أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من فقمة "بريجيت باردو" إلى بجعة أوباما السوداء..الإسلام السياسي بين فكي "داعش".. عماد غليون

عندما أعلن الرئيس أوباما أخيرا تشكيل التحالف الدولي لمحاربة إرهاب داعش قفزت لذاكرتي على الفور الصور المثيرة للممثلة العالمية المشهورة بريجيت باردو وهي تملأ الصفحات الرئيسية لكبريات الصحف والمجلات طيلة سنوات خلال حملاتها المعروفة لحماية فقمات البحر ذاك الحيوان المجهول بالنسبة للكثيرين.

استغرق أوباما أكثر من ثلاث سنوات ونصف ليختار سببا وجيها يدفعه للتدخل ووقف المجزرة ضد الشعب السوري وفي نهاية المطاف كانت "داعش" هي البجعة السوداء التي رأى أنها السبب الأجدر للتدخل الأمريكي المباشر رغم توفر الكثير من المبررات الأقوى من قبل وعلى رأسها السلاح الكيماوي.

منذ البداية طالب الثوار بالتدخل الأجنبي، وقاموا بتسمية إحدى الجمع بجمعة التدخل الأجنبي لحمايتهم من جرائم النظام، إلا أنه لم يخطر ببالهم أن يتم ذلك في النهاية دون التعرض لقوات النظام والميليشيات المتحالفة معه والاقتصار على ضرب تنظيم "داعش" والكتائب الإسلامية القريبة من القاعدة، وباتت المخاوف واسعة في صفوف الثوار من أن تتحول هذه الضربات الجوية لصالح النظام وتثبيت سلطته في النهاية وليس إسقاطه وهذا ما يفسر أسباب الاعتراض الواسع عليها.

منذ أحداث أيلول 2001 تحول تنظيم القاعدة للعدو رقم واحد للولايات المتحدة والغرب، وتم تشديد الخناق على حركات الإسلام الجهادي بالتوازي مع فتح أقنية للحوار مع حركات الإسلام السياسي التي توصف بالاعتدال كالإخوان المسلمين والتعاون مع الحركات الإسلامية الأخرى الاجتماعية والثقافية والصوفية والفكرية في إطار حوار الأديان. ووصلت بعض مراكز الأبحاث الأمريكية الهامة كمركز دراسات الشرق الأدنى لقناعة بأنه يجب إشراك الإسلاميين في العملية السياسية طالما هم يقبلون بنتائج صنوق الانتخاب ضمن عملية ديمقراطية.

استفادت حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمون من ثورات الربيع العربي واستطاعت تصدر المشهد السياسي بقوة، وخاصة في مصر كونها حركات منظمة من قبل؛ ولكن قادة الإخوان المسلمين انتقلوا من قيادة مصر إلى السجون والملاحقة، وباتت الجماعة مصنفة كحركة إرهابية في مصر ودول الخليج إثر الانقلاب الذي قاده العسكر ضدهم بقيادة السيسي في مؤشر واضح على بداية انحسار الربيع العربي.

لم تنجح عملية التعايش بين حركات الإسلام السياسي ومجتمعاتها؛ وظهر أن الغرب لم يكن جادا فعلا في القبول بالتعامل الإيجابي بعد دخولها في العملية الديمقراطية وفوزها في صناديق الانتخاب. ظهر الأمر وكأنه مجرد بالون اختبار وعندما ظهرت نتائج غير سارة للغرب تم التوقف والفرملة عند هذا الحد والتخلي عن المشروع برمته. ولا يمكن نسيان التجربة الجزائرية المبكرة التي تم فيها إجهاض العملية الديمقراطية بالقوة بعد فوز الإسلاميين الكاسح ونفس الشيء حصل عندما لم يتم الاعتراف بنتائج العملية الانتخابية التي أدت إلى فوز حركة "حماس" في مناطق السلطة الفلسطينية.

المأزق الكبير الذي وقع فيه الغرب هو تشدقه الدائم بالديمقراطية وفي نفس الوقت عدم قبوله بنتائجها فيما لو أفرزت فوز الإسلاميين، ويبدو أنهم فكروا بحل هذه المعادلة المستحيلة، بمحاربة الإسلاميين وتهميشهم وإقصائهم عن المشهد السياسي عبر دفعهم لارتكاب ممارسات تجعل شعوبهم وحاضنتهم الشعبية تتحول ضدهم، ويبدو أن "داعش" تقوم بهذا الدور بشكل جيد خاصة مع إعلان التحالف الحرب على الخلافة والدولة الإسلامية مع ما يحمله هذا الاسم من دلالة ومعنى في أوساط المسلمين.

يشعر الإسلاميون أن الحرب على "داعش" ليست سوى خطوة في سياق محاربة الإسلام السياسي ككل، وبالفعل بدأت قائمة المنظمات الموضوعة على لائحة الإرهاب تتوسع مما يجعل من احتمال ضم حركات كانت توصف سابقا بالمعتدلة قائما بشدة، ومن المؤكد إثر ذلك عودتها لممارسة العمل السري من جديد والاتجاه نحو مزيد من التطرف والتشدد.

كان أمرا مستغربا وغير مفهوم عندما تم الإعلان عن التكلفة الباهظة للحرب على "داعش" والإعلان عن استمرارها لعدة سنوات؛ ويعتقد البعض أنه تم المبالغة في تقدير قوة "داعش" بشكل مقصود والسعي لعدم القضاء عليها بسرعة من أجل تحقيق الأهداف الحقيقية للتحالف وهي القضاء على التنظيمات الجهادية وترويض حركات الإسلام السياسي وإبعادها عن استلام دفة الحكم عبر إعادة تأهيلها وتحجيمها وإضعاف قاعدتها الشعبية ومصادر تمويلها ونفوذها وتفكيك شبكاتها الدولية.

وبالطبع فإن تحقيق الأهداف السابقة يحتاج لسنوات كما انه يحتاج لأموال باهظة لن تنفق بكاملها على قتال "داعش" لوحدها كما يظن البعض.

يبدو أن الغرب توقف عن محاولاته إدماج حركات الإسلام السياسي في مجتمعاتها والتعامل معها بعد أن شاهد قوتها ونفوذها وسيطرتها على الحكم في بلدان الربيع العربي ويسعى لتغيير استراتيجيته في التعامل معها بعد أن وجد أن الديمقراطية قد تشكل خطرا على مصالحه في المنطقة. وسيعود كما هو متوقع للتعامل من جديد مع حكومات وأنظمة ديكتاتورية تقمع شعوبها لتحقيق غاياته.

حركات الإسلام السياسي الآن أمام تحدٍّ وجودي في مقابل حرب طاحنة ضدها وهي واقعة بين فكي "داعش" والتحالف الدولي، وعليها أن تقوم على وجه السرعة بمراجعة برامجها السياسية وتعديلها بما يلائم المرحلة، والابتعاد عن الشمولية وإعلان القبول صراحة وبدون مواربة بدولة مدنية تعددية.

إنها ليست حربا على "داعش" فحسب، بل على حركات الإسلام السياسي ككل وخاصة الجهادية المرتبطة بالقاعدة وسينتج عنها إعادة رسم ملامح وخارطة المنطقة من جديد؛ والآن اتضح أن أوباما لم يكن خائفا أو مترددا من القيام بأي عمل عسكري، ولكنه كان ينتظر ظهور بجعته السوداء ليراهن عليها، وعندما ظهرت "داعش" لم يتردد في اعتبارها تلك البجعة السوداء.

حرب طويلة طاحنة ستجلب المزيد من القتل والتدمير والتهجير والألم للسوريين وعلى المعارضة السياسية أن تكون جزءا فاعلا في اللعبة للتخفيف من الأضرار وتحقيق أفضل المصالح فهل تفعل وهل تقدر؟

من كتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي