أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحسكة.. مثلث التيه بين تشبث النظام و"بركة" التنظيم و"روج آفا" الكرد

يقتسم تنظيم "الدولة الإسلامية" وحزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على ريف محافظة الحسكة، وعمل كل طرف على خلق مؤسسات تابعة له، تفرض على الناس القوانين وتنظمهم حسب مرجعتيها، فتجاهل التنظيم فصائل الثورة السورية التي عمل معها ثم أزاحها فيما بعد، بينما عمل الحزب ضمن مناطق سيطرة النظام دون أن يتصادم معه.


وسبق حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيم "الدولة" في الإعلان عن تشكيلات عسكرية وأمنية ومؤسسات تابعه له في شمال المحافظة، بعد سحب النظام النقاط العسكرية الصغيرة والمخافر من الريف إلى مدينتي الحسكة والقامشلي، خاصة بعد تحرير الجيش السوري الحر لمدينة "رأس العين" في 8-11-2012 وقضائه على المواقع العسكرية، والمفارز الأمنية التابعة للنظام في المدينة.


 * طبخة النفط
 قد يشي الواقع في الحسكة بطبخة تعد، وتذكيها نار النفط في محافظة تعتبر الأغنى بالذهب الأسود، تحت قدر يرتكز على أثافيه الثلاث النظام والتنظيم وحزب (PYD) الكردي، غير أن النار لابد أن تطول تلك الأثافي، ولا بد أن بعضها خاسر إن لم يكن الجميع كما يرجح مراقبون، على المدى البعيد.


أما واقع الحال وضمن الخطوات الآنية التكتيكية، فهناك ما يشبه تقاسم للسلطات أو تقاطع للمصالح، ففي وقت تسير مؤسسات النظام معاملات الناس في مدينتي الحسكة والقامشلي وترفض الاعتراف بغير وثائقها، انتشرت حواجز مسلحي الحزب على مداخل المدن، ثم شكل مجالس محلية، ومجالس شعبية، ومحاكم، وقوات شرطة، ومراكز جمارك تفرض على الناس ضرائب، وطالبتهم بتسجيل ممتلكاتهم في سجلاتها، ولاحقت الآسايش (الشرطة التابعة للحزب) مالكي السيارات والدراجات طالبتهم بتسجيلها، تجنبا لحجزها ومنعها من دخول المدن التي باتت ترفرف فيها أعلام الأحزاب التابعة لـ"عبد الله أوجلان" والمليشيات التابعة لحزبه فوق جميع المؤسسات وسط ذهول معارضيه.


الأمر الذي واجهه النظام بسكوت اعتبرته المعارضة السورية "علامة الرضى" أو"دليل التواطؤ" عن تمددها، حتى أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) عن "إدارة ذاتية" لمناطق سيطرته أطلق عليها اسم "روج آفا" (غرب كردستان).


وفي الريف الجنوبي والشرقي والغربي للحسكة، لم تكن السيطرة عليه بهذه السهولة، فمعارك الثوار مع قوات النظام لتحريرها، استغلها حزب الاتحاد الديمقراطي لترسيخ سيطرته شمال الحسكة، ساعد على ذلك نقص الإمداد وقلة التنسيق وكثرة المشارب، فما استطاعوا إقامة إدارة موحدة للمنطقة كما هو حال جميع المناطق التي سيطر عليها الثوار، خاصة أن النظام يعمل دائما على معاقبة الحاضنة الشعبية عبر استهداف المناطق بعد تحريرها بعشرات الغارات ما يفرغها من سكانها، ويعيق العمل فيها للمؤسسات المدنية.
خسر الجيش الحر، و"جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام" معركة معبر رأس العين في 16 -7-2013، والتي جاءت بعد هجوم مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي على مقرات هذه الفصائل خلال توجه كل قواتها إلى جنوب الحسكة لحسم معركة "فوج الميلبية"، فكان لنتائج هذه المعركة الدور الكبير في إفساح المجال أمام تنظيم "الدولة" لحكم المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بعد سيطرته على كامل الرقة ومعبرها الحدودي مع تركيا في شباط من نفس العام.


وعمل التنظيم على تشكيل مجلس شورى، والمحاكم والهيئات الشرعية، وقوات شرطة تحمل اسم "الشرطة الإسلامية"، وأخرى باسم "الحسبة"، وديوان تعليم، زكاة، وغيرها وعين واليا للحسكة التي غير اسمها إلى "ولاية البركة"، وأمراء على كل منطقة، ورفع راياته فوق جميع المؤسسات وصبغ مداخل المدن باللون الأسود.


وخلال هذا التسابق بين دولة "الخلافة" وبين دولة "الأمة الديمقراطية" تغيرت معالم الحسكة، وأسماء مدنها تارة بذريعة أن الأسماء غير جميلة لا معنى لها، وتارة أخرى بحجة أن النظام البعثي عربها، فتحولت "مركدة" إلى "ميسرة" والحسكة إلى "البركة" وتل حميس إلى "الفتح"، كما تحولت "رأس العين" إلى "سريكانييه"، وتل تمر إلى "كري خورمه"، و"معبدة" إلى "كركي لكي".


 * غموض ثلاثي الأبعاد
 وضمن هذا الواقع يعيش أهالي الحسكة ريفا ومدينة تخبطا ناتجا عن تنازع الارتباطات وتباين الولاءات.


وقال الناشط مصعب الجبوري لـ"زمان الوصل" إن السكان يتعرضون لكثير من المواقف التي لا يعرفون كيف يتصرفون حيالها، فمثلا إذا أراد شخص ما تسجيل سيارة فهو أمام خيارات ثلاثة، إما أن يسجلها لدى مؤسسات النظام في مدينة الحسكة وهذه التي لازالت تلاقي القبول الأكبر، وإما أن يسجلها لدى إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ويضع لوحات صادرة عن مؤسسات دولته، وفي حال خطط للتوجه إلى ريف الحسكة الجنوبي عليه أن يضع لوحات "دولة الخلافة".


غير أن المشكلة أكبر وأكثر تعقيدا من تسجيل سيارة وتبعية إدارية لهذه الجهة أو تلك.
وحسب الجبوري فإن أهم القضايا التي يتخوف من تفاقمها السكان تتجسد بتسجيل وقائع الولادات والزواج والسجلات المدنية، والأكثر أهمية المناهج الدراسية، ففي وقت حسم حزب الاتحاد الديمقراطي موضوع المناهج وعمم المنهاج الكردي، أعلن تنظيم "الدولة" عن تراجعه عن قرار التدخل في المناهج الدراسية لهذا العام، وسمح لها بالتعليم بالمناهج السابقة مع استثناء بعض المواد.


وفي سياق آخر، أكد الجبوري أن الكثير من القرى والبلدات في ريف المحافظة باتت خالية من الشباب، بعد الهرب من التجنيد الإجباري الذي فرضه حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في وقت توقفت وظائف الموظفين في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة"، ما أدى إلى تردي الوضع المعيشي خاصة بعد استهداف التحالف الدولي لصهاريج المحروقات، والمصافي البدائية التي كانت تستوعب 60 % من اليد العاملة العاطلة عن العمل هناك.

محمد الحسين –الحسكة -زمان الوصل
(104)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي