لم يخطر ببال "عبد الرؤوف" أن يضيع شقاء 10 سنوات من الغربة في الإمارات ويذهب جهده وعرق جبينه سدى بصواريخ "غراد" أطلقها جيش النظام على البرج السكني المكون من 10 طوابق، حيث توجد شقته التي جهزها قبل الثورة بأفخم الأثاث.
ويقول المهندس المعماري الذي آثر البقاء في حمص رافضا عروضا كثيرة للعمل في مكاتب استشارية هندسية في بيروت ودمشق بل وحتى الشارقة كونه يحمل إقامة عمل سارية المفعول في الامارات: "أشكر الله أنني وأفراد عائلتي كنا خارج المنزل وقت سقوط الصواريخ".
غير أن الأسى غلّف كلمات "عبد الرؤوف" وهو يتحدث عن استشهاد 6 من سكان البرج السكني الذي يقطن فيه، والذي تحول بدوره إلى كومة من الركام.
أما "أبو أيوب" الرجل الكردي الذي يعمل منذ سبع سنوات ناطورا لأحد الأبراج السكنية في الحي، فيقول: مع أني من المؤيدين بشدة للضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف على القوات التابعة لتنظيم "الدولة" في مدينة عين العرب (كوباني)، إلا أني أؤيد بشدة أيضا ضرب مواقع جيش الأسد الذي فاق في وحشيته وإجرامه التنظيم المتطرف.
ويطالب الرجل الكردي قوات التحالف بحماية المدنيين في حمص وباقي أنحاء سوريا "فدماء أهلي في كوباني ليست بأغلى من أهلي في حمص".
ويتابع أبو أبوب الذي يحمل شهادة معهد متوسط غذائي: الأسد والتنظيم وجهان لعملة واحدة، فنحن هنا في الوعر نعيش حالة رعب حقيقية من القذائف الأسدية التي تنهمر على الحي كل لحظة، ولا أخفيكم سرا أن ابني البكر انضم منذ مدة قصيرة لكتائب الجيش الحر العاملة في الوعر، فنحن السوريين على اختلاف مكوناتنا وانتماءاتنا الدينية والقومية قضبتنا واحدة ومصيرنا مشترك وجراحنا واحدة.
وشهد حي الوعر تصعيدا منذ أول أيام عيد الأضحى الماضي، أسفر عن قتل قوات النظام لـ24 مدنيا، بينهم 7 أطفال و6 سيدات، وذلك خلال 12 يوما فقط، حسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وذكرت الشبكة أن قوات النظام تعمدت استهداف مراكز حيوية في الحي في حملة اشتدت شراستها بعد حادث تفجير مدرسة في حي "عكرمة الجديدة" الموالي لنظام الأسد.
*معنويات تتفوق على الدمار
وكتب أحد قاطني حي الوعر واسمه "إيهاب" على صفحته ملخصا بلهجته الحمصية المحببة معاناة القاطنين في الحي المحاصر منذ 8 أشهر، ومؤكدا في الوقت نفسه على عظمة هذا الشعب وصبره واستمراه بنضاله، لتحقيق مايصبو إليه: "من كام يوم أكلنا الصاروخ عنا بالبناي وطارت البواب والشبابيك والبلور.. والله اتلطف فينا وما حدي انخمش .. ضلينا اسبوعين ما خلصنا تركيب شوادر وترقيع .. وترحيل أنقاض .. بعدو بشوي إجت قذيفة دبابة طيرت كلشي عملناه.. ردينا ركبناهم.. وبعدو إجت قذيفة هاون طيرت كمان الشوادر وخلعت الشبابيك.. ردينا ظبطنا الوضع..!
اليوم إجا صاروخ جنبنا وطير الشوادر من أول وجديد.. وبدنا نرد نعملها غصبن عنك يا أسد .. لك بدك تسقط وبدنا نعيش".
وتقول أم مؤمن (معلمة ابتدائي في حي كرم الشامي الخاضع لسيطرة النظام) إن حاجز المزرعة لم يسمح لها منذ أيام قليلة سوى بإدخال 3 كيلو من الخضار فقط، أما ما كانت تحمله معها من لحوم وألبان لبيتها في الوعر فخيرها عناصر الحاجز المذكور إما بتركها مكانها ودخول الحي وإما بالعودة من حيث أتت..هذا عدا عن الكلمات البذيئة والطائفية التي يتلفظ بها هؤلاء العناصر.
ومع ذلك تتابع أم مؤمن: رغم كل المآسي والمحن، فإن قاطني حي الوعر يتمتعون بمعنويات عالية، ورغم الآلام والفجائع التي ألمّت بالكثيرين منهم والشهداء الذين قدموهم على مذبح الحرية، إلا أن ذلك لم يخفف من نظراتهم وعيونهم الأمل والتفاؤل بغد أفضل وبنصر قريب بإذن الله.
*من الدمار إلى الحصار
ويقطن حي الوعر الآن بحسب بعض التقديرات حوالي 400 ألف مواطن جلهم نازحون من أحياء حمص المحاصرة سابقا والمدمرة بشكل شبه كامل نتيجة قصفها من قبل قوات النظام بشكل متواصل على مدى عامين ونصف .. وبعض هؤلاء هجرته ميليشيات "الدفاع الوطني" من أحيائهم، مثل "باب السباع والعدوية والمريجة وكرم الزيتون والنازحين والرفاعي وجب الجندلي وعشيرة"، وغيرها وذلك كونها مناطق محاذية للأحياء الموالية لنظام بشار الأسد.
وتجدر الإشارة إلى أن حي الوعر بجزره التسع الحالية خطط ليسكنه مئتا ألف نسمة، وكان من المقرر لهذا الحي الذي هو مدينة بحد ذاتها أن تتم توسعته في الأراضي الزراعية الواقعة في شماله الغربي بعدد كبير من الجزر ليستوعب في النهاية مليون نسمة.
ومن المعروف أن الأراضي الزراعية المذكورة تعود ملكية أغلبها لعائلات حمصية معروفة جرى استملاكها منذ بدابة سبعينيات القرن الماضي وقبل الثورة بسنوات قليلة خصصت بلدية حمص التي تقودها مافيا الفساد الأسدية مبالغ مالية ضئيلة للغاية ثمنا لها، علما أن الثمن الحقيقي للدونم الواحد من هذه الأراضي يقدر بالملايين كونها تقع على تخوم مدينة حمص، وفي منطقة يقدر لها أن تشهد في المستقبل نموا وازدهارا سكانيا وعمرانيا كبيرا..!
مأمون أبو محمد -حمص -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية