بصرف النظر عن صحة تصريحات روبرت كاغان، عضو فريق المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية جون ماكين حول الأردن، أو صحة نفيه بأنه أدلي بها. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من المعقول أن تظل شرعية دولة مضى على تأسيسها أكثر من ثمانية عقود محل نقاش يثير من حولها الشكوك؟، فقبل
تصريحات روبرت كاغان ما زالت عالقة في أذهان الأردنيين تصريحات ما يسمى بقائد الجبهة الشمالية في جيش العدو الإسرائيلي، والتي تتطابق بالمضمون مع ما نسب إلى مستشار ماكين. كذلك ما زال عالقاً في الأذهان ما سبق وأن أعلنه شارون من تفكيره باحتلال الأردن أثناء رئاسته لحكومة العدو.
تصريحات العسكري الإسرائيلي المتطابقة مع تصريحات السياسي الأمريكي تصبان في خانة واحدة هي خانة ما صار يعرف في قاموس السياسة بالخيار الأردني أو الوطن البديل الذي بشرنا أبطال معاهدة السلام بأنهم كفنوه. لتثبت الأيام عكس ما يقولون. فما زالت مخططات العدو على ما هي عليه بالنسبة للأردن، حيث ما زال الصهاينة ينشدون للأردن ضفتان: الأولى لنا والثانية لنا. مما يجعل الإصرار على اعتبار السلام خياراً وحيداً لبلدنا وأمتنا جريمة كبرى، خاصة في ظل الشواهد التي تتكاثر يوماً بعد يوم مؤكدة على ضرب العدو عرض الحائط بكل مبادرات السلام التي تقدم بها نحوه النظام الرسمي العربي سواء كان هذا السلام سلام شجعان على طريقة الراحل ياسر عرفات، أو سلام قمم عربية كان الرد عليها بمزيد من العدوان الصهيوني على الأمة، وبمزيد من بالونات الاختبار التي تمهد لمزيد من هذا العدوان على غرار بالونات قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو وبالون مستشار المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية حول الخيار الأردني، وهذه كلها تؤكد على أن السلام مع العدو الإسرائيلي مجرد أوهام وسراب لن يجدي اللهاث خلفه شيئاً. مثلما لا يجدي أن نطمئن إلى النفي الذي يعقب كل تصريح من هذه التصريحات أو الزعم بأنها لا تمثل موقفاً رسمياً. وصار من المنطق أن نسأل أنفسنا عن الأدوات التي نمتلكها لمنع تنفيذ أي مخطط ضد الأردن وعلى حسابه عبر إضعافه وإضعاف بناه الأساسية السياسية والاجتماعية والثقافية، وقبل ذلك كله العسكرية. وهنا لابد من أن نسأل أنفسنا أيضاً:
هل للعدو الإسرائيلي والأمريكي وكلاء محليون يعملون على تهيئة الأوضاع في الأردن لتمرير مؤامرة الوطن البديل وتحقيق الخيار الأردني لحل قضية فلسطين من خلال العمل على إضعاف الأردن؟.
وهل تصب في عملية التهيئة هذه إجراءات تسليع الأراضي الأردنية. وتحويل أرض الوطن إلى مجرد سلعة ومن ثم تحويل العلاقة بين الأردنيين وأرضهم إلى مجرد علاقة استثمارية مجردة من أي ارتباط عاطفي وذهني له علاقة بالبعد الوطني للعلاقة بين المواطن ووطنه؟.
وهل الارتفاع الجنوني لأسعار الأراضي في الأردن يصب في خانة تسليع الوطن الأردني والتعامل معه على أنه مجرد سلعة يمتلكها من يدفع أكثر بصرف النظر على جنسيته وهويته؟.
وهل تدخل في هذا الإطار قرارات السماح لغير الأردنيين، بل ولغير العرب بالتملك بلا قيد أو شرط؟..
وهل يدخل في هذا الإطار بيع مؤسسات عامة ذات دلالات في الوجدان الوطني الأردني؟..
وهل تدخل في هذا الإطار أيضاً مئات البيوعات لمساحات شاسعة من أراضي الوطن بموجب وكالات تخفي المشتري الحقيقي؟..
وهل يدخل في هذا الإطار التنامي السرطاني لمشاريع الإسكان في مختلف مناطق الوطن وهي مشاريع تدل الحسبة النهائية لسعتها الاستيعابية أنها أكبر بكثير من احتياجات الأردنيين؟. فهل يجري الإعداد المبكر لمساكن ستؤوي من يهجرون إلى الأردن طوعاً أو كرهاً في إطار تنفيذ الخيار الأردني لحل قضية فلسطين؟..
وهل يدخل في إطار خطة إضعاف الأردن التساهل الكبير في منح الجنسية الأردنية لغير الأردنيين؟.
وهل يدخل في هذا الإطار أيضاً عملية التساهل الواضحة في استقبال مئات الآلاف من الذين يصلون إلى الأردن في موجات هجرة متتالية كلما نشبت في المنطقة أزمة، حيث تستقر نسبة عالية من هؤلاء في الأردن فيتملكون ويحصلون على الجنسية الأردنية، مما يعني تحويل الأردنيين الى أقلية في وطنهم. خاصة وأن من المبررات التي تساق لتمرير الخيار الأردني وجود أكثرية فلسطينية في الأردن. وقد فات أصحاب هذا التبرير عدة حقائق لعل من أبرزها أنه غير صحيح أن الأردنيين من أصول فلسطينية يشكلون أكثرية سكانية في الأردن، كما فاتهم أيضاً أن هؤلاء أصبحوا مواطنين أردنيين بنسبة مائة بالمائة ولا يجوز اعتبارهم غير ذلك لتنفيذ مخططات ضد مصلحتهم ومصلحة وطنهم الأردني. فإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن الأوطان لا تباع ولا تستبدل أيقنا بأنه مثلما يرفض الأردنيون بيع وطنهم أو استبداله فإن الفلسطينيين القابضين على جمر هويتهم الوطنية يرفضون استبدال وطنهم بأي وطن آخر. ولذلك فإننا عندما نتحدث عن موجات الهجرة المتلاحقة باتجاه الأردن فإننا لا ننظر إلى غرب النهر ولكننا نظر إلى جهات أخرى نحب أن نغلق منافذ المهاجرين منها إلى بلدنا حفاظاً على هويته السكانية التي تتعرض لمؤامرة تمهيداً لتمرير المؤامرة الكبرى عبر ما يسمى بالخيار الأردني. مؤكدين على أن عدد المهاجرين والوافدين إلى أي بلد ليس سبباً لتجريده من هوية سكانه الأصليين وإلا لفقدت دول كثيرة هويتها السكانية بسبب زيادة عدد الوافدين إليها عن عدد سكانها الأصليين.
نعود إلى أسئلتنا حول مسلسل إضعاف الأردن ونسأل: هل تصب في هذه الخانة أيضاً عملية تدمير البنى الاجتماعية الأردنية التي تحفظ تماسك الناس وتعاضدهم وتعاونهم وفي الطليعة من هذه البنى الاجتماعية العشيرة بأخلاقها الحميدة وباعتبارها وسيلة ترابط وتراحم لا بما هي وسيلة استقواء؟....
وهل يصب في مسلسل إضعاف الأردن عملية تهميش المجتمع المدني الأردني وإضعاف مؤسساته وإلغاء دوره في القرار الوطني؟
وهل يدخل في مسلسل إضعاف الأردن هذا الهدم المتواصل لبنى الدولة الأردنية وأجهزتها ابتداء من محاولة تهميش الدستور وتجاوز المؤسسات الدستورية، مروراً بتفكيك أجهزة الدولة وصولاً إلى تتفيه مواقعها القيادية من خلال إسنادها إلى من هم غير أكفاء، وتتويج ذلك كله بتغيير مفهوم إدارة الدولة واعتبارها إدارة لشركة مساهمة عامة كما صرح بذلك أحد الوزراء السابقين والنافذين؟؟.
هذه الأسئلة وغيرها تثيرها التصريحات المشابهة لتصريحات مستشار ما كين وقائد الجبهة الشمالية في جيش العدو وتفكير شارون باحتلال الأردن. حتى بعد توقيع معاهدة وادي عربة، لكن السؤال الكبير الذي يجب أن نطرحه هنا ما هي أدواتنا لإحباط ما يدبر لنا بليل، وهل نمتلك هذه الأدوات لنستخدمها إذا فكر أصحاب هذا التدبير بتحويله إلى واقع، خاصة بعد أن صارت يهودية الدولة هدفاً إستراتيجياً معلناً لعدونا؟..
ترى هل نستطيع إحباط مؤامرة الخيار الأردني من خلال تسابقنا أفراداً وهيئات ومؤسسات إلى إصدار بيانات الشجب والاستنكار لهذا الخيار أو تلك المؤامرة أو من خلال الفزعات الإعلامية الغبية التي اعتدنا عليها كلما مر بلدنا بأزمة أو لاح في أفقه تهديد؟. فأقل ما يقال عن هذه الفزعات الإعلامية أنها تعكس حالة هشاشة وخواء داخلي، وأنها لا تختلف كثيراً عن حوار الطرشان. وأننا بهذه الفزعات نحاول أن نقنع أنفسنا بسلامة مواقف بلدنا. ولكن هل يسمعنا أو يشاهد تلفزيوننا أو يقرأ صحفنا أحد خارج بلدنا؟. بل هل تصل رسائل إعلامنا إلى الأردنيين؟ وإن وصلت هل تقنعهم بمضامينها؟. وهنا نحب أن نذكر بأن هناك ما يشبه الإجماع الوطني على تردي أوضاع الإعلام الأردني وخاصة في شقه الرسمي الذي صار جزء كبير منه رهين أصحاب الشهوات الحسية والطموحات الشخصية. وصارت مواقعه القيادية جوائز ترضية للمحاسيب، لذلك أخفق في كل معارك الوطن التي لا تحتاج إلى جمل بلاغية ولا إلى ردات فعل مفتعلة ولكنها تحتاج إلى مواقف مبدئية؟. وخطط متكاملة سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية تجد صداها في إعلام وطني يمتلك أدواته المهنية التي تمكنه من إيصال رسائل الدولة إلى مواطنيها..
وعلى ذكر معارك الوطن نحب أن نسأل سؤالاً نظنه جوهرياً ومفصلياً وهو: أنه عندما يجد الجد ويحين الحين ويصبح الوطن بحاجة إلى من يحميه ويدافع عنه؟ كيف سيكون موقف المنافقين والمستثمرين الذين يعتبرون الوطن منطقة استثمارية.
وكم هم معنيون بحماية الأردن وأمنه واستقراره حملة الجنسيتين وأولئك الذين يرون فيه محطة ترانزيت أو منطقة اقتصادية حرة؟. أم أن هؤلاء سيفرون عند أول بادرة خطر تاركين هذا الوطن لأبنائه الذين يتم إلهاؤهم الآن عن قضاياهم الكبرى بالبحث عن لقمة عيشهم ؟..
إن الرد الحقيقي على كل ما يستهدف الأردن من مؤامرات سواء كان عنوانها الوطن البديل أو غير ذلك من العناوين أن نقف أولاً لحظة صدق ومراجعة للنفس نعترف خلالها بكل خطايانا وأخطائنا بحق وطننا: وأولها أن بعض المحسوبين عليه سعوا إلى نزعه من عمقه العربي، لذلك فإن علينا أن نعود إلى الثابت الأول من ثوابت تأسيس الدولة الأردنية باعتبارها قاعدة من قواعد العمل العربي وحاضنة أساسية من حواضن الثورة والمقاومة العربية، والذين يقرؤون تاريخ الأردن والأردنيين منذ مطلع القرن العشرين يلمسون هذه الحقيقة في كل ملمح من ملامح حياتهم..
ومثلما ندعو إلى تحصين الأردن بعمقه العربي فإننا ندعو أيضاً إلى تحصينه بوحدته الداخلية عبر إعادة بناء مجتمع العدل والمساواة والتكافؤ ليشعر الأردنيون أنهم أمام القانون سواء كما ينص على ذلك دستورهم وبالتالي فإن المساواة يجب أن تشمل كل مناحي حياتهم وأن تصبح الكفاية هي مقياس التقدم في مجتمعهم، وبناء مجتمع العدل والمساواة يقتضي بالضرورة إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات التي يكون فيها الدستور هو الحكم والقانون هو السيد، والمجتمع المدني شريك أساسي في صناعة القرار الوطني وهذا كله يقود إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهي الثقة التي اهتزت في السنوات الأخيرة...
ومثل تحصين الأردن بعمقه العربي وبوحدته الوطنية، فإنه لابد من تحصينه أيضاً بالقوة العسكرية عبر الاستمرار في تعبئة وتدريب وتجهيز الجيش العربي بالعدة والعتاد وعبر دعم هذا الجيش بقوة شعبية مدربة جاهزة للمناصرة عند الحاجة، ومن هنا ضرورة إعادة الاعتبار لخدمة العلم، وإعادة بناء الجيش الشعبي؛ ففي النهاية فإن القوة هي التي تصنع الحقائق على الأرض ولا يستطيع حقõ الصمود أمام مغتصب إذا لم تتوفر لهذا الحق قوة تحميه، وحقنا في فلسطين خير شاهد على ما نقول....
وبعد، فحتى لا نظل تحت رحمة ما يريده الآخرون لنا ويخططون له فإن علينا أن ننتقل من مرحلة ردة الفعل إلى مرحلة الفعل، وهذا لا يكون إلا بالعودة إلى ثوابتنا التي هي ثوابت الأمة..... وللذين يهبون عند كل أزمة فيرددون نفس المعزوفة عن الولاء والانتماء نقول: ما هكذا تورد الإبل...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية