أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

برامج الصباح في المحطات العربية: صخب ثرثرة... وتثاؤب! ... محمد منصور

قبل بزوغ عصر الفضائيات التي تبث علي مدار الأربع والعشرين ساعة، كانت التلفزيونات المحلية الرسمية تصحو متأخرة...

وتبدأ بثها ما بين فترة الظهيرة أو ساعات المساء الأولي... وأكثر هذه التلفزيونات نشاطاً، كان يبدأ البث الساعة الواحدة أو الثانية ظهراً...

وقد يبدأ باكراً في أيام الأعياد والعطل الرسمية، أوفي حالات نقل المسيرات الجماهيرية، وتظاهرات التأييد والتعبير عن الولاء في المناسبات السياسية، كما كان يفعل التلفزيون السوري علي سبيل المثال لا الحصر طبعاً!

وكان الناس يبدأون يومهم مع محطات الإذاعة... حيث يستطيع أولئك الذين لم يفتحوا عيونهم جيداً بعد... أن يبدأوا الاستيقاظ من خلال آذانهم... وخصوصا عندما تصافحها أغنيات فيروز، أو عندما يسمعون خاطرة الصباح... أو يتابعون برنامجاً خفيفاً عدته الكلمة الحلوة، والصوت الرائق والألحان الصباحية المشرقة... أو عندما يشدهم صوت جميل لمذيعة تطلق ضحكة صافية، من دون أن نعرف إن كان شكلها بمستوي جمال صوتها، أو أن صوتها طبيعي أو أنه خضع لعمليات تجميل!!

مع تدشين عصر الفضائيات والبث علي مدار الأربع والعشرين ساعة، صار علي كثير منا، أن يستبدل مذياعه القديم الأثير في تلك الصباحات التي لم تكن تستهلك حواسه كلها، بالصورة التلفزيونية الصاخبة، وصار عليه أن يبدأ نهاره بتأمل إطلالات مذيعات التلفزيونات اللواتي ملأن وجوههن بالأصباغ والألوان الفاقعة منذ نهضن من الفراش... وربما قبل أن يشربن قهوة الصباح!
وهكذا استبيحت فترة الصباح بشتي ألوان البث التلفزيوني إلي أن استقر الحال علي ابتكار نوعية خاصة من البرامج تتعهد هدوء وصفاء صباحنا... ألا وهي برامج الصباح التي غدت في البث الفضائي العربي، مثل البضاعة الصينية: متشابهة في ما بينها من حيث الشكل، بحيث لا يمكنك تمييز الأصلي منها والمقلد إلا بالاستعمال الشخصي!
ولعل من أشهر البرامج الصباحية التلفزيونية، برنامج الفضائية المصرية (صباح الخير يا مصر) الذي ما زال مستمراً منذ سنوات طويلة، ولكن ضمن حدود يراوح فيها بين النهوض حيناً، والثبات حيناً آخر.... أما برامج الصباح في التلفزيون السوري... فلها تاريخ متعثر علي الدوام، منذ أطلقت الفضائية السورية قبل سنوات برنامج (صباح الخير) الذي تحول بعد فترة قصيرة من انطلاقته إلي سلة مهملات للتقارير الركيكة ذات الوظائف الروتينية، إلي أن قررت الإدارة الحالية تطويره عبر تغيير اسمه من (صباح الخير) إلي (صباح الورد)، يا للإضافة (!!!!) وقد قررت ألا أكتفي بانطباعي السابق عن هذا البرنامج، وأن أشاهد حلقات جديدة منه، للأمانة والتاريخ...

 فنهضت هذا الصباح ليطالعني وجه طبيب يتحدث منذ الصباح عن أمراض القلب والجلطة... ويسجل له البرنامج استطلاعا جماهيرياً يوجه فيه الناس أسئلة له، مع أن الهاتف لم يعد نادرا في البيوت لمن يريد الاتصال والسؤال... لكن حتي عندما اتصل أحدهم ليطرح سؤالا... انتظر الطبيب هذا المتصل كي يغلق الخط، ورد بالقول: إنه كان بحاجة لأن يطرح علي المتصل مجموعة أسئلة كي يقدم له الإجابة التي يتعذر عليه تقديمها الآن... ولا أدري ما الذي منعه من أن يفعل كما يحدث مع الأطباء في البرامج التي تبث علي الهواء!
وكانت الطامة الكبري عندما انتهت فقرة الطبيب وقرر الانسحاب من الأستوديو، وكانت المذيعة تقدم الفقرة التي تليها، فوقف أمام الكاميرا التي تأخذ لقطة المذيعة علي الهواء مباشرة... وصرنا نسمع صوتاً مع شيء يحجب رؤية الصورة... ويبدو أن أحدهم قد جن جنونه وصرخ من الكونترول أو أشار... فتلكأ الطبيب لبرهة وعاد ليجلس مكانه حتي تكمل المذيعة ويسمح له بالانصراف من الصف! لا يهم فيبدو أن المخرج لم يصح بعد... تابعت (صباح الورد) فكان الإيقاع نفسه والتثاؤب نفسه... ثم ظهر لي شخص اسمه (أحمد أسعد الحارة) ليتحدث عن لغتنا العربية الجميلة كما تقول المذيعة... وفهمت أنها فقرة من فقرات البرنامج، تتحدث عن اللغة العربية ومعانيها وأخطائها الشائعة من علي بكرة الصبح... ويا فتاح يا عليم!
وعلي القناة الأولي للتلفزيون السوري، هناك برنامج صباحي اسمه (نهار جديد) يبدو أفضل حالا من نظيره الفضائي، وديكوره أكثر أناقة وأجمل صورة... وإذا كان يتمتع بالحيوية في بعض تقاريره، فإن ثقل الدم لا يبارح جو الأستوديو في أحيان كثيرة... وثمة مذيعة بالواسطة تظهر في هذا البرنامج هي ابنة المخرج الذي وضعته الإدارة مشرفاً فنياً علي نهارنا الجديد... وأقول بالواسطة، لأنها الأضعف والأقل حضورا واجتهادا بين مذيعي البرنامج... ولولا ذلك لقلنا عنها (فرخ البط عوام) وخصوصاً أن 70% من العاملين في التلفزيون السوري بقنواته الثلاث أقارب وعائلات وأشقاء وأولاد خال وخالة وعم وعمة وعمومة!
ويظهر مذيع رياضي شاب في البرنامج الصباحي الأرضي والفضائي... وهو حتي عندما يريد أن يقدم فقرة رياضية لا بد أن يبدأ بحكمة وقول مأثور... وقد أطلقت الإدارة يده في البرنامجين، فتارة يقدم فقرة رياضية، وأخري نراه يقدم كل شيء...

ومرة نراه في الأستوديو وأخري نراه مع الحسناوات في جلسة تمارين رياضية في الحلقة نفسها... وليست مشكلة برامج الصباح هي هذا المذيع المتحمس الذي يحب الظهور، ولا ابنة المخرج التي أتت بالواسطة... بل هي في غياب الرؤية وتحويل الصباح إلي مجموعة من الفقرات السياحية والخدمية والاجتماعية والميلودرامية البكائية أحياناً... التي تغيب عنها اللمسة الفنية في المعالجة، وتغيب عنها خصوصية الفترة الزمنية في انتقاء الموضوع المناسب!
برنامج التلفزيون السعودي الصباحي (مكسرات) والذي تقدمه مجموعة من المذيعات اللواتي كان ظهورهن علي الشاشة حتي عهد قريب إنجازاً... هو صورة عن حال المجتمع السعودي الذي لا يستيقظ باكراً... والذي يغرق شبابه في حالة من الكسل، ويشتم العمالة الوافدة ويتهمها بسرقة فرص العمل منه رغم أنه لا يستطيع العمل من دونها... وأكثر الفقرات حيوية في برنامج (مكسرات) هي فقرة الطبخ... حيث يمكن أن نعثر علي المهارة والحماس معاً!
أما برامج الصباح في المحطات اللبنانية، فهي أكثر حرفية وأناقة من نظيرتها المصرية والسورية والسعودية ... فهي مصممة لبث الحيوية في نهار مشاهديها... وهي مرتبطة لديهم بالأناقة والأزياء والصحة والرشاقة، لكنها أيضا مقترنة بقراءة صحف الصباح علي اعتبار أن اللبنانيين لم يحرموا من هذه العادة كما حرم منها السوريون بعد القضاء علي الصحافة الخاصة في سورية قبل أكثر من أربعين عاماً... ولذلك تحفل برامجهم الصباحية، وأفضلها (نهارك سعيد) علي قناة (إل. بي. سي) بالجدل السياسي، ومتابعة جديد ما نشرته الصحافة وما نقلته من آراء ومواقف... حيث لا رأي واحدا، ولا اجترار لموقف واحد بلغة شعاراتية عفا عليها الزمان! (الجزيرة هذا الصباح) يفتقد النكهة المحلية لكنه يعكس عقل الجزيرة الرصين الذي باتت تتحلي به بعد أن حلت مشكلاتها مع الأنظمة العربية، ويسعي بحرفية لإنجاز ملفات خفيفة واجتماعية تمثل أكثر من بلد عربي في وقت واحد... ورصانته ليست علي قدر من الجمود الذي نراه في محطات أخري بسبب حرفية الجزيرة الفنية واحترامها لمهنة الإعداد التلفزيوني... فيما يبدو (صباح العربية) برنامجاً متكلفاً علي الطريقة اللبنانية المصدرة للآخرين... وهي غير الطريقة الاحترافية التي نراها في المحطات اللبنانية... وهو يمثل سعي العربية لاستثمار النجوم، ولتقديم صبحية علي طريقة المجلات النسائية العربية حيث ثرثرة الفنانين وحروبهم وسفاسف أمور الحياة العصرية... والعصرية جداً!
وأحدث برنامج صباح قدمته (إم. بي. سي) مؤخراً بعنوان (صباح الخير يا عرب) وفيه استقطبت السورية سهام شعاع، التي عرفتها منذ عشرين عاماً طالبة في المعهد المسرحي بدمشق، وسرعان ما تركت الدراسة وذهبت لتقديم برنامج منوعات، ثم أصبحت بعد سنوات صحافية فنية، ثم شاعرة، ثم رئيسة تحرير مجلة... وها هي الآن تطل من علي شاشة (إم. بي. سي) لترطن باللهجة اللبنانية وتتجاهل أصلها السوري... وبرنامج (صباح الخير يا عرب) الذي يبث من دبي ويرتبط علي الهواء مباشرة بجدة والقاهرة... يمثل صورة حيوية لبرامج الصباح... وهو يحاول أن يرضي السعوديين بالحديث عما يتحرج إعلامهم الرسمي من الحديث عنه، كالحديث عن عمليات تكبير وتصغير أثداء النساء... وعن حبوب منع الحمل للرجال... وعن قضايا تجميلية وجنسية أخري! لكن البرنامج يتصف عموماً بالحيوية والضخامة وسرعة الإيقاع، والقدرة علي جذب اهتمام المشاهد... رغم الدعاية غير الرصينة التي تقدمها مذيعاته لفقرات البرنامج باستمرار... دون انتظار رأي وتقييم الآخرين!
في المحصلة برامج الصباح في التلفزيونات العربية، تمثل عنصرين أساسيين:
ـ الأول: النكهة المحلية لطبيعة الحياة في هذا البلد العربي أو ذاك... فإن كان صباحك مشرقا كانت حياتك مشرقة!
ـ الثاني: مستوي الحرفية الإعلامية والمهنية في تجسيد نبض الحياة علي الشاشة.... وهذا أمر يتحدث عن نفسه بنفسه في كل برنامج وكل محطة علي حدة!

صدق أو لا تصدق: الإعلام السوري كسب الرهان!

علي الشريط الإخباري في الفضائية السورية لفت نظري خبر يقول: مجلس الشعب يشيد بالأداء المتميز للإعلام السوري... ثم يليه تصريح مفاخر لوزير الإعلام السوري د. محسن بلال جاء فيه: الإعلام السوري كسب الرهان، وأصبحت للرسالة الإعلامية مصداقية!
والحق أنها إشادة المتعوس بخايب الرجاء...  هذا المجلس يمتدح إعلاماً فشل في كل اختبارات الثقة لدي مواطنيه... وجاءته السكتة القلبية في إعلان احتلال الأمريكيين لبغداد عام 2003 وتقاعس مرارا وتكراراً في نقل الأحداث المحلية في بلده، بينما رأيناها علي شاشة محطات أخري وعلي صفحات صحف عربية خارجية... فأي رهان يا سيادة الوزير... وأي تميز يا مجلس الشعب... ومتي سيحترم عقل المواطن السوري الذي يعيش ويري ويفكر ويحلل ويصمت... لأن وسائل إعلامه وبرلمانه لا تنقل رأيه ووجعه!
الطريف أن المصور الذي سجل جلسة مجلس الشعب مع وزير الإعلام، عوقب لأن الصورة كانت غير صالحة... وقد بث الخبر في نشرة الأخبار بصورة رديئة... فأي تميز لهذا الإعلام الذي لا يحترم حتي المواصفات التقنية للصورة!

(بيت اليَكْ): اتجاه معاكس بلا ضجيج!

برنامج (بيت اليك) أو (خانة اليك) حسب التعبير السوري، والذي يقدمه نديم قطيش علي قناة (أخبار المستقبل) اللبنانية، يشبه في محتواه وشكله برنامج الجزيرة الشهير (الاتجاه المعاكس) لكنه يتميز بأنه يقسم الوقت علي ضيفيه المختلفين بالتساوي: دقيقة لكل منهما من خلال عداد يظهر علي الشاشة!
تقنية مقبولة كي يدرأ مذيع البرنامج تهمة إعطاء وقت إضافي لضيف دون آخر... ويمكن أن تتخلص من الغوغائية والضجيج والزعبرة... علي اعتبار أن الضيف يصمت متي انتهي وقت الإجابة... لكن البرنامج في مجمله يفتقد الحرارة... ولا يضع أحداً في (بيت اليك) سوي القناة التي فشلت في تقديم برنامج محبوك جيداً، وقادر علي جذب المشاهد!


ناقد فني من سورية
[email protected]

القدس العربي
(147)    هل أعجبتك المقالة (144)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي