائيل وان تبقى الدولة الاكثر قوة في المنطقة وبغض النظر على حساب من سيكون هذا التفوق ومن الذي سيدفع ثمنه.
ثم ياتي إلى الكنيست "سيد فرنسا" نيكولا ساركوزي الذي حاول أن يبز "سيده" الاميركي في النفاق والتزلف والتملق وقال من على ذات المنبر ما لم يقله أي من رؤساء فرنسا من قبل، فهو ابدى التزاما بامن اسرائيل وكانها قطعة من فرنسا، وقال مثل ما قال بوش عن الامن الاسرائيلي وحق الدولة العبرية في العيش بامان وامن، والمشكلة هنا هي في ان هؤلاء القادة يزورون الحقيقة بدون ان يرف لهم جفن وبدون أن تهتز شعرة على أجسادهم، يقولون ذلك وكأن إسرائيل في خطر وان وجودها مهدد من قبل الفلسطينيين في الوقت الذي يعلم ساركوزي وسواه بان هذا الكلام غيرصحيح وانه تزوير للواقع والحقيقة وهو يعلم بان العكس هو الصحيح وان الوجود الفلسطيني هو المهدد بسبب كل ما تقوم به إسرائيل.
ساركوزي وعلى غرار ما قاله "معلمه" بوش أكد على ان إسرائيل هي دولة كل اليهود في العالم وانها يجب ان تكون يهودية، هذه الدعوات التي صارت تتزايد بشكل حثيث ومع كل زيارة يقوم بها مسؤول غربي، والحقيقة أن هذه الدعوات انما هي دعوات عنصرية وهي تستهدف بشكل مباشر الوجود العربي الفلسطيني في الدولة العبرية ولا نستغرب ان تكون مقدمة ولو بعيدة نسبيا لطرد ما يزيد عن المليون فلسطيني من داخل الكيان العبري الى مناطق السلطة او إلى اي اتجاه آخر، انها دعوات مشبوهة وغير بريئة وتحمل في ثناياها دلالات خطيرة على الجميع ان يتنبه لها قبل ان تتمادى اسرائيل في غيها خاصة وأن إسرائيل قامت أساسا على انقاض وعذابات وتشريد الشعب الفلسطني.
أن يشعر السيد الفرنسي وغيره من القادة التوراتيين - في أميركا، وفي بريطانيا التي تسببت في المأساة الفلسطينية بشكل أساس، وفي ألمانيا، وحاليا في ايطاليا على يد برلسكوني، والذين اسميهم بشكل شخصي "عصابة الخمسة"-، تجاه اليهود بالعطف فهذا شانهم، وان يتضامنوا معهم ويعلنوا عن دعم لا محدود للدولة العبرية فهذا ايضا شانهم، لكن أن يكون هذا الدعم على حساب الشعب الفلسطيني ومزيدا من تشريده وعذاباته فهذه مسالة مختلفة تماما، وهي غير مقبولة، ومرفوضة بكل المعايير، وإذا كان السيد الفرنسي لديه هذا الكم من مشاعر القلق تجاه يهود العالم فعليه بداية ان يقرا التاريخ بشكل جيد ليعرف من الذي تسبب بشكل أساس في معاناة هؤلاء، وإذا كانت لديه كل هذه المشاعر تجاه يهود العالم والحرص عليهم فما عليه سوى ان ياخذهم إلى فرنسا ليمارس ذلك، اما ان يبدي كل ما ابداه من مشاعر مطالبا أن تكون اسرائيل الملاذ الآمن ليهود العالم وعلى حساب الشعب الفلسطيني فهذا ليس من حقه ولا يجوز، كما انه لا يليق برئيس الدولة الفرنسية التي كانت منارة للحرية والديمقراطية ان يطالب الشعوب الاخرى بان تقبل الخنوع.
أن يقرن السيد ساركوزي أعمال المقاومة التي تجيزها كل الاعراف والقوانين الدولية بالارهاب فهذا يعني اصطفاف تام في الخندق الاسرائيلي كما انه تنكر للمقاومة الفرنسية التي مارسها أحرار فرنسا ضد الاحتلال النازي وإذا كان من حق الشعب الفرنسي ان يمارس المقاومة فان الشعب الفلسطيني وكل شعوب الدنيا لها الحق في مقاومة المستعمر ولا يجوز وصف اعمال المقاومة بالارهاب إلا إذا كان المقصود - وهو بلا شك مقصود- إرضاء ساسة وقادة اسرائيل وسيده بوش.
اخيرا فقد لوحظ بان السيد الفرنسي وعلى غرار سيده الاميركي عندما تحدث عن المنطقة فانه قام بالتطرق إلى الموضوع الايراني والمشاريع النووية الايرانية والتي يجمع العالم وعلى رأسه الدكتور محمد البرادعي على انها مشاريع للاستخدام السلمي، وهو لم يتحدث ولو كلمة واحدة عن القنابل النووية الاسرائيلية والتي لا تقل بحال من الاحوال وبحسب كل التقديرات عن ال150 رأسا نوويا، وهو لم يقل بان فرنسا كانت وراء البرنامج النووي الاسرائيلي، ويمكن في هذا السياق القول بان التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الغربيين حول الموضوع الايراني خلال زياراتهم للدولة العبرية يمكن فهمها على انها تأييد ضمني او صريح لما تقوم به دولة الاحتلال من تخطيط ومناورات لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية على غرار ما قامت به في العام1981 ضد مفاعل تموز العراقي، و فيما لو حدث هذا وقامت إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران فانه قد يجر المنطقة برمتها إلى ما لا يمكن لأحد ان يتنبأ بتبعاته، وعلى ذلك فإنه كان على ساركوزي ان يكون أكثر عقلانية في الموضوع الايراني وألا ينجرإلى المواقف الاميركية والاسرائيلية التي يعلم الجميع أنها مواقف تهدف إلى السيطرة على العالم واعتقد بان تجربة العراق لا تزال ماثلة أمام الأعين لمن يريد ان يرى.
بيت لحم
25-6-2008
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية