أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين "العمق الاستراتيجي" و"العثمانية الجديدة" ماذا يريد الأتراك من سوريا؟.. عماد غليون

التدخل الخارجي في الأزمة السورية بصوره المختلفة سياسيا وعسكريا با العنوان الأبرز حتى صار السوريون أنفسهم خارج اللعبة تماما، وينظر إليهم كأحد الأطراف الذين سيطلب منهم فيما بعد التوقيع على اتفاق التسوية الأخير الذي سيضمن المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية قبل تحقيق مصالح الشعب السوري.

وضع السيد أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي الحالي كتابه "العمق الاستراتيجي" منذ أكثر من عشر سنوات، ليرسم فيه أهداف السياسة الخارجية لبلاده ومصالحها خاصة في البلدان التي كانت خاضعة للدولة العثمانية سابقا، ولا تزال لديها روابط ثقافية ولغوية ودينية مع تركيا؛ وهذا السعي الحثيث للحكومة التركية باتجاه العثمانية أصبح يطلق عليه "العثمانية الجديدة"، ولجأت المعارضة التركية خلال معاركها مع الحكومة إلى وصف أردوغان بالسلطان العثماني وتنشر صور كاريكاتير له، ولم يتهرب أردوغان من مواجهة ذلك، بل كان باستمرار يتحدث عن العثمانية وتاريخها المجيد.

منذ البداية سارعت تركيا للتدخل في الأحداث الجارية في سوريا باعتبار الأس أحد الأصدقاء المقربين من الحكومة التركية وتربطه علاقات عائلية مع رئيس الوزراء أردوغان؛ أرادت تركيا لعب دور الوسيط والشريك في تقديم النصح والمشورة للنظام للقيام بإصلاحات حقيقية مع وعود بتقديم كافة أشكال الدعم والخبرة في حال قبوله بذلك، ولكن النظام قام بالمماطلة في البداية وتحول ذلك إلى عداء شديد بين الأسد وأردوغان أصدقاء الأمس القريب، ومن باب التندر كانت تنشر صورا عائلية حميمية قديمة تجمع عائلتي الأسد وأردوغان.

أعلنت الحكومة التركية دعمها منذ البداية للثورة السورية، وفتحت حدودها لاستقبال اللاجئين، وأقامت المخيمات لهم كما سمحت فيما بعد بتدفق العتاد والذخائر للجيش الحر، ما ساهم في خسائر فادحة للنظام وخروج المعابر مع تركيا من نطاق سيطرته.

قابل السيد أردوغان ازدياد عنف النظام بتصريحات نارية حماسية ووضع خطوط حمراء حول حماة وحلب وغيرها، كان يتجاوزها النظام دون أن يواجه أي رد فعل تركي عملي مباشر.

صحيح أن سياسة الحدود المفتوحة التي انتهجتها تركيا كانت ضرورية، ولا بد منها لاستمرار الثورة واستقطاب اللاجئين، حتى دون وثائق رسمية وتسمح بسهولة التحرك للجيش الحر، ولكن ذلك ساعد في تدفق المقاتلين الجهاديين وخاصة من أنصار تنظيم القاعدة، ما سبب في النهاية تحولا خطيرا في مسار الثورة السورية، وصولا لتنظيم داعش وإعلان تحالف دولي لمحاربته ساهم في تعويم النظام، ولو لفترة وتراجع كبير في قوات الجيش الحر وخاصة في الشمال.

تغاضت المعارضة السورية عن تدفق الجهاديين، مأخوذة بسحر الانتصارات التي يتم تحقيقها وربما يكون ذلك أكبر خطأ وقعت فيه؛ ولكن الذي لم يكن مفهوما هو سياسة الأتراك، وهل كانت الحكومة التركية عاجزة عن ضبط الحدود فعلا كونها حدود طويلة وصعبة ومنع دخول الجهاديين والدعم إليهم على الأقل، أم أنها أرادت الاستفادة من تواجدهم واستثماره في خلط الأوراق والإمساك به في لحظة ما؟ وقد اتضح أن سياسة فتح الحدود التي انتهجتها تركيا ليس من أجل التسهيل على السوريين وعناصر الجيش الحر لدعم الشعب السوري وثورته ضد النظام فقط، بل من أجل أسباب تتعلق بمصالحها وأمنها القومي بالدرجة الأولى.

تعاني تركيا من مشاكل داخلية سياسية واجتماعية تؤثر على الجانب الاقتصادي جراء ملفين أساسيين يتعلقان بالأكراد والعلويين؛ ومع أن قضية العلويين ومطالبهم لم تتحول لقضية صدام مباشر تهدد الأمن القومي، إلا أن دورهم برز بقوة في صفوف المعارضة في الآونة الأخيرة وبدأت مطالبهم تتوسع نحو الاعتراف بهم كدين مستقل عن الإسلام، وممارسة شعائرهم الخاصة والترخيص لهم بدور عبادة خاصة بهم يسمونها في تركيا "بيوت الجمع"، ومن الصعب أن تستطيع حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية المحافظة القيام بتنفيذ ذلك.

يمسك علويو تركيا بورقتي ضغط رئيسيتين ضد حكومتهم الأولى تتعلق بتوجههم الكلي باتجاه المعارضة مما يسبب ضغطا كبيرا على حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية القادمة، والخوف من خسارته الأغلبية التي يطمح من خلالها الاستمرار بحكم البلاد وليس من مفر أمام حكومة العدالة والتنمية سوى تقديم تنازلات مؤلمة لهم لتوزيع ثقلهم الانتخابي وتشتيته، وهذا أمر يبدو صعب المنال ولا بد من التنويه إلى أن تحالف أحزاب المعارضة ضد حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أدى لفوز أردوغان بنسبة 52% فقط.

الورقة الثانية بيد علويي تركيا ترتبط بالصراع الحاصل في سوريا ودعمهم للنظام السوري عدو حكومة العدالة والتنمية، والخطر الأكبر يتمثل باحتمال إقامة دولة علوية في سوريا، ما سيدفع علويي تركيا لرفع سقف مطالبهم واحتجاجتهم ضد الحكومة.

من الخطوط الحمراء الفعلية للحكومة التركية عدم القبول بدولة علوية في سوريا، وهي مستعدة للمساومة على ذلك بشتى الطرق، وليس خافيا على أحد أنها من أوعزت بتحريك جبهة الساحل ومن ثم إيقافها والانسحاب المثير من "كسب"، ولكن لم يتضح الثمن الذي حصل عليه الأتراك مقابل ذلك والذي يجب ألا يقل عن منع إقامة الدولة العلوية في سوريا.

الملف الكردي يمثل مشكلة معقدة ودامية للأتراك، ولم ينجح اتفاق السلا بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني في طي صفحته نهائيا، حيث حصل من خلاله الأكراد على مزيد من الحقوق فيما يتعلق بثقافتهم وعاداتهم ولغتهم؛ وأعلنت الحكومة التركية العداء لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الجناح السوري لحزب العمال، وهذا أدى لاندلاع اضطرابات عنيفة ضد الحكومة للمطالبة بتقديم الدعم لعين العرب (كوباني) والسماح للمقاتلين الأكراد بالدخول إليها، وهو ما رفضته الحكومة التركية باستثناء السماح لقوات من البيشمركة من كردستان العراق، وما عدا ذلك الوقوف على الحياد في معركة "كوباني".

استفاد الأتراك من تنظيم داعش لقتال الأكراد وربما يقول البعض بأنهم من دفعوا لدعم التنظيم للقيام بهذا الدور بدلا عنهم، وهذا يمكن أن يفسر سياسة الحدود المفتوحة التي لجأت إليها تركيا والتي أدت لتصريح نائب الرئيس الأمريكي واتهام أردوغان بدعم تنظيم داعش.

يبدو أن الاكراد لن يقبلوا بأقل من دولة صغيرة الحجم في أقصى الشمال الشرقي من سوريا في المرحلة الأولى، ولن يتخلوا عن ذلك مع وجود دعم غربي لتحقيق ذلك؛ وهذا ما يجعل الأتراك يقومون بجهود إضافية لتفتيت الصف الكردي نفسه بين إرهابي ومعتدل، ومن ثم خلق عداوات داخلية في صفوفه وبينهم وداعش وبين كتائب الجيش الحر.

الموقف التركي يؤكد بوضوح على أولوية إسقاط النظام وإقامة منطقة عازلة في الشمال، ورغم أن ذلك يصب في مصلحة الثورة، إلا أنها لن تتوانى عن اقتطاع جزء من سوريا وضمه لتركيا في حال اتجاه البلاد نحو التقسيم.

بكل الأحوال، فإن الكعكة السورية موضوعة على الطاولة بانتظار الاتفاق على طريقة التهامها وتوزيع الحصص .... ولا عزاء للسوريين!

من كتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (106)

ماذا يريد السوريون من ترك

2014-11-18

يريد السوريون من تركيا تخليصهم من حكم الأسد وضم سوريا إلى تركيا وإعادة إعمار المناطق السنية التي دمرها نظام الأسد بالمقابل حماية الطائفة العلوية من أي أعمال إنتقامية بعد سقوط الأسد بالمختصر نريد دولة مدنية نعيش تحت ظلها وذلك لن يتوفر إالا بمجئ تركيا.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي