أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بقي حيا بعد 26 طلقة..رحلة مصاب من رصاص الأمن إلى مشرط أطباء أكبر مشافي حمص

معاناة رحمون وآلامه توالت فصولاً في "المشفى الوطني" الذي كان آنذاك بمثابة المسلخ البلدي

"عبد السلام رحمون" شاب من مدينة حمص اخترقت جسده 26 رصاصة وبقي حياً، ورغم مرور أكثر من 3 سنوات على هذا الحادث لايزال رحمون يعيش على ذكريات تجربة أليمة عاشها في حمص بداية الثورة السورية، كادت أن تكون حداً فاصلاً بين حياته وموته، ولم تقتصر معاناته على إصابته بل تحول جسده إلى ميدان اختبار لأدوات تعذيب لا يتخيلها العقل البشري، ومنها المثقب الكهربائي والمنشار والمطرقة التي سحلت ثلاثة أضلع في صدره كما روى لـ "زمان الوصل".

* في البدء كانت جنازة
وحول تفاصيل ما جرى معه ظهيرة يوم من أيام عام 2011 قال الشاب العائد إلى الحياة: "كنت عائداً من عملي في أعمال الديكور إلى منزلي في حي دير بعلبة (شرق حمص)، وعندما وصلت إلى شارع الستين، فوجئت بمئات الناس يشيعون جنازات إلى مقبرة تل النصر، وعندما همّمت بعبور الشارع الذي كان يتمركز على طرفه الآخر عشرات من عناصر الأمن استهدفني قناص بطلقة في ظهري أعقبتها طلقات أخرى من عناصر الأمن، فسقطت على الأرض، ولكنني لم أفقد الوعي".

ويصف رحمون تلك اللحظات الصعبة وكأنه يستعرض شريطاً سينمائياً: "رأيت وأنا في حالة ما بين الحياة والموت عشرات المشيعين يتساقطون من حولي بعد أن فتح الشبيحة النار، ثم بدأ الشبيحة بحمل جثث القتلى، ووضعها في سيارات البيك آب، وعندما اقترب أحدهم مني استدار إلى الضابط المسؤول عنه، وقال له سيدي (هادا في روح).

ويردف: "قام الضابط بأخذ هويتي وجوالي ثم اتصل بسيارة خاصة بالمشفى الوطني، وفعلاً تم حملي إلى المشفى الوطني وهناك تمت "تصفيتي" تقريباً، وعندما بدأوا بشق بطني أفقت من غيبوبتي، وكان كل شيء في المكان يبدو في عيني أحمر اللون والجو حار بشكل لا يطاق".

بعد إصابته وسقوطه على الأرض شعر رحمون كما قال بوجع لا يوصف وراح يلتقط أنفاسه التقاطاً "لم أكن أستطيع التنفس بشكل كامل، ورغم ذلك كنت مستعداً لتحمل أكثر من ذلك والوقوف على قدمي" ويستدرك بنبرة مؤثرة: "كانت ثيابي مهترئة من الرصاص، وجسدي مغسولاً بالدماء، ولكن الألم الذي خلفته طلقة الـ 14 في خاصرتي اليمنى جعلني أسقط "من طولي" كما يقال وأتشهد، فحينها أيقنت أن روحي أصبحت تخرج من جسدي (طلعت روحي ورجعها الله)، ومرت بي حالات كثيرة كنت أشهق ثم أستعيد النفس وأنا في حالة من التجاذب بين الحياة والموت".

*في "المسلخ الوطني"
معاناة رحمون وآلامه توالت فصولاً في "المشفى الوطني" الذي كان آنذاك بمثابة المسلخ البلدي رأى فيه بطل القصة حالات تعذيب لا يمكن تخيلها كما روى له موظف يدعى " فيصل العويشي" لم يكن راضياً عما يجري له ولغيره لأن رحمون آنذاك كان فاقداً للوعي، وبحسب الموظف المذكور قام بعض أطباء وممرضي المشفى بفتح بطنه بالكامل، حتى خرجت أحشاؤه وقاموا بكسر أربعة أضلع في قفصه الصدري بمطرقة ثقيلة وبثقب قدمه اليمنى بمثقب كهربائي (درل) مرتين في محاولة للقضاء عليه.
ويردف رحمون: "قام الموظف المذكور -جزاه الله- بالاتصال بأهلي وإبلاغهم بأنني موجود في المشفى الوطني في حالة خطرة، وعندما جاؤوا إلى المشفى المذكور أنكرت إدارة المشفى وجودي عندهم".
ويتابع – كما سمع من بعض أقاربه فيما بعد: "اقتحم أقاربي ومعارفي الذين جاؤوا فيما بعد المستشفى عنوة، وبدؤوا بتفتيشه طابقاً طابقاً، ومن جملة الطوابق كانت هناك غرفة كبيرة تشبه الصالة يطلقون عليها -غرف الموت- لأنها كانت مخصصة لوضع المشرفين على الموت فيها وبقربها (براد الموتى)، ليسهل عليهم إدخال من يموتون إليه، وكانوا يضعون على بابها الذي يبدو بلا زجاج قفلاً وجنزيراً".
ويضيف رحمون الذي كان قد استعاد بعض وعيه آنذاك: "قام أحد أقاربي بالنظر من هذه الطاقة، فلمحني مرمياً على الأرض والدماء تملأ جسدي، وحينها طلب أقاربي من الممرضين والحراس فتح الباب، وإلا قاموا بكسر القفل والجنزير، فقام الممرضون بفتح الباب مرغمين، وعندما دخل أقاربي إلى الغرفة وجدوا عشرات الجثث مرمية في كل مكان والدماء تختلط بالأشلاء".

*عبد السلام عايش
ويستطرد الشاب العائد من الموت قائلاً: "حينها حملوني معتقدين أنني ميت، وأثناء حملي إلى السيارة انتبه أحد أقاربي إلى حركة مني فصرخ (عبد السلام عايش عبد السلام عايش)، وأخذوني إلى مشفى البر والخدمات الاجتماعية في منطقة الوعر، وهناك أُدخلتُ إلى غرفة العناية المركّزة، وبقيت فيها ساعتين قبل أن يتم إدخالي إلى غرفة العمليات، وعندها قام شبيحة النظام باقتحام المشفى واعتقلوا الجرحى، وعندما وصلوا إليّ قال لهم الممرضون أنني أخضع لعملية الزائدة فتركوني".

بقي عبد السلام رحمون ثلاثة عشر يوماً في العناية المركّزة، أجريت له خلالها عملية وصل قولون بعد أن تم انتزاع الطلقات من بطنه، وبعد أسبوعين أجريت لي عملية أخرى لإزالة الطلقة من فخذه ووضعوا له صفائح وبراغي، ثم عادوا فنزعوا الصفائح ووضعوا البراغي فحسب.

وكشف رحمون "هذه البراغي لا زالت موجودة حتى الآن في فخذي رغم مرور ثلاث سنوات على إصابتي لأن الأطباء حذّروا من عملية إزالتها لأن البراغي متوضعة في منطقة الركبة بقدمي اليسرى، ونجاح العملية لا يتعدى 50 %. وبلغت عدد الطلقات التي استخرجت من أنحاء مختلفة جسده 26 طلقة"..

ويردف عبد السلام رحمون: "قدر الأطباء حالتي بالموت أو بالشلل الدائم، ولكن بعد أن رأوني أقف على قدمي قالوا إن هذا الأمر معجزة في عالم الطب، وهناك لجنة من الأطباء الأمريكيين كشفوا عن حالتي في الأردن، فقالوا لي أنت مشلول قلت لهم كيف أكون مشلولاً وأنا أقف على قدمي، فقالوا لي ثانية هناك شيء غير طبيعي في حالتك".

ويستدرك الرحمون قائلاً: "أطلقوا علي في سوريا لقب "معجزة حمص"، وللمفارقة فإن قناة الدنيا بثت حينها خبراً يقول تم القضاء على الإرهابي المجرم "عبد السلام رحمون"، فهل أنا إرهابي لأني أعمل لأكسب لقمة العيش وأطعم أطفالي هل أنا إرهابي لأني لم أحمل سلاحاً أم لأني أقول لا اله إلا الله".
*جمعيات "خيرية"

يعيش المصاب عبد السلام رحمون اليوم في بيت متواضع في "جبل التاج" بمدينة عمان، ورغم حالته الصحية الصعبة، إلا أنه تحول إلى موضوع استغلال من قبل الجمعيات الخيرية وهيئات الإغاثة، (الكثير منهم يقومون بتصويري ويأخذون الوثائق بحجة تسجيلي فيها وتخصيصي بمساعدات ولا أرى شيئا من ذلك).

ويضيف: "في الشهر الماضي، كنت أخطط للعودة إلى مخيم الزعتري رغم أن حالتي الصحية صعبة لا تتلاءم مع الوضع المعروف في المخيم.

ويستدرك: "يمكن أن أعيش أسبوعا أو أسبوعين هناك ثم أقول لعائلتي عودوا إلى القصف والموت في سوريا.

ويضيف:"دخلت إلى جمعية العون الطبي فتم نقلي إلى مشفى الظليل في المفرق، حيث نمت 8 أيام، وبعد أن كشف عني جراح أعصاب قرر إجراء عملية في ظهره، وعندما وجدوا أن العملية مكلفة جداً ألغوا فكرة العملية قائلين لي: "يمكن أن ندفع بحدود 1500 دينار ولكن العملية المطلوبة تكلف أكثر من هذا المبلغ ولا قدرة لدي على تغطية الفرق، فألغيت فكرتها أنا أيضاً مسلّماً أمري إلى الله الذي لا تضيع ودائعه".

فارس الرفاعي- زمان الوصل
(142)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي