أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحل الثالث للازمة النووية الايرانية:الاحتكام إلى الشعب.... مهى عون

            

         على ما يبدو عادت طبول الحرب على إيران تقرع من جديد. وكأن هنالك عد تنازلي لهذه الضربة قد انطلق، تزامناً مع نشر معلومات في صحيفة ال"نيويورك تايمز" الاميركية تكشف عن حصول مناورات أسرائيلية في مطلع يونيو(حزيران) في شرق المتوسط،هدفها تحضير الجيش الاسرائيلي لضربة عسكرية على المنشآت النووية الايرانية. والحدث المقلق الذي تلى نشر هذه المعلومات هو تهديد المدير العام لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي بالانسحاب من المؤسسة، كي لا يكون متورطاً بأي شكل من الاشكال بقرار هذه الضربة. موقف يذكرنا بموقف مشابه اتخذه هانس بليكس المسؤول الآخر في الوكالة  قبيل الضربة على العراق. فالبرادعي هو رجل جدي وغير متهورعادة في تصاريحه، وموقفه نابع من تقييم علمي وموضوعي للازمات النووية العالقة. وعندما يقول أن المنطقة بأكملها سوف تتحول إلى "كرة من لهب"، في حال تنفيذ الضربة العسكرية على إيران، هو يعني ما يقول  ولا بد من أخذ كلامه هذا بعين الاعتبار وعلى محمل الجد.
            والواقع يشير أن بدء تواتر الاخبار عن إعادة طرح احتمال حصول الضربة العسكرية يلي فشل مبادرة مسؤول الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا والتي على ما يبدو وبالرغم من تضمنها جملة مغريات وحوافز لم تتمكن من إحداث أي تليين  في مواقف المسؤولين الإيرانيين، ولم تحملهم على تجميد تخصيب اليورانيوم ولو مرحلياً خلال فترة المفاوضات كما اقترح سولانا. وهي ردود فعل أن دلت إلى شيء فهي تدل على مدى فشل سياسة العصا والجزرة ،المتمثلة بنهج التملق وإلتمادي في إغداق المغريات والمحفزات تارة، على أن تليها في مرحلة لاحقة تزايد وتشديد في فرض العقوبات.
            ولا بد من الاشارة أيضا إلى التداعيات السلبية لسياسة العصا والجزرة هذه على المستوى العالمي وعدم اقتصارها على الداخل الايراني. فعبر الحد من تصدير الطاقة تعمد إيران على الانتقام من هذه السياسة الممارسة ضدها. فعن طريق افتعال أزمة في انتاج وتصدير النفط تساهم  في إحداث الارتفاع الجنوني  باسعار برميل النفط وتساهم بطريقة غير مباشرة بارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية ، عبر الاسواق العالمية كافة. والكارثة تكمن في الانعكاسات السلبية لهذه السياسة التي تطاول بالدرجة الاولى مستوى المعيشة في الدول الفقيرة والغير منتجة للنفط. واستشعارا بهذه المأساة وتداركاً لسلبيات سياسة عض الاصابع القائمة فيما بين المجتمع الدولي وإيران، عمدت المملكة العربية السعودية مشكورة منذ يومين ، إلى عقد مؤتمر عاجل في جدة، بهدف تهدئة الاسواق العالمية،ولإيجاد وسيلة لدعم الدول الفقيرة والمستهلكة للبترول،عبر  صندوق مشترك فيما بين الدول المنتجة للنفط . 
            في الواقع لقد عمدت الدول الغربية في المرحلة السابقة إلى مقاربة الملف النووي الايراني من منطلق  أن سياسة العصا والجزرة  سوف تظل تداعياتها بعيدة عنها . وحتى  الضربة العسكرية في حال حصولها سوف تكون محصورة ضمن منطقة الشرق الاوسط إذاً بعيدة عنها أيضاً . وها هي أزمة الطاقة تلف العالم أجمع اليوم وتظهر مدى فشل هذا الاعتقاد، ناهيك عن إمكانية مطاولة الصواريخ الباليستية الايرانية لأطراف أوروبا الشرقية في حال حصول الضربة العسكرية .
               هذا مع العلم أن القيادة الحاكمة في إيران لم تتأثر كثيراً بتداعيات سياسة العقوبات هذه ، كونها ما زالت تنعم برغد العيش وأزلامها طبعاً، في وقت يعاني الشعب الايراني الأمرين. إن الفجوة بين مختلف طبقات المجتمع الايراني باتت شاسعة فهناك الطبقة الحاكمة وأزلامها من جهة وبقية الشعب من الجهة الاخرى. والشرائح الشعبية  أصبحت أكثر فقراً والأغنياء أكثر غنى، بسبب التوزيع الغير منضبط أحياناً والاستسابي أحياناً أخر للثروات والمداخيل القومية. وتعزو بعض الاوساط الاقتصادية المطلعة التدهور الحاصل على المستوى الاقتصادي في الداخل الايراني، لسياسة تجميد إيرادات النفط ، ولعدم استثمارها بمشاريع تنموية ،ألامر الذي انعكس تضخماً في الكتلة النقدية من جهة ومن جهة أخرى أدى إلى تزايد في نسبة البطالة، نتيجة انكماش فرص العمل. والمثال الفاقع لعجز القيادة الحالية عن ادارة الشأن الاقتصادي كما يجب، يتمثل في التناقض  بين عدم قدرتها على تأمين الاكتفاء الذاتي في المحروقات بواسطة التكرير الصناعي، وحاجتها للاستيراد الدائم لمادة البنزين، وما بين  احتلال  إيران للمرتبة الرابعة  دولياً في تصدير وانتاج النفط. سياسة متهورة باتت تحكمها ضرورة تقديم الدعم الدائم من قبل الدولة لأسعار المحروقات وغيرها أيضاً من السلع حتى تشتري سكوت المواطنين. يبقى أن التضخم (23%) الناتج عن ضخ كتلة نقدية متزايدة في الاسواق الاستهلاكية، هو سيف ذو حدين . فإذا تمكن من وضع حد ما لغلاء العيشة إلا أنه سوف يظل علاج وقتي ومرحلي  نسبة لانفلات الاسعار وبسبب تفشى الفساد وعدم القدرة على المراقبة. 
         والسؤال هو: لماذا  تحشر دول القرار موقفها ضمن خيارين لا ثالث لهما أي إما العصا والجزرة وإما الضربة العسكرية، في وقت قد يكون الخيار الثالث المتمثل بالرجوع إلى الاساس أي إلى الشعب من أجل اشراكه في صناعة القرار هو الباب والوسيلة الافضل والانجع للخروج من المراوحة القاتلة، ومن الدوران الغيرمجدي في الحلقة المفرغة؟   
      وكون الشعب الايراني والمتمثل اليوم بالمقاومة الايرانية، هو المعني مباشرة وأولاً وآخراً بالازمة النووية، وكونه معرض ثانياً وبالدرجة الاولى لتداعيات الضربة العسكرية المحتملة ، وكونه يدفع حالياًً الثمن الباهظ لتداعيات العقوبات المفروضة تصاعديا من قبل المجتمع الدولي ، لا بد من الرجوع إلى رأيه في  نهاية الأمر خاصة وأنه يعيش مرحلة مفصلية  في تاريخه.  وإذا كانت الدول الغربية التي هي رائدة في مجال الديمقراطية لا تقف عند رأي الشعوب في ما خص مصيرها  فمن  سوف ينتظر الشعب الايراني الخلاص؟  والمعروف أن أهل البيت هم دائماً أدرى بمشاكل البيت وهمومه فلما لا تكون كلمة الفصل عندهم؟ 
                                                             
      
e.mail: mahaleb @ hotmail.com

كاتبة لبنانية
(109)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي