أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورةٌ في الإسلام.. ومن سوريا.. د. وائل مرزا

بحدٍ معقول من المنطق والتحليل، لاتزيدُ الوقائعُ والأحداثُ في سوريا المرءَ إلا يقيناً بأن القدرَ الأكبرَ للثورة في سوريا يتمثل في أن تقودَ إلى ثورةٍ حقيقيةٍ في فهم الإسلام وتنزيله على الواقع، أكثرَ من أن تؤدي إلى (أسلَمةٍ) مُفترضة، بدأ الحديثُ عنها من قبل بعض الفصائل الإسلامية، لتصل اليوم إلى تجلياتها العملية مع (داعش) وممارساتها. ولكن، مع وضع هذا التنظيم وممارساته في إطار السياسات الدولية والإقليمية المتعلقة بسوريا بطبيعة الحال. بمعنى أن هذه السياسات أيضاً تخلقُ، دون أن تقصد، ردود أفعال وواقعاً يصبان في نفس الاتجاه.

ثمة عملية (صناعة تاريخ) مذهلة تجري فوق الأرض السورية تحديداً، ومن مفارقات الأقدار أنها إذ تتعلق بالإسلام، كدينٍ عالميٍ (مفتوح)، فإن صانعها لايقتصر على الإنسان السوري، رغم دوره الأساسي، الراهن والمستقبلي، في الموضوع، وإنما بَشَرٌ من كل الخلفيات والأجناس والألوان.

إذ لم تكتفِ الأقدارُ بأن يكون في (داعش) تشكيلةٌ غريبةٌ من الأفراد تنتمي إلى ثقافات ودول عديدة، ولم يكفِ وجود ممثلين لثقافات من الدول التي تقف إلى جانب النظام السوري، بل إن (التحالف الدولي) الذي يحارب (داعش) فوق الأرض السورية، أكمل مهمة تمثيل البشرية في عملية صناعة التاريخ الجارية على أرض سوريا.

كتبتُ منذ شهور مقالاً من جزءين بعنوان: "سوريا: من أسلمة الثورة إلى ثورةٍ في الإسلام"، ولم أنتبه يومها إلى هذا العنصر الذي يضع التحليل في إطارٍ أكبر، بل ويجعل استنتاجاته أكثرَ واقعيةً وقابليةً للفهم. فالإنسان السوري يبدو لاعباً أساسياً بالتأكيد فيما يجري، لكن من غير الطبيعي أن يكون هو اللاعب الوحيد في صيرورةٍ حضاريةٍ ضخمةٍ بهذا الحجم، لابد من أن يشارك في تشكيل مكوناتها وعناصرها ممثلون لبشريةٍ تجمعُ كل هذا الاختلاف والتنوع الإنساني بكل إيجابياته وسلبياته، نجاحاته وإخفاقاته، سُمُوهِ وانحطاطه، وتجاربه وخبراته.

هكذا، تجرﱡ البشرية نفسها جراً إلى هذه المنطقة من العالم. تجرﱡ نفسها بأجنداتها المتضاربة، ومصالحها المختلفة، وغاياتها المُعلنة منها والدفينة، لتصنع سوياً تاريخاً قد يتبينُ لها في يومٍ قادم، للمفارقة أيضاً، أنها لم تكن تُريده على وجهِ التحديد.

وأنت إذ تفكر في الأمر قليلاً من منظورٍ مُعين.. فإنك ستشعر بقشعريرةٍ دون شك.

هكذا تتوضحُ الأمور أكثرَ فأكثر، ويأتي كل حدثٍ ليقع في مكانه المناسب تماماً من العملية. وهي عمليةٌ ذكرنا سابقاً أنها تحدثُ ببطء "كما هي العادة في مثل هذه الظواهر، وبشكلٍ لايراه بَصرٌ مُستعجل ولابصيرةٌ مشوهة. فمثل هذه التغييرات الكبرى في واقع الدول والحضارات تحدث بأثر فعلٍ تراكمي يُدرك البشرُ، في نهاية المطاف، أنه كان يسير في اتجاهٍ يعاكسُ كل مايوحي به ضجيج الأحداث الآنية وصخبُها المُلتبس في ذاته من جانب، والذي يدعو للالتباس من جانبٍ آخر".

في مثل هذا الإطار توضع أحداثٌ، قد لاتكون ضخمةً بذاتها، من خطبة السورية عفراء جلبي في كندا، إلى عملية رجم امرأةٍ في سوريا، من المحتمل أن يكون شارك فيها (كنديون)! لكنﱠ تَراكُمَ تأثيرها النفسي والفكري والاجتماعي على البشر أكبرُ بكثير مما نتصور، وهو تراكمٌ يُصبح رافعةً هائلة لعمليات تغييرٍ جذرية تحفر أرض الواقع الإنساني حَفراً، وتقلب تضاريسهُ رأساً على عَقِب.

بهذا الفهم، يُصبحُ صَخَبُ وصُراخُ وعويلُ المعترضين والرافضين مجرد ضجيج (noise) يجري على هامش صناعة التاريخ، وتفرض الحقائقُ نفسها تدريجياً على ألسنة جيلٍ جديد يبدو واضحاً تماماً معه أن "هذا أمرٌ قد تَوجَّه".

وكمثالٍ على العملية بأسرها، تَبهركَ نماذج تُعيد التذكير بما تحدثنا عنه من دور الإنسان السوري في الموضوع. هاهو، مثلاً، شابٌ سوري نبيه اسمه بشار غوجل يكتب على صفحته تعليقاً على حادثة رجم المرأة قائلاً: "إسلامُنا ليس بريئا أيها الأحبة. الإسلام، بنسخته  (المهكرة) من قبل الفقهاء والتي نعرفها ونمارسها على مساحة العالم الإسلامي حاليا، ليس بريئا من داعش، ولا من الرجم، ولا من ضرب الأعناق. هؤلاء الشباب الدونكيشوتيين لم يأتوا من المريخ، وإنما تربوا تحت قباب مساجد العالم الإسلامي وتتلمذوا على يد (علمائه). إنما هي أفكارنا وقناعاتنا وأعمالنا توفى إلينا، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وفهمه، وقناعاته، وممارساته وآبائيته وسلفه (الصالح). إلى أن يأتي اليوم الذي نمتلك فيه الشجاعة الفكرية ونعترف بهذه الحقيقة وبمسؤوليتنا الكاملة عن الموضوع، سنبقى نجتر جاهليتنا. إنه الخيار بين }فبما أغويتني} وبين }ربي إني ظلمت نفسي}".

وهاهو شابٌ سوريٌ آخر اسمه إبراهيم الأصيل يكتبُ في نفس الموضوع قائلاً: "على فكرة، ما فعلته داعش وارد في الصحيحين، البخاري ومسلم، وأمامنا أحد أربعة خيارات: 

الأوّل: أن نتخذ خطوة جريئة بنزع القدسية عن كتب الحديث، ونعلن بوضوح أنه قد يرد في الصحيحين ما هو غير صحيح ولا يناسب الفطرة ويجب إعادة نقدهما على ضوء ذلك وفهم القرآن ومقاصد الدّين. ومن أوّل الملفات التي يجب أن تُفتح هي حكم (المرتد) لأنها جاءت في حديث واحد مع حكم الزنا. الثاني: أن نعلن بوضوح أن انتقادنا لداعش هو عدم ثقتنا بقضائهم فقط، وبإجراءات القضاء كاعتماد الشهود وبقية التفاصيل، في حين أنّنا نوافق أفكارهم ومبادئهم، وعلينا توضيح ذلك كي لا يحصل سوء تفاهم مع (إخوة المنهج) والدرب. الثالث: أن نقول لداعش (يعطيكم ألف عافية)، قمتم بإحياء ديننا وفعلتم ما عجزنا عنه ونقلتم ديننا من الكتب إلى التطبيق. الرابع: أن نتابع انتقادنا لما نؤمن به، ونكمل مسيرة انفصام العقيدة التي تسيطر علينا... ربّما، وبعد كل ذلك يكون لداعش أثر ايجابي فعلاً بأن نفهم ديننا أكثر، وأن نبحث عن نبيّنا أكثر، وننفض عن مبادئه غبار الوسطاء...".

تقرأ هذا الذي يكتبه شبابٌ سوريٌ غيورٌ كثيراً على الإسلام، وتفكر في أبعاد عملية صناعة التاريخ المذكورة أعلاه، فتتذكر قصة الصبي الذي أعلنَ ببراءة أن "الملك عريان" حينَ سكتَ الجميعُ عن تلك الحقيقة. وتنتبه، ليس فقط، لحجم المسؤولية الواقع في أعناق من يرون أنفسهم ويراهم بعض الناس (مُوقعين عن رب العالمين)، بل لدرجة غفلتهم عن تلك المسؤولية.

(123)    هل أعجبتك المقالة (104)

abu ahmed

2014-10-31

لو كتب أحدهم من أشكال ابراهيم الاصيل أو بشار غوجل مقالا بعنوان ثورة على الدكتور وائل ميرزا وافاض بالرد على الدكتور نفسه وقال مما قال ان الدكتور طيب الذكر لق.... او ما شابه ذلك وانه لا يؤمن بكروية الارض ولا دورانها فهل سيصدقه كل الناس وعلى رأسهم الدكتور ميرزا نفسه مثلا ام انهم سيقولون ويحك من اين لك هذا الكلام ومن انت حتى تقول ان مقالات الدكتور تؤيد قولك فمقالات الدكتور تحتاج لشرح وتفهيم وتقريب للعقول. والذي اقصده ان شرح الصحيحين يحتاج لرجال واهل علم لا لاشباه رجال يتسترون تحت اسم غوجل ونصفه بالنباهة لتقوية الحجة.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي