من خطبة عفراء جلبي إلى "الدين العلوي السوري" لأكثم نعيسة.. إصلاح ديني أم صحوة اجتماعية؟.. عماد غليون
خطوة غير مسبوقة أقدمت عليها السيدة عفراء جلبي باعتلاء المنبر وإلقاء خطبة العيد في كندا، ما أثار موجة واسعة من ردود الأفعال المتناقضة والمتباينة من الاستحسان والمديح إلى الاستهجان والذم الشديدين. وبعد ذلك بأيام كتب الأستاذ "أكثم نعيسة" على صفحته كلاما جديدا كليا حول "الدين العلوي" حيث ذكر أن: "الدين العلوي دين سوري مستقل بذاته جمع بين جنباته أديان سورية كثيرة تعود إلى عهد سحيق في القدم منذ العهود الكنعانية – الفينيقية الأولى ويضم بين جنباته الفلسفة اليونانية وادوني وإنانا وعشتار واليهودية والمسيحية وأيضا الإسلام وجميع المزارات المقدسة للأديان السماوية هي مقدسة في الدين العلوي.
واعتبر نعيسة أن الدين العلوي هو أكثر الأديان قدما وتسامحا وانفتاحا وتنورا ولكنه استهجن محاولات إلحاق هذا الدين بالإسلام قسرا عبر إلحاقه بالقسم الشيعي منه لطمسه وإلغاء ثقافته وتدمير روحه.
وخلص للقول إن الدين العلوي منذ أكثر من أربعين عاما وهو يتعرض لحملة تشنيع هائلة ويواجه تحديا جديا يتمثل في حرفه عن فطرته الأولى ليجعل منه دينا يبيح القتل والموت.
قبل ذلك جاءت تصريحات مهمة للزعيم الدرزي وليد جنبلاط بخصوص المذهب الدرزي وخروجه عن تعاليم الدين الإسلامي وضرورة إجراء مراجعة دينية شاملة للمذهب، ولا ننسى تهجير الأيزيديين على أيدي تنظيم "داعش" والتي أثارت حالة غير مسبوقة مع التعاطف من التعاطف معهم رغم النظرة السلبية السابقة والمعادية لديانتهم.
ربما يعتبر البعض أن ما سبق يصب في خانة الإصلاح الديني المطلوب لمواجهة موجة التطرف والتشدد العاتية التي تجتاح البلاد والتي حرفت الثورة السورية عن مسارها الأصلي، بينما يراها آخرون ضمن سياق مراجعة شاملة مطلوبة من كافة مكونات المجتمع السوري بعد الهزة العنيفة.
يتباهى السوريون باستمرار بشدة التنوع والاختلاف التي تتحلى بها مكونات مجتمعهم والتي ترجع بأصولها لآلاف السنين وتضرب بعمق في تاريخ الحضارة الإنسانية، ما يجعل سوريا كلوحة فسيفساء جميلة وفريدة الألوان ونموذج فريد للتعايش والتسامح الإنساني لا يمكن تكراره في مكان آخرمن العالم.
في غمرة هذا التباهي لم يهتم السوريون بدراسة وفهم طبيعة المادة اللاصقة لمكونات تلك اللوحة الرائعة وربما ظنوا أن ذلك اللاصق أبدي ولا يمكن تفكيك اللوحة بأي حال.
ظن السوريون أنه لديهم المناعة الكافية التي تمنع تفكيك المجتمع لمكوناته الصغيرة ودخولها في حالة صراع وتناحر، كما هدد النظام بذلك عند بداية الثور ولم يتم أخذ تلك التهديدات على محمل الجد باعتبار الثقة الزائدة في الرواب التاريخية العميقة.
في النهاية بدأت تظهر على المجتمع السوري أرزاء الماضي دفعة واحدة وفجأة تحول الفيسفساء الرائع لمجموعة من القطع الصغيرة المتناثرة التي لا معنى لها والتي لا يعرف أحد كيف يعيد تجميعها أو يجد المادة اللاصقة المناسبة لها.
بدأ الانسجام الذي كان يتم الحديث عنه في المجتمع السوري سطحيا على الأغلب، ويخفي وراءه خلافات عميقة ضاربة في عمق التاريخ، وبالفعل فقد تعرض هذا الانسجام للانكسار من قبل مرات عديدة نشبت فيها صراعات دامية، ولكن كان يتم رأب الصدع كل مرة.
في جمهورية الخوف أو مملكة الصمت عمل الجميع لتلميع صورة المجتمع وتصويره بشكل مثالي في الوقت الذي كان يعاني من عدم انسجام وخلافات شديدة بين مكوناته مما ساعد في خدمة النظام الذي حاول الظهور بمظهر علماني وحامي للأقليات الدينية، فأحكم السيطرة على البلاد من خلال مصالح ربط بها كافة المكونات القومية والدينية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية وبات هو مركز التوازن لها والمسيطرعليها وتنهار بانهياره وهو ما حصل بالفعل.
كان المجتمع يعاني من انقسامات خفية أفقية وعمودية ولعل أبرزعوامل الانقسام هي:
1- عوامل اجتماعية واقتصادية حيث يعاني المجتمع من انقسام بين ريف ومدينة من جانب وفقراء وأغنياء من جانب آخر، وخاصة قبل الثورة حيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل كبير.
2- اختلاف العادات والتقاليد وخاصة في موضوع الطعام والعلاقات الجنسية حسب الطوائف والمناطق.
3- انقسامات دينية ومذهبية خاصة بين المكون الأساسي السني من جهة وبين المذاهب الأخرى من علويين ودروز واسماعيلية، ومن جهة أخرى انقسام بين إسلام ومسيحية.
4- -انقسامات على أساس قومي وخاصة بين المكون العربي الأساسي الذي يشكل الأغلبية ويدعمه دعاة القومية العربية وأنصار حزب البعث وبين الأكراد مع وجود مكونات قومية أخرى تركمان وشركس وآشوريين وأرمن لم تحدث صدامات معها كما حصل مع الأكراد.
سببت هذه الانقسامات بتكون مشاعر الشك والريبة المتبادلة بين الأطرا تجاه بعضها البعض والكراهية والعداء والحقد فيما بعد.
ربما يحسب البعض للنظام عدم الخوض العلني في هذه الانقسامات ومنع أي محاولة لإثارة ذلك وإخضاع ذلك لسيطرة المنظمة الأمنية المخابراتية الرهيبة، بحيث كانت البلاد تبدو واحة للأمن والاستقرار في العالم لا بل وتتصدر سلم دول العالم في مؤشر التنافسية بمعدلات الإنفاق المنخفضة على محاربة الإرهاب وتبدو وكأنها بلد علماني في محيط متزمت.
انفجرت عوامل الاختلاف والنزاع الكامنة بين السوريين بعد الثورة؛ ولم تستط قوى المعارضة إنتاج عقد اجتماعي جديد للبلاد يحد منها ويأخذ بالاعتبار كل مكونات وحساسيات الشعب السوري ومتطلباته في العدالة والمساواة.
نحتاج لمصارحة حقيقية ووقفة جريئة بين كافة مكونات الشعب السوري وبداية ذلك تكون عبر تحديد هوية المكونات القومية والدينية والاجتماعية والاعتراف بها وبمطالبها وهذه أولى مهام المؤتمر الوطني الجامع حال انعقاده لإنتاج عقد اجتماعي توافق عليه كل المكونات بالإجماع.
ما كتبه الاستاذ أكثم نعيسة هام بلا شك في هذا المجال وهذا التوقيت، ولكنه يجر للتساؤل كيف حكم آل الأسد سوريا باعتبارهم مسلمين حسب نص الدستور الذي يشترط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام، ولماذا كان يصرون على إعلان إسلامهم وممارسة تعاليم وشعائرالإسلام وهم ليسوا بمسلمين، بل ينتمون للدين العلوي السوري كما ذكر نعيسة؟ وهل يمكن الاستنتاج من ذلك حقيقة أن النظام كان يمارس الكذب والادعاء ويستغل الدين لمصالحه وليحكم البلاد؟ وأنه كان يتلاعب بالدين العلوي والطائفة العلوية ويعمل لتحويله باتجاه التشيع من أجل ضمان الدعم الإيراني الشيعي حتى النهاية.
رغم عراقة التاريخ اتضح أن السوريين لا يعرفون بعضهم جيدا، ومن خلال ما كتبه أكثم نعيسة ظهر أنهم مثلا لا يعرفون حقيقة الدين العلوي الذي بقي غامضا على الدوام ومحصورا ضمن نخبة محدودة في اوساط العلويين أنفسهم.
السوريون بحاجة لصدمات كثيرة كما يبدو ليصحوا من أوهام التاريخ والعيش المشترك المبنية على عدم فهم ومعرفة وتشاركية فهل يكون لديهم الشجاعة الكافية لتجريب هذه الصدمات واستيعابها؟.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية