أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لقاء مع نائب دي ميستورا: ملاحظات على سبيل الإحاطة والتفكير والحوار.. د.وائل مرزا

ميستورا

1. هذه محاولة للمساهمة في سن سنةٍ حسنة تتمثل في إطلاع السوريين، من قبل من يتصدى للعمل العام، على نشاطات عامة يمكن لها، مهما كانت صغيرة ومتواضعة، أن تؤثر في حاضر ومستقبل سوريا، للتفكير بها سوياً من مختلف الزوايا، وإن أمكن، لممارسة الحوار والنقاش والنقد والتناصح فيما يتعلق بها، بموضوعيةٍ واحترام متبادل، وصولاً إلى ماهو أقرب للصواب.
2. تمت دعوتي الأسبوع الماضي للقاء مع نائب المبعوث الأممي للقضية السورية السفير ستيفان دي مستورا. النائب هو السفير رمزي عز الدين، دبلوماسي مخضرم من مصر، وذلك مع مجموعةٍ من السوريين (هم يفضلون مصطلح "شخصيات سورية" لأعراف دبلوماسية، ولكن، يجب أن نتذكر دائماً، ويتذكر من يُدعون لمثل هذه اللقاءات، أن هذا المصطلح يمثل مدخلاً ليشعر الشخص المدعو، نفسياً، أنه، وأنها: "شخصية"..).
3. تم اللقاء في مدينة عربية، وحضره قرابة 25 سوري وسورية يمثلون مختلف الخلفيات المناطقية والدينية والفكرية (وزراء وأعضاء مجلس شعب سابقون، أكاديميون، نشطاء مجتمع مدني، رجال أعمال..). ولكنهم جميعاً كانوا من المعارضين في هذه الحالة.
4. لابأس، فيما أومن، بالحفاظ على حدٍ أدنى من الخصوصيات عندما يتعلق الموضوع بمثل هذه القضايا، بشرط ألا يسري هذا على أي شيء يخالف أهداف الثورة الأصلية ويضر بمصلحة الشعب والبلاد. وفي هذه الحالة فكل ما ساأتحفظ عليه هو أسماء الحضور فقط، لأن كل شخص له حساباته في هذا الموضوع.
5. بهذه المناسبة، من المفيد لنا كسوريين أن نحاول تدريجياً فهم عالم السياسة واقعياً، وأن نقبل أن هذا لايجب أن يتضارب بالضرورة ودائماً مع الحفاظ على المبادىء، وأن نعمل على تأكيد هذه القاعدة. نعم، الأغلب الأعم في ذلك العالم هو الانتهازية والمصالح وازدواجية المعايير و...، وبالتالي هناك دائماً وفي كل مكان، حتى فيما يُسمى (أعرق الديمقراطيات)، أفراد (بياعون) على مختلف المستويات، وإن كان هذا يحدث بطرق مختلفة من ناحية الإخراج. ولكن، ستظل السياسة الدولية إلى ماشاء الله بهذا الشكل، فيها مثل هذه اللقاءات، وفيها أشياء مُعلنة وأخرى غير مُعلنة، وفيها محاولات للشراء المباشر أو غير المباشر، وفيها موازين قوى ومصالح وحسابات وتعقيد وترابط وتداخل في القضايا والأوراق والمشكلات والحلول. وهناك (تخطيط) يفضل البعض تسميته (مؤامرة). رغم كل هذا، لن تفيدنا في أي شيء ثقافة الذعر والتوجس والتخوين لأنها لن تغير طبيعة السياسة الدولية من ناحية، ولن تمكننا من تحصيل حقوقنا من ناحية ثانية. وللكلام صلة في آخر هذا العرض.
6. كان هدف اللقاء هو استماع الحضور لشرح عن مبادرة دي مستورا، ثم استماع السفير لملاحظات ومقترحات الحضور.
7. أهم النقط التي عرضها السفير رمزي هي التالية، والنقل ليس حرفياً منه لكنه قريب من ذلك (ملاحظاتي تأتي لاحقاً):
وجود داعش، بهذا الشكل، يدفع كل الأطراف لإعادة النظر في موقفها، حتى القوى التي (يُقال) أنها ساعدت على ظهور داعش بدرجةٍ أو أخرى..
وضع سوريا مختلف جداً، حتى عن أفغانستان والعراق، فهناك كان يمكن أن يكون هناك (احتواء) للعنف مع السماح باستمراره داخليا، أما في سوريا فهذا غير ممكن على الإطلاق..
الهاجس الاستراتيجي لروسيا في سوريا، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي على الأقل، هو أن أمنها والدول التي حولها مرتبط تماماً بأمن شمال القوقاز. وكل شيء آخر يُناقش في إطار هذا الثابت الاستراتيجي.
التوتر السعودي الإيراني عالي والوضع الإقليمي معقد جداً. ورغم أنه لاحت منذ زمن فرصة لتخفيف ذلك التوتر، إلا أنه حدث شيء ما أعاده لنفس القوة.
التقسيم في سوريا مستحيل وغير واقعي سياسياً، ويسبب مشاكل أكثر من الحلول.
سوريا رمز ونموذج متميز للتعايش في المنطقة، وأي تغيير في هذا الواقع سيؤثر سلبياً في التوازنات السياسية والاجتماعية والديمغرافية والثقافية في كل العالم العربي.
هذه الأسباب وغيرها تجعل الكل يرغب في أن يوجد حل لما يجري في سوريا، ولكن لايوجد أحد، على الإطلاق، لديه رؤية محددة.
هنا يأتي دور الأمم المتحدة في محاولة طرح مبادرات والعمل على بلورتها من خلال العمل مع مختلف القوى والأطراف الفاعلة.
المبادرة التي نطرحها هي (التجميد)، بمعنى وقف العنف على المدى القصير (القتال والتزويد بالسلاح)، وذلك لخلق أجواء تساعد على: 1) دخول المساعدات، 2) بداية حركة اقتصادية خفيفة وإصلاحات في البنية التحتية تسمح بحد أدنى من الحياة الطبيعية، 3) بما يخلق ظروف إطلاق مفاوضات سياسية (عكس جنيف حيث كان التفاوض يجري والقتال مستمر).
التجميد ليس مرادفاً للهدن والمصالحات المحلية ولاعلاقة له بها.
التجميد ليس وقف إطلاق نار.
الفكرة هي تجريب المبادرة في حلب أولاً، وذلك لأسباب عديدة. ثم الانطلاق فور وجود ملامح نجاح لها إلى مناطق أخرى، لتشمل في النهاية سوريا بأسرها، حسب قوله، كما هو كل شيء آخر في هذا العرض للمبادرة.
كل جهود السفير دي ميستورا وهذه المبادرة تندرج في إطار اتفاق جنيف1 وتلتزم بمحدداته.
رغم أن الدولة السورية هي أمر واقع يجب التعامل معه الآن، ولكن من صُلب التحرك، بشكل مُعلن وأوصلناه للجميع، أنه لايمكن العودة إلى الوراء أبداً، فالوضع في سوريا تغيرَ وبشكل نهائي..
الأمر يتوقف على السوريين بدرجة كبيرة جداً، سواء في تطوير الفكرة أو تنفيذها وآلياتها، لأن هناك حاجة لمجالس بلدية قادرة ومؤهلة ومقبولة من الطرفين.. ولمؤسسات مجتمع مدني ولشخصيات لها مصداقية واحترام. وليس من المستحيل على السوريين أن يقوموا بهذه المهمة.
8. الملاحظات على الطرح واللقاء بشكل عام:
من الواضح تماماً أن الفكرة خام وغير متبلورة، ودي ميستورا وفريقه يتحركون بشكل كثيف لمحاولة بلورتها من خلال طروحات السوريين.
هكذا يسير العمل الدبلوماسي في النظام العالمي، وخاصة في مثل ظروف القضية السورية. ومع وجود من يقوم بالعمل من منطلقات إنسانية، هناك من يقوم به لقبض المخصصات والبَدَلات والسفر وماإلى ذلك.. وقد رأى المرء في السنوات القليلة الماضية نماذج من الشريحتين.
كان الرد العام لجميع الحضور (مهذباً) من خلال الترحيب بجهود السفير والممثل الدولي والإشارة للإيمان بالحل السياسي. أما فيما عدا ذلك فقد طرح الحضور جميع الهواجس والأسئلة والتوقعات المنتشرة بين السوريين بخصوص المبادرة.
مما طُرح على السفير أن مجرد اسم المبادرة له مدلول سلبي جداً من البداية، وفي نفس السياق طُرح عليه أن السوريين كانوا ينتظرون (التحريك) فإذا بهم يجدون مايُقدم إليهم هو (التجميد)! ووافق السفير بقوة على ذلك وطلب مقترحات لتسمية المبادرة يمكن أن تحمل دلالاتُها الخطوات المذكورة أعلاه.
قيل له إن المبادرة غير واضحة وتحتاج لمحددات وجدول زمني وإجراءات بناء ثقة، مثلاً في قضايا تخص المُعتقلين أو المُهجرين، فوافق على ذلك، وقال أن هذا هو سبب مثل هذه اللقاءات، لأخذ المقترحات وتوفير ظروف النجاح.
قيل له أن المبادرة لاتنظر إلى وجود حزب الله والميليشيات العراقية وغيرها، فقال أن (التجميد) ينطبق على كل طرف موجود في الأرض السورية، أما التعامل مع أصل وجودها فسيكون من خلال المفاوضات!..
سُئلَ عن وجود ضمانات إقليمية أو دولية لنجاح (التجميد) والالتزام به من قبل النظام، وخاصة في إطار ألا يكون الموضوع مجرد فرصة له ولأعوانه الخارجيين لالتقاط الأنفاس والاستراحة وإعادة ترتيب أموره عسكرياً وسياسياً. فتحدث عن إمكانية وجود (قبعات زرق) في مرحلة متقدمة قليلاً للمراقبة إذا بدأت ملامح نجاح أولي من خلال السوريين، وإذا رغب السوريون في وجودهم. وذَكرَ أن هذا سيشجع أيضاً على توفير الضمانات المطلوبة من القوى الإقليمية والدولية. وقال أن من شروط المضي بالمبادرة أصلاً ألا تكون (استراحة محارب).
قيل له أن التجميد قد يكون مدخلاً للتقسيم بحكم أنه حفاظ على الأمر الواقع، فأعاد التأكيد على استحالة موضوع التقسيم لأن قوى إقليمية مُعتبَرة ودول جوار وازنة تعتبره خطاً أحمر لأنه سيؤثر عليها بشكلٍ خطير، وأن القوى الدولية لاتراه حلاً أصلا (واقعياً: الأغلب، في رأيي، أن يكون الموقف الدولي ناتجاً أصلاً عن موقف القوى الإقليمية ودول الجوار المذكور).
طرح على السفير أحد الحضور، ممن يحضرون اجتماعات جنيف وأوسلو وفيينا، ضرورة أخذ مُعطيات هذه الاجتماعات بعين الاعتبار، وهي تُسمى رسمياً في السياسة الدولية (المسار2: Track2). فذكر أن القضية السورية هي أكثر قضية في العالم فيها "تراك توز" كما قال، أي مسارات ثانية غير رسمية، لدرجة أنه يستحيل متابعتها كلها! وفي النهاية ذكر أنها يجب أن تصب في المسار1 (Track1) الرسمي.
بهذه المناسبة، تُعتبر تلك معلومة هامة للسوريين. فآلية وجود مسارات ثانية (غير مُعلنة) آلية مُعتمدة في الدبلوماسية الدولية. وماقاله السفير يبين: 1) أهمية القضية السورية لدى دول العالم حتى تبادر إلى إنشاء مثل هذه المسارات بهذا الشكل، 2) أن هناك أعداد كبيرة من السوريين منخرطين في مثل هذه المسارات.
لايعني هذا بالضرورة، مرة أخرى، التخوين والتعامل مع الموضوع بالذعر والخوف والهواجس. نعم، مثل هذه المشاعر مشروعة، لكن هناك فرقاً بين المشاعر وبين كيفية التعامل عملياً مع مثل هذه القضايا.
القضية السورية طويلة المدى. هذا واقعٌ بات يعترف به السوريون. وهذا الاعتراف لايجب أن يكون سيئاً بالضرورة، ولايعني أنه خيانة للثورة وأهدافها. بل على العكس، يمكن أن يصبح هذا الاعتراف مدعاةً للاستفادة من تجربة الأعوام السابقة ولظهور أطراف سورية تجمع بين فهم السياسة الدولية والقدرة على التعامل معها وبين الالتزام والشفافية. ويجب أن يعمل السوريون على توزيع الأدوار سواء حالياً أو بين الحاضر والمستقبل. فلايمكن ترك الواقع الحالي بدعوى العمل الاستراتيجي المستقبلي، ولا يمكن الغرق في الواقع أيضاً من قبل الجميع دون وجود طرف أو أطراف تعمل بشكل استراتيجي طويل المدى لمنع أن تُصبح القضية السورية قضيةً أخرى..
بالنسبة للمدى المنظور الحالي، ربما تنجح المبادرة المذكورة وهناك احتمال كبير بألا تنجح، لكن المسار الوحيد الموجود حالياً هو هذا المسار. والمهم هو تبلور آلية مُبتكرة تساعد السوريين على رصد وترشيد كل أنواع الحراك السياسي على الأقل، وحبذا العسكري، برؤية تجمع بين الحرفنة السياسية والفهم والالتزام والواقعية، وتعمل تحت السقف الوطني، بعيداً عن الاحتكار والهيمنة والقوقعة التنظيمية أو الحزبية. فالقضية أكبر من قدرة أي طرف على التعامل معها، وهناك فسحة لتكامل الأطراف وتوزيع الأدوار و(الدخول من أبواب متفرقة). وقد آن الأوان لوجود نواة أو شيء من هذا القبيل، ومن المؤكد أن في ملايين السوريين من هو مؤهل لمثل هذه المهمة.
هنا يمكن أن يبرز دور (الائتلاف) العتيد، ولكن كان يبدو من اللقاء أنه شبه غائب عن ذاكرة النظام الدولي، رغم أن الكثيرين في اللقاء أشارورا إليه وذكّروا به في اللقاء مع السفير، مع أنه لايوجد فيهم أي عضو فيه.. ومن حسن الحظ أن اللقاء حصل قبل اجتماع الائتلاف الأخير في اسطنبول بأحداثه السوريالية..
المذكور أعلاه يوضح شيئاً من ملامح السياسة والدبلوماسية الدولية وطرق عملها. ومن الواضح أن النظام الدولي يمكن أن يستعمل أيضاً واقع السوريين الصعب، فقد أشار السفير إلى إصابة السوريين بالتعب واستعمل بالإنجليزية كلمة Fatigue المُعبرة..
من كل هذا، يمكن القول أن الكرة في ملعبنا كسوريين. وقد يجد البعض في الكلام القادم مثاليةً ما، لكن هذا شأنهم، أما كاتب هذه الكلمات فيؤمن، رغم كل الصعوبات والآلام والواقع الحالي، أن بإمكان السوريين أن يجعلوا هذه بداية (لحظة تأسيسية)، تنبري فيها خبراتٌ وقدراتٌ سورية متميزة من مختلف أنحاء العالم، وبمختلف التخصصات، لوضع رؤية جديدة لحاضر سوريا ومستقبلها، بكل جدية، وبعقلية (الآباء المؤسسين) بمعناها التكليفي وليس التشريفي، وبعيداً عن الأجندات الشخصية والأيديولوجية واللهاث وراء الطموحات والأضواء والمواقع والنفوذ.
حصل هذا أكثر من مرة في تاريخ شعوب أخرى، وهو يليق ببلدٍ خرجت منه تاريخياً شخصيات صنعت التاريخ مثل زنوبيا وبعض قياصرة روما والمتنبي والمعري وأبو العلاء المعري وأبو نواس وابن تيمية وابن القيم وابن عربي وابن النفيس وصلاح الدين الأيوبي وابن كثير والنووي والأوزاعي وياقوت الحموي وصولاً إلى شكري القوتلي وفارس الخوري وغيرهم كثير في الماضي البعيد والقريب.



(99)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي