أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أحزاب الله: مشاهدات صحفي أميركي في الضاحية ... كين سيلفرستاين

عقيدة بوش وظهور الديمقراطية الإسلامية
(مشاهدات وانطباعات صحفي أميركي عن الضاحية الجنوبية وحرية الإعلام الغربي)




أحد مبادئ "عقيدة بوش "- التي يسميها أنصاره منظومة أسس السياسة الخارجية ويعتقدون مثله أنها ستخلد ذكره- وأكثرها قبولاً حتى الآن هو موقفه من الديمقراطية في البلدان النامية .

وقد كان هذا الموقف في أشد حالاته وضوحاً في كلمة ألقاها في غرفة التجارة الأمريكية في واشنطن العام 2003حين لم يكتف فقط بالتنديد بالاستبداد في الدول العربية وإنما بتشجيع الغرب له . قال بوش آنذاك " إن تبرير الدول الغربية وتقبلها لنقص الحرية في الشرق الأوسط لم يساهما في جعل حياتنا آمنة ...لأنه لا يمكن , على المدى الطويل ,مقايضة الاستقرار بالحرية.

وما دام الشرق الأوسط مكاناً لا تزدهر فيه الحرية, سيظل موطناً للجمود والنقمة والعنف الجاهز للتصدير. " ومع التحذير من الضرر الذي يترتب على قبول الأمر الواقع, طالب بوش " بطرح إستراتيجية للحرية في الشرق الأوسط" لا تتعدى كونها رفضاً صريحاً لستة عقود من السياسة الخارجية الأمريكية .
منذ خطاب الرئيس الأمريكي, تلقت قضية الديمقراطية سلسلة من الضربات في بلدان الشرق الأوسط , ومنها تلك التي تتلقى مساعدات أمريكية سخية مثل مصر والأردن.

 والحقيقة أن " إستراتيجية الحرية " التي طرحها بوش , لم تقدم شيئاً أكثر من بضع اعتراضات على ممارسات معادية للديمقراطية من جانب حلفائها , في حين تواصل شراكاتها الوثيقة مع جميع أصدقاء أمريكا القدامى المستبدين في المنطقة.وفيما يتعلق بالمعارضة , اقتصرت الولايات المتحدة في تعاملها على النخب الموالية للغرب مثل أيمن نور في مصر وأحمد الجلبي في العراق , وكلاهما محبوب في واشنطن أكثر من بلده. والأهم من هذا أن أمريكا رفضت التعامل مع حركات المعارضة الإسلامية , وحتى تلك التي ترفض العنف صراحة وتقبل المشاركة في السياسات الديمقراطية.

صحيح أن كثيراً من الحركات الإسلامية ترفض فكرة الانتخابات , والأكثر راديكالية بينها ترى فيها خروجاً على إرادة الله, بينما ترفض جماعات أخرى الديمقراطية لأنها تعتقد - ومعها بعض الحق-أن الانتخابات في بلدانها تشهد تزويراً فاضحاً يجعلها عاجزة عن توفير طريق حقيقي للتغيير.ومع أن كثيراً من المجموعات الإسلامية ممنوعة من المشاركة في الانتخابات ,هناك كثير من الإسلاميين يرون أن الإصلاح يمكن تحقيقه تدريجياً من الداخل عبر الانتخابات.
الآن هناك عشرات الأحزاب السياسية السنية والشيعية ذات الأجندات الأيديولوجية والسياسية المتنوعة . قادة هذه الأحزاب ليسوا ليبراليين أو ديمقراطيين , وبعضها,مثل حماس وحزب الله, يحتفظ بأجنحة مسلحة.

لكن ليس صحيحاً تماماً وصفها ,كما هو الحال في الولايات المتحدة,بالأصولية والتخلف.الحركات الإسلامية الجديدة تتمتع بقاعدة شعبية وتقر الانتخابات الحرة, وانتقال السلطة وحرية التعبير والمفاهيم الأخرى التي تحتقرها الأنظمة الحاكمة . والجماعات الإسلامية تقبلت الهزيمة في الانتخابات على الرغم من التزوير الواضح والكبير .

وفي البرلمانات ,لم يسع الإسلاميون لفرض الفكر الديني أو الشريعة الإسلامية وإنما عملوا من أجل الإصلاح السياسي والاجتماعي, بما في ذلك محاسبة الحكومة .
الإسلاميون يزدادون انتشاراً .

ولو ازدهرت الديمقراطية فجأة في الشرق الأوسط ,لحصلت الأحزاب الإسلامية على كتل برلمانية مهمة , إن لم تكن أغلبية في معظم البلدان . والدليل على ذلك حماس وحزب الله والإخوان المسلمون الذين حصلوا على 88 مقعداً في مصر وجبهة العمل الإسلامي في الأردن التي حصلت على 15% من المقاعد البرلمانية في أحدث انتخابات .
لا حاجة لقبول أيديولوجية أو تكتيكات هذه الجماعات لنتساءل إن كان من مصلحة أمريكا رفض الحوار معها بالمطلق. إذا تجاوزنا الحرب الكارثية في العراق , ربما تكون الأسئلة الأساسية التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية هي : كيف تستطيع الولايات المتحدة تطوير الديمقراطية ومحاربة الإرهاب بينما الحركات المعتبرة إرهابية ومتطرفة تحظى بأوسع شعبية في المنطقة ؟

أخذنا هذه الشعبية بالاعتبار, كيف ستكون الديمقراطية الحقيقية في هذه البلدان ؟

من المستحيل الإجابة على هذه الأسئلة دون الاستماع أولاً لهذه الحركات بدلاً من تجاهل شكاواها المعلنة , مثل الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل وغزو العراق ودعم الأنظمة الدكتاتورية التي تحكم معظم بلدان العالم الإسلامي .

 لقد فسرت عدائية هذه المجموعات على أنها مجرد رفض " للحريات الغربية " .

والواقع أني لمست خلال زياراتي إلى العالم الإسلامي السنة الماضية أن هذه المجموعات تعمل على صياغة أفكارها الخاصة بها عن الحرية ,وبعضها غربي . فإذا أردنا صياغة مستقبل ديمقراطي للمنطقة ,لن نكون مضطرين للأخذ بهذه الأفكار, لكن علينا أن نفهمها بالتأكيد .
إن الإشارة إلى وجود اختلافات بين الإسلاميين يعني فتح الباب أمام جدل واسع بين الأمريكيين. وهذا ما لمسته السنة الماضية حين زرت لبنان مراسلا لصحيفة لوس أنجليس تايمز لكتابة تحقيق حول أصول و نشأة حزب الله خلال الحرب الأهلية وسبب شعبيته .

جاءت جولتي في أول شهر محرم حيث يلقي حسن نصر الله كلمة كل يومين في الضاحية الجنوبية . توجهت إلى رئيس مركز العلاقات الإعلامية حسين نابلسي الذي وافق بعد تردد على مشاركتي بشرط أن لا أستخدم الإنكليزية وأن يرافقني شخص شيعي من أبناء المنطقة .

بعد عدة نقاط تفتيش وصلنا حارة حريك التي تضم المكاتب السياسية لحزب الله وفيها الصالة التي يتحدث منها نصر الله الذي لا تخفى كاريزميته حتى على غير الناطقين بالعربية . على مدى ساعة كاملة كان الجمهور على درجة عالية من الحماس الذي بلغ أشده عند التهجم على إسرائيل أو التهكم على تبعية الأمم المتحدة لأمريكا.
أغلب ما شاهدته في الضاحية أدهشني .فمع أنها تسمى "أرض حزب الله "لا تشعر بوجود ما يمكن تسميته دولة إسلامية فاشية .

الرجال والنساء يتناولون القهوة والكوكتيل معاً في أحد المقاهي .وفي حي مسيحي صغير , تقدم البارات المشروبات الروحية التي تجتذب عدداً من الزبائن الشيعة. وفي حين يرتدي كثير من النساء الحجاب,تبدو الملابس الغربية الطراز مألوفة تماماً, وليس هناك " حرس ثوري " تابع لحزب الله يفرض لباسا معينا.كان واضحاً أن حزب الله متجذر عضوياً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية اللبنانية وأن اختصاره إلى مجرد كاريكاتير بصورة "مجموعة إرهابية" لن يكون مجدياً .
لقد أدركت أهمية شرح الحالة السياسية لحزب الله التي لا تكاد تحظى بأي اهتمام في الإعلام الأمريكي .

فمثلاً ,كل الأخبار التي تتحدث عن هذه الجماعة لا تمل من التحدث عن هجماتها على الأهداف الأمريكية في لبنان خلال الحرب الأهلية ,وتحديداً السفارة الأمريكية وجنود المار ينز . لكن كثيراً من اللبنانيين اعتبروا الولايات المتحدة قوة معادية تدخلت في الحرب الأهلية لمصلحة إسرائيل وحلفائها اللبنانيين في الحكومة , كما أن الهجوم على ثكنة جنود مشاة البحرية جاء رداً على قصف البوارج الأمريكية للمواقع المناهضة للحكومة. ومع أنه لا يمكن الدفاع عن احتفاظ حزب الله بمليشيا خاصة به في لبنان ديمقراطي , فإن وجهة نظر حزب الله بخصوص رفض التخلي عن سلاحه جديرة بالتفكير .فمنذ 1982, قتل ما لا يقل عن 20.000 شخص لبناني ,غالبيتهم مدنيون شيعة,نتيجة الهجمات الإسرائيلية .هذا في وقت يخلو لبنان من أية قوة تمتلك قوة ردع موثوقة .
بعد تقديم التحقيق الذي أنجزته ,واجهت عدداً كبيراً من المشكلات. كان واضحاً أني متهم بالتحيز لحزب الله .

وبعد مراجعته من قبل محرر آخر ,قيل لي إن حزب الله معروف باستدعائه للمراسلين الصحفيين إلى لبنان وتوجيههم حسب مصلحته .

وبرأيهم هذا ما حصل لي ,مع أنه لم تكن لي أية صلة بالحزب ,باستثناء لقاءاتي مع مسؤوليه. أنا استأجرت السائق الذي رافقني وتصادف أنه شيعي متعاطف مع حزب الله مثل غالبية الشيعة ,وكان المترجمون كلهم مسيحيين . لم تفرض أية قيود على تحركاتي أو على من أقابلهم . والحقيقة أني قابلت كثيرين من خصوم الحزب.
كان واضحا أن المشكلة الأساسية هي الخوف من أنصار إسرائيل.أخبروني أن هناك ضرورة لإجراء تعديلات تجنب الصحيفة الانتقادات .

وقد أبلغوني في إحدى المذكرات أن علينا " عدم التحيز لأحد الأطراف ", وهو ما كان يعني حذف بعض الحقائق التاريخية المزعجة. وبعد عدة اعتراضات تم حذف سطر يشير إلى " خلق دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية في منطقة كانت آنذاك مأهولة بأغلبية كبيرة من العرب " .أحد المحررين قال لي إن ما أقوله يمثل وجهة النظر العربية وأن الإسرائيليين يقولون كانت غالبية المنطقة خالية من السكان عند وصول الصهاينة الأوائل مطلع القرن العشرين وأن عدد السكان تزايد في منتصف القرن لأن الناس هاجروا إلى فلسطين نتيجة التنمية الاقتصادية التي خلقها الصهاينة .

لكن هذا الرأي , الذي لا يدحض ما ورد في كلامي , يرفضه الأكاديميون المحترمون وبينهم كثير من الإسرائيليين, كما أنه يتحاشى التعرض لأحد الأسباب الرئيسية لهذا الصراع.فحسب الوكالة اليهودية , كان هناك حوالي 1.1 مليون عربي مسلم يعيشون في فلسطين عند تقسيمها- أي أكثر من مثلي عدد اليهود. ولذلك كان ردي على هذا المحرر " لو كان اسمي مصطفى وأعيش في ضاحية بيروت الجنوبية ,لما كنت متحمساً للصهيونية بالتأكيد.

وإذا لم نستطع الاعتراف بأن وجهة نظر العرب مشروعة , والاعتراف بما تبينه الأرقام, فإننا نختزلهم إلى مجرد متعصبين كارهين لليهود ." وفي حديث مع محرر آخر قلت إن الكراهية الدينية تشكل أحد عناصر هذا الصراع, لكنه بالأساس صراع على الأرض والهوية القومية.

ولو أن الدولة التي أقيمت في فلسطين العام 1948كان اسمها دولة الأسكيمو ,لنشأت في العالم العربي مشاعر معادية للأسكيمو .

حين سألت أحدهم في الضاحية عن إنكار المحرقة اليهودية وأشرت إلى أنها تظهر عدم الرغبة بالاعتراف بمعاناة اليهود ,أجاب "لا ننكر أن العنصريين في أوروبا اضطهدوا شعوباً بكاملها ولا نقلل من شأن معاناة اليهود لكن الأوروبيين اقترفوا هذه الجرائم , ثم فرض علينا أن ندفع الثمن من أرضنا ."
بعد أيام من النقاشات غير المثمرة,وتعديلات نهائية أعتقد أنها شوهت التحقيق , قررت سحبه كي لاتصل المسألة درجة الخيانة .

المقالة كاملة موجودة في March Harper's M magazine on newsstands now
أو Harper`s.org

اعداد محمد جمول
(109)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي