أزالت السلطات المحلية الأردنية بسرعة لافتات عامة تؤيد تنظيم الدولة الإسلامية في بلدة صحراوية.. أزالت الأعلام السوداء من أسطح المنازل، بينما محت جداريات تزعم أن نصر المتطرفين وشيك.
غير أن مؤيدي أكثر تنظيمات الشرق الأوسط تطرفا تواروا عن الأنظار بعد الاستعراض المفاجئ للقوة في احتجاجات اندلعت الصيف الماضي.
وبالرغم من الجهود الحكومية، فإن دعم تنظيم الدولة الإسلامية يتنامى في محافظة معان ومناطق أخرى في الأردن، الذي يعد أحد الحلفاء الرئيسيين للغرب في المنطقة، حسبما يقول نشطاء في التنظيم وأعضاء جماعات منافسة وخبراء في الإسلام السياسي.
أحد نشطاء تنظيم الدولة الإسلامية في معان يؤكد أنه وآخرين لا يزالون يعملون على بناء قاعدتهم.
وفي تصريحات للأسوشيتد برس، يقول أبو عبد الله (40 عاما) وهو حداد "في المنازل والعمل والمساجد والشوارع، نتواصل مع الناس وندعوهم إلى الإسلام الحقيقي".
وكغيره من مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية الذين أجرت الأسوشيتد برس مقابلات معهم، تحدث الرجل باسم مستعار خوفا من مشكلات مع السلطات الأردنية.
مسلحون كأبي عبد الله يتحدثون بثقة عن أعداد كافية تجعل سيطرتهم على الأردن محتومة.
قد تكون هناك ثقة زائدة، فمن المرجح أن يكون حجم المؤيدين المتشددين للتنظيم الذي أعلن نفسه "خلافة" بالآلاف في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 6.5 ملايين نسمة.
وتقول الحكومة إن هذا التهديد مبالغ فيه، لكن المتطرفين لديهم الزخم ويجتذبون أتباعا وأنصارا بوعود التغيير الراديكالي ومزاعم تأسيس مجتمع أكثر عدالة في الوقت الذي لا يجد فيه الكثير من الأردنيين فرص عمل ويكافحون مع ارتفاع الأسعار، وسط شعور بتخلي النخبة الحاكمة الموالية للغرب عنهم.
الحرب في سوريا تكسبهم زخما وخبرة في ساحة المعركة. ويقاتل نحو ألفي أردني في صفوف المتمردين في سوريا والعراق، معظمهم ينتمي إلى فصائل متطرفة، بينما قتل بضع مئات، وفقا لحسن أبو هنية، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ومروان شحادة، وهو باحث كان في السابق جزءا من الحركة السلفية المتشددة.
وخلال الصيف الماضي، نظمت ما تسمى بجماعة "الجهادية السلفية" مسيرات في معان والزرقاء وغيرهما من المدن، رفع المحتجون خلالها اللافتات السوداء ورددوا هتافات مؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي ظل الفقر والغضب حيال ما يعتبرونه إهمالا من جانب الحكومة، قد تندلع مثل هذه الاحتجاجات مجددا بسهولة وتنتشر، حسبما يحذر رئيس بلدية معان، ماجد الشراري.
ويضيف الشراري "أتوقع مع هذه الضغوط، أن يشهد الأردن انفجار هائلا.. لا أتوقع أن يمر عام 2015 بسلام.. هناك مؤشرات على ذلك".
ووصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المتطرفة بأنها "حرب عالمية ثالثة بوسائل أخرى".
وقال في مقابلة مع شبكة (سي بي إس) الإخبارية الأمريكية- قبل محادثات في البيت الأبيض مع نظيره الأمريكي باراك أوباما "إنها حربنا.. هذه حرب داخل الإسلام.. علينا أن نأخذ نحن زمام المبادرة".
وأصبح دعم تنظيم الدولة الإسلامية الأقوى وسط الحركة السلفية الجهادية، التي تدعم العنف من أجل فرض تطبيق متشدد للشريعة الإسلامية، الذي يرونه التفسير الوحيد المقبل.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن عدد أتباع السلفية الجهادية في الأردن تضاعف منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، ليبلغ تسعة آلاف عنصر على الأقل.
إنهم جزء من حركة سلفية أوسع، يقدر قوامها بعشرات الآلاف من الأنصار بمختلف أرجاء الأردن. وتعارض الأغلبية العظمى منهم الفرع الجهادي، وترى أن الموعظة الحسنة- وليس العنف- هو الطريق نحو نشر رؤيتهم الإسلامية.
وبالرغم من أنهم كانوا يتركزون في بلدات قليلة "فإنك قد تجد الجهاديين حاليا في كل مكان داخل المملكة"، حسبما يقول أبو هنية.
ويضيف أنهم تحولوا بشكل متزايد لدعم تنظيم الدولة الإسلامية منذ أن أصبح الأردن جزءا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لشن غارات ضد التنظيم في سوريا والعراق.
كما أنهم تجاوزا صقل جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت أكثر حركات الإسلام السياسي تأثيرا في المنطقة.. ففي معان، تجاوزت السلفية الجهادية الإخوان المسلمين في الحجم، حسبما يرى إبراهيم الحميدي، مشرف مدرسة محلية.
مراد العضايلة، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بدوره قال "هناك زيادة ملموسة في عدد أنصارهم في الشارع.. لقد فقد الناس الأمل، لاسيما الشباب، ويشعرون بأن الفكر السلفي سيحقق ما يريدونه".
وتجسد معان، وهي بلدة يقطنها 60 ألف نسمة في صحراء جنوب الأردن، التحديات التي يشهدها هذا البلد. وبلغت نسبة البطالة في محافظة معان 15 بالمائة عام 2013، مقارنة 12.6 على الصعيد الوطني. وتشير التقديرات إلى أن نسبة البطالة وسط الشباب الذين هم في العشرينيات تقترب من 30 بالمائة.
وفي هذا السياق، يقول رئيس بلدية معان الشراري "همشت الحكومات المتعاقبة معان لفترات طويلة وهناك معاناة اقتصادية حقيقية.. الجميع يسمع وعودا وكلاما دون أية خطوات حقيقية".
ذهب العشرات من سكان معان إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف الجمعات الجهادية، وقتل ثمانية عشر شخصا على الأقل، حسبما أفاد أبو عبد الله الناشط في تنظيم الدولة الإسلامية.
وبزغ دعم "الدولة الإسلامية" في أواخر شهر يونيو / حزيران وأوائل يوليو / تموز، حيث أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خلافة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلوه في سوريا والعراق. وشوهدت لافتات مؤيدة للتنظيم متدلية من مبنى مكون من طابقين في معان، والذي حرقه مشاغبون في أبريل / نيسان.
إحدى اللافتات تحمل عبارة "الخلافة الإسلامية تحرز انتصارات". أثار هذا الإعلان السلفية الجهادية في معان.
ويقول أبو محمد، متطوع في مركز السبيل الخيري الذي يديره السلفيون "أصبحت الخلافة واقعا وستأتي إلى هنا عاجلا أو آجلا".
أبو رامز (30 عاما)، وهو متطوع آخر، أعرب عن أمله في أن تحقق الخلافة العدالة الاجتماعية، قائلا "لدينا طبقتان، طبقة فقيرة كبيرة وأخرى غنية صغيرة.. لذلك يؤيد الناس تنظيم الدولة الإسلامية".
وبحلول نهاية أكتوبر / تشرين أول، اختفت الأعلام وأزيلت معظم الشعارات، بأوامر من رئيس البلدية.
غير أن أبو عبد الله لم يشعر بإحباط، بتوقعه أن يخضع الأردن قريبا لسيطرة التنظيم، بقتال أو غير ذلك.
ويضيف أبو عبد الله "ننتظر هذه اللحظة".
ويتداخل السلفيون بعمق مع هذه البلدة المحافظة وقبائلها التي تحظى بنفوذ قوي.
ومؤخرا، التقى الداعية السلفي الجهادي "أبو سياف" شخصيات قبلية رفيعة للحديث بشأن زواج نجله الأكبر. اجتمعوا في متجر أثاث تملكه قبيلة أبو سياف.
فايز بازايا، أحد زعماء القبائل المشاركين في اللقاء، يقول إن القبائل تحتضن المئات من السلفيين.
ويردف قائلا "عندما يواجهون مشكلة (السلفيون)، تقف القبائل بجانبهم".
ومنذ الصيف الماضي، تكبح الحكومة الأردنية أهداب تنظيم الدولة الإسلامية.
وقبض على أكثر من 120 لدعمهم للتنظيم خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وحكم على ستة عشر شخصا على الأقل بالسجن، بما في ذلك رجل حكم عليه الأسبوع الماضي بثلاث سنوات في السجن بتهمة "نشر الفكر الإرهابي" عن طريق نشر شعارات مؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية على شبكة الإنترنت.
وفي ظل المناخ القاسي الجديد، يبدو أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين أحد المستهدفين. وقال متحدث باسم الجماعة إن نائب المراقب العام في الأردن اعتقل الشهر الماضي وسط مزاعم بأنه أضر بعلاقات الأردن مع دولة صديقة.
وقال أبو عبد الله إن تدفق المقاتلين المتطوعين الى سوريا والعراق تباطأ أيضا بسبب القيود المشددة على الحدود.
من جانبه رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد حسين المومني الحديث عن وجود تهديد للاستقرار في الأردن.
وقال "هناك مبالغة كبيرة حول ظواهر التطرف في الأردن... نحن نتحدث عن ظاهرة صغيرة تحت السيطرة".
وأقر بالمشاكل الاقتصادية في محافظة معان والمدن الأخرى لكنه قال إن "الغالبية العظمى من الأردنيين لا ينتسبون للأصولية كفكر أو الإرهاب بشكل عام".
بعد المكاسب السريعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق خلال الصيف، كانت هناك تكهنات بأنه قد يستهدف الأردن بعد ذلك، إما من خلال هجمات عبر الحدود أو محاولة زعزعة استقرارها من الداخل. ولكن يجب على التنظيم أيضا أن يأخذ في الاعتبار الرد القوي الذي من المرجح أن تحشده الولايات المتحدة لحماية حليفها.
ويقول شحادة إن أنصار تنظيم الدولة الإسلامية يرون أن الأردن في الوقت الراهن "أرض للدعم اللوجستي والوعظ، وليست أرض قتال بعد".
وقال أبو سياف إنه ليس الوقت المناسب للسلفيين للقيام بتحركهم.
وقال" يمكن للسلفيين تغيير البلاد عندما تكون لديهم سلطة... عندما يكونوا ضعفاء لا يستطيعون".
اسوشيتدبرس
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية