على الجبال القريبة من الحدود السورية ينظر بعض أعضاء الأقلية الدرزية بعين القلق للحرب الدائرة على الطرف الثاني من الحدود ويقولون إنهم مستعدون للدفاع عن مدنهم وقراهم بالسلاح إذا تعرضوا لهجمات من قبل المسلحين.
على الطرف الآخر من سلسلة الجبال يقاتل مسلحون إسلاميون جيش نظام الأسد وغيرهم من المسلحين. وهم لا يبتعدون سوى عدة كيلومترات عن جزء من لبنان يضم خليطا من الطوائف الدينية ويقع على مقربة من مرتفعات الجولان التي تحتلها "إسرائيل".
وقال علي فايق من كوادر الحزب الاشتراكي في بلدة راشيا ذات الأغلبية الدرزية والتي تقع وسط سلسلة جبال شاهقة مطلة على المنطقة "المخاطر التي تحصل في هذا الشرق صارت على مقربة كبيرة وهي تلفح وجوهنا وحياتنا.
لا شك أنه من المفروض أن يكون عندنا إحساس بالخوف. الخوف على وجودنا الوطني."
وعلى عكس مناطق أخرى في البلاد فإن المناطق الدرزية في البلاد بقيت بمنأى إلى حد كبير عن العنف الناتج عن تداعيات الصراع السوري المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
لكن على سلسلة الجبال الشرقية يشعر الناس بأن ظهورهم باتت مشكوفة ويقولون إنهم على استعداد لتولي أمنهم الذاتي إذا كان الجيش يحتاج للمساعدة.
وحث السياسيون الذين يمثلون الدروز المجموعات على تجنب العمل بشكل مستقل عن الجيش.
وقد نجا الدروز الذين يستمدون جذور ديانتهم من الإسلام وينتشرون في جميع أنحاء المنطقة على مر التاريخ من الاضطهاد. ورغم أنهم من أصغر الطوائف في لبنان فقد شكلوا قوة قتالية لا يستهان بها إبان الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 وبقوا مؤثرين في السياسة الوطنية.
ومثل الأقليات الأخرى فإن الدروز في سوريا يدعمون، إلى حد كبير، بشار الأسد ويعتبرونه حصنا ضد المتطرفين ويشتبكون أحيانا مع المسلحين في المناطق القريبة من الحدود مع لبنان.
وفي علامة على التوتر في شرق البلاد فإن القرويين الدروز فتحوا النار على حافلة كانت تقل سوريين في أغسطس آب الماضي بعدما لم يمتثل سائقها لطلب التوقف عند نقطة تفتيش للجيش في عين عطا القريبة من راشيا حسب مسؤولين محليين. وظن القرويون أن الحافلة تقل مسلحين لكنهم اكتشفوا أنها تقل نازحين سوريين.
وقال الشيخ جمال الدين الذي كان يرتدي الزي التقليدي لطائفة الموحدين الدروز المكون من السروال والقميص الأسودين ترافقهما على الرأس قلنسوة بيضاء "حادثة عين عطا هي حادثة مؤسفة وهذا أمر يستدعي دورا أكبر للجيش اللبناني" في حفظ الأمن.
وقال إن الأحداث في سوريا والشرق الأوسط تجعل السكان "في واقع أليم. هناك قلق وخوف وهناك مستقبل مجهول" مضيفا أن من الطبيعي لأي مجتمع حماية نفسه.
وقد أثار الصراع السوري أسوأ حالة من عدم الاستقرار في لبنان منذ الحرب الأهلية حيث شهدت مدينة طرابلس الساحلية جولات عدة من القتال منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 كما استولى عدد من المسلحين السنة المتشددين لفترة وجيزة على بلدة عرسال الواقعة على الحدود مع سوريا.
وخاض المسلحون الإسلاميون معارك مع الجيش اللبناني وحزب الله الشيعي وخطفوا عددا من الجنود من مختلف الطوائف شيعة وسنة ودروز وقتلوا ثلاثة منهم على الأقل.
وقال الجيش اللبناني إنه أوقف بعض السوريين الذين يشتبه بأنهم من المقاتلين في منطقة راشيا.
وقال الجيش في بيان له الأسبوع الماضي إن "مديرية المخابرات بالتنسيق مع مكتب أمن الدولة أوقفوا 12 سوريا للاشتباه بانتمائهم إلى مجموعات إرهابية وقتالهم الجيش في أحداث عرسال بالإضافة إلى دخولهم الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية."
بعض الناس يشعرون بالقلق من أن بلدة شبعا القريبة من راشيا والتي تقع على طريق تهريب بالقرب من "إسرائيل" يمكن أن تصبح ملاذا لجبهة النصرة المنبثقة عن تنظيم القاعدة مثل المدن السنية الأخرى في شمال لبنان والتي تستضيف لاجئين سوريين فروا من العنف.
وحرصا على تفادي الفتنة الطائفية قام وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يمثل الدروز في لبنان بزيارة إلى "عين عطا"، حيث تعرضت الحافلة لإطلاق نار وأدان الهجوم على لاجئين سوريين وحث الأهالي هناك على ترك الأمن للدولة حسبما قالت وسائل إعلام محلية.
* خلي السلاح صاحي
لكن الاستجابة لمطلب منع السلاح قد يكون صعبا حيث يقول السكان هناك إن بكل بيت تقريبا بندقية كما هو الحال في أجزاء كثيرة من لبنان.
وقال رئيف فرحات مختار البلدة متحدثا في سوق راشيا القديم حيث الباعة يعرضون بضائعهم في محلات واجهاتها خشبية موحدة "نحن لا نعتدي على أحد وكل الناس تحمل السلاح وتضع إصبعها على الزناد. فليأتوا أهلا وسهلا بهم نحن لا نعتدي على أحد ولكن الذي سيعتدي علينا سنقف بوجهه."
أضاف "حفرنا حفرة كبيرة هنا الذي سيهاجمنا سنعمد إلى طمه."
ويتفق معه فائق المسؤول المحلي الآخر ويقول إنه رد طبيعي لأن المعركة باتت تطرق بابهم.
وقال "وجودي في منطقتي هو حياتي. نحن من هنا. لن نرحل. وعندما يأتي أحد ما ويهدد هذا الوجود معناه أنا حياتي مهددة وبالتالي لي الحق في استخدام كل ما يمكن أن يستخدم للبقاء في أرضي والحفاظ على وطني."
ويسارع مسؤولون دروز في راشيا إلى التأكيد أن الدروز ليس لديهم ميليشيات منظمة مثل بقية الطوائف الأخرى ويقولون إنهم لا يشجعون مثل هذه الحركات.
وقال الشيخ أسعد سرحال عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز "موضوع السلاح طبعا بالنتيجة متواجد في كل البيوت. السلاح الفردي طبعا ضمن ظاهرة طبيعية في لبنان وغيره ولكن تسلح منظم .. مسلحين منظمين وناس متفرغين لا يوجد عندنا."
وأضاف "السلاح موجود في كل بيت للدفاع عن كرامتنا وأنفسنا ولكنه ليس ظاهرا في الشوارع."
وكان الشيخ سرحال أقل قلقا من خطر امتداد العنف إلى بلدته قائلا إن المسلحين سيجدون صعوبة في شق طريقهم بأعداد كبيرة عبر الحدود بسبب العوامل الطبيعية ووعورة الطريق التي تقطع بالكامل بفعل الثلوج في فصل الشتاء.
وتقع راشيا أسفل جبل الشيخ والذي يشار إليه أيضا على أنه جبل حرمون. وقال بعض السكان إن المتشددين قد يشقون طريقهم عبر ممرات جبلية بواسطة سيارات رباعية الدفع مرتفعة عن الارض.
وقال الريس المسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي "بالطبع بخصوص مواطني راشيا فهناك قلق وخوف لكنه لا يقتصر على مواطني تلك المنطقة إنما في كل قرى لبنان."
أضاف "ليس الدروز فقط الذين لديهم هذا القلق...إذا كان هناك أي مخاطر الأمر لا يقتصر على طائفة الموحدين الدروز إنما على كل لبنان".
رويترز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية