تمر جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بمرحلة حاسمة في تاريخها، فبعد أن وصلت لمرحلة شعرت فيها أنها قاب قوسين أو أدنى من استلام حكم البلاد، ها هي تقوم بإعادة نظر ومراجعة شاملة لدورها ونشاطها السياسي التقليدي والانسحاب من العمل السياسي المباشر كجماعة والاكتفاء بالعمل الدعوي والخدمي، والدفع بأعضائها للتوجه نحو العمل السياسي بحرية وبدون قيود أو توجيه ضمن حزب "وعد" الذي أطلقته الجماعة أو حتى ضمن أحزاب أخرى تتوافق مع توجهات الجماعة وكذلك الدخول في تحالفات سياسية جديدة مع قوى ديمقراطية وليبرالية بشكل يتناسب مع ظروف المرحلة.
قبل المراجعة الداخلية في صفوف الإخوان يرى البعض أن عليهم إنجاز مراجعة عامة أمام السوريين بما يخص أحداث الثمانينات التي قامت بها الجماعة ضد حكم الأسد الأب، والتي أدت إلى مجازر في البلاد أبشعها مجزرة حماة، وكذلك تهجير واعتقال خيرة الشباب وإلى هيمنة النظام على الحياة السياسية في البلاد بقوة وتعسف متذرعا بمكافحة إرهاب الجماعة؛ وفيما يرى الإخوان أن ذلك يعطيهم الأحقية والأسبقية على باقي القوى السياسية، كونهم قاموا بثورة مبكرة ضد النظام، وقدموا تضحيات كبيرة، ولذلك يلقون باللوم على القوى السياسية الأخرى التي التي لم تشاركهم الثورة؛ ومن جهتها ترى القوى السياسية الأخرى أن الإخوان ورطوا الشعب السوري بحراك عنيف غير منظم دون أن يقوموا بالتخطيط والتنسيق له مع الآخرين ليتم إطلاق ثورة وأن حراك الثمانينات كرس سلطة القمع والاستبداد وأعاد الحراك السياسي إلى الوراء.
المراجعة الإخوانية الداخلية حول مسؤولية أحداث الثمانينات مهمة للغاية؛ من باب التوثيق والتأريخ للوقائع أولا ولدراسة حيثيات ما وقع من انقسام في صفوف الإخوان بين جناح سياسي وجناح عسكري، قاد الحراك باتجاه العنف وأدى لإعطاء النظام جرعة من القوة ساهمت في إطالة عمره.
تمر جماعة الإخوان المسلمين بمأزق خطير بعد وضعها على لائحة المنظمات الإرهابية في مصر ودول الخليج العربي عقب الإطاحة بحكم الرئيس مرسي والإخوان لمصر، واستيلاء العسكر على السلطة بقيادة السيسي وبلا شك سيلقي ذلك بظلاله على إخوان سوريا.
ربما يفسر تراجع الدعم الغربي للربيع العربي تصدر الإسلام السياسي للمشهد، حيث كان يرغب بحراك على غرار الثورات البرتقالية لا أكثر وليس ثورات تغيير بنية وتركيب المجتمعات العربية؛ وبهذا المعنى يمكن تسمية اندفاع جماعة الإخوان باتجاه استلام الحكم خطأ فادحا، لأنها التقطت رسالة خاطئة من بأن الغرب يقبل بتغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد مهما كانت نتائجه وتداعياته.
تصدر إخوان سوريا القيادة في مؤسسات المعارضة المختلفة منذ البداية عند تأسيس المجلس الوطني وكان ذلك مشفوعا بدعم إقليمي واضح من تركيا وقطر بشكل رئيسي؛ وعندما تمت إضافة الكتلة الديمقراطية برئاسة ميشيل كيلو للائتلاف بقصد إحداث توازن معهم، فإنها كانت هي الأخرى في المحور الإقليمي المقابل الذي تدعمه السعودية ودول الخليج الأخرى، ما أدى لاستقطاب ثنائي حاد في قوى المعارضة عطل عملها وجعل قرارها بيد الدول الإقليمية.
يحمل البعض الكتلة الديمقراطية مسؤولية الاستقطاب في صفوف المعارضة تماما كما يحمل الإخوان المسلمون ذلك؛ ولكن الظروف السائدة في المنطقة لم تعد تسمح للإخوان بالمزيد من المناورة وباتوا يراقبون التطورات بحذر وتوجس شديد مع شعور قوي باقتراب الخطر عليهم، فيما لو استمر أداؤهم على نفس الوتيرة.
هنالك استياء وعدم رضى على أداء الإخوان وممثليهم في مؤسسات المعارضة المختلفة؛ حتى بالنسبة للجماعة لم يستطيعوا توسيع قاعدتهم الجماهيرية والتنظيمية، بل سعوا لكسب الولاءات والتحالفات المؤقتة، دون انتماءات حقيقية للجماعة، ولم يمنحهم ذلك قوة إضافية؛ والملاحظ عدم بروز شخصيات قيادية إخوانية تحمل صفات كاريزمية قوية على شاكلة الشيخ عصام العطار الذي يحظى بمحبة واحترام كثير من السوريين.
ربما يؤثر الانقسام غير المعلن في صفوف الإخوان بين عدة أجنحة متصارعة كالجناح الحلبي والحموي على منع الجماعة من تطوير أدائها أو إبراز قيادات ذات خبرة تنظيمية أو كوادر شابة، إلا أنه يحكى باستمرار عن مراجعات غير معلنة تقوم فيها الجماعة توصي بضرورة ابتعادها عن العمل السياسي المباشر وترك مهمة ذلك للأحزاب التابعة للجماعة والاقتصار على الجانب الدعوي والخدمي.
هناك مطالبات من قيادات حزب "وعد" التابع للجماعة بأن يقود العمل السياسي للجماعة باستقلالية وحرية، ولكن المراقب العام الذي يعلن قبوله بذلك يرى أن الحزب لم يصل بعد لمرحلة النضج التي يستطيع القيام بهذا الدور وملأ الفراغ الناتج عن انسحاب الجماعة.
ومما تجب الإشارة إليه إن الإخوان قاموا بجهود طيبة عبر تطوير خطابهم السياسي وقبولهم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، وأعلنوا التزامهم بالوثائق السياسية التي أقرتها المعارضة وخاصة ميثاق العهد الوطني في اجتماع القاهرة.
تشعر الجماعة بالخطر الداهم عليها بسبب التطورات المتسارعة في إعلان التحالف الدولي ضد إرهاب تنظيم "الدولة" والذي توسع ليشمل فصائل أخرى وقد يمتد ليطول الجماعة نفسها كما حصل في مصر.
هل المراجعة التي يقوم بها الإخوان خطوة فعلية وجادة أم مجرد مناورة تكتيكية لتحقيق أهداف براغماتية مؤقتة بانتظار اتضاح الصورة؟
البعض يرى أن "النهضة" في تونس ربما تكون قد آثرت الابتعاد والقبول بالخسارة والمسارعة لمباركة فوز "النداء" لكسب سمعة تضيف لرصيدها حسنة، وأن ذلك ضمن خطوات المراجعة التي يقوم بها التنظيم الدولي للإخوان فهل تصب مراجعات إخوان سوريا في نفس السياق؟
قيادة جماعة الإخوان أجلت البدء بتطبيق نتائج المراجعة بانتظار حصول تطور في أداء حزب "وعد" فهل يمكن اعتبار ذلك تهربا من مواجهة الاستحقاق والانكفاء وعدم إعطاء القيادات الإخوانية الشابة الفرصة للعمل السياسي والبروز كبديل عنهم؟ رغم أن الجماعة بحاجة لتراجع تكتيكي والابتعاد عن المواجهة في الوقت الحاضر إلا أنها بحاجة لتطبيق نتائج المراجعة بجرأة ودون إبطاء فيما لو أرادت إبعاد مخاطر الحظر والإبعاد النهائي لها عن ساحات العمل السياسي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية