أمران أعلن الغرب بوضوح أنهما سيكونان السبب في تدخله المباشر في الملف السوري وهما الأسلحة الكيماوية وتنظيم القاعدة، بعد أن تم نزع الأسلحة الكيماوية للنظام لم يبقَ سوى إغلاق ملف تنظيمات القاعدة في البلاد أمام تحقيق المكاسب لأمريكا والغرب؛ ولأننا لا نقرأ لم ندرك أن أمريكا لم تعلن يوما ما أنها ستتدخل لحماية الشعب السوري وتحقيق مصالحه واستمرت المعارضة تبيع الأوهام للناس وتخدع نفسها بالمقام الأول.
لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن سير الأحداث وتوجيهها حول العالم وهي تفعل ذلك منذ أكثر من سبعة عقود في سعي مستمر لتكريس قيادتها للعالم وفرض القيم الأمريكية عليه، وخلال ذلك تدخلت القوات الأمريكية في أماكن عديدة كفيتنام وأفغانستان والعراق.
لا يمكن لرئيس أمريكي أن يتجاوز أمام شعبه حالة الاستثناء الأمريكي في العالم التي بدأت مبكرا مع الحلم الأمريكي ومن أجل ذلك دفع الأمريكيون ثمنا باهظا بات يؤثر سلبا على معيشة الأمريكيين ورفاهيتهم.
دفعت أمريكا ثمنا باهظا جراء تدخل قواتها العسكرية بشكل مباشر في أفغانستان ومن ثم العراق وقد وصل أوباما لسدة الرئاسة عبر برنامج انتخابي يفضي بسحب القوات الأمريكية من الخارج وإغلاق معتقل غوانتانامو والتوقف عن إرسال الجنود الأمريكيين للخارج.
ولأن أوباما لا يمكنه في النهاية أن يفرض سياسة الانعزالية والتخلي عن الاستثنائية الأمريكية، وقيادة العالم فقد خرج باستراتيجية جديدة للحفاظ على مبادئه وضمان المصالح الأمريكية بنفس الوقت ألا وهي خوض الحروب الأمريكية بالوكالة عبر وكلاء محليين من أطراف الصراعات الدائرة.
نجح أوباما في إبعاد الخطر والتهديد الإيراني لإسرائيل والتداعيات المحتملة إقليميا ودوليا التي ستنتج عن توجيه ضربة إسرائيلية لإيران؛ ولكن الصفقة الحقيقية التي تم إبرامها مع إيران لم تظهر بعد.
منذ انطلاق الثورة السورية، أبدت الإدارة الأمريكية دعمها القوي والواضح واستمرت وعلى أعلى المستويات بإطلاق التصريحات والبيانات التي تؤكد فقدان النظام لشرعيته وضرورة استبداله بنظام ديمقراطي يلبي تطلعات الشعب السوري؛ وترافق ذلك مع إطلاق وعود مستمرة بتقديم الدعم اللازم للمعارضة السياسية والمسلحة.
التأخر في تقديم دعم قوي للمعارضة السياسية كان يتم تبريره بأن صفوف المعارضة غير موحدة وربط ذلك بوجود جسم سياسي واسع يضم كافة أطيافها وهذا ما حدث فعلا بتأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ليتلاءم مع المطالب الغربية؛ ولكن سرعان ما تبين أن الغرب يريد من الائتلاف الدخول في عملية سياسية تفاوضية مع النظام لإيجاد حل سياسي بعد أن تم التخلي بشكل نهائي عن فكرة إسقاط النظام بالقوة.
بسبب فشل العملية السياسية في جنيف2 ضعف موقف الائتلاف ودوره كثيرا، وترافق ذلك مع ضعف قوات الأركان المرتبطة به بسبب الخلافات في صفوفها وتقلص الدعم المقدم لها لأبعد الحدود، ما سمح بتمدد وانتشار التنظيمات المتشددة وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن دولة الخلافة وبات يفرض سلطته على قسم واسع من الأراضي في شمال سوريا والعراق.
الدعم الأمريكي للثورة السورية بات وبالا عليها في النتيجة، وخاصة بعد إفلات نقاط التأثير والقوة من المعارضة وإمساك الإدارة الأمريكية بزمام الأمور والملف بشكل كامل مما جعل المعارضة تصبح مجرد أداة غير فاعلة تنتظر الدعم الذي لا يأتي ولا تتصرف سوى بما يرضي الداعمين والرعاة لها.
وضع الرئيس أوباما العديد من الخطوط الحمر أمام النظام السوري محذرا إياه من تجاوزها، وإلا سيقوم بتوجيه ضربات مباشرة لإسقاطه؛ ولكن النظام كان يرفع كل مرة من حدة استخدامه لأصناف أشد من الأسلحة وارتكاب المزيد من المجازر دون أي إجراءات أمريكية ضده مما شجعه في النهاية لاستخدام الأسلحة الكيماوية بشكل فاضح ووصلت الأمور لحافة الهاوية قبل أن يقوم النظام كعادته بمبادرة لتسليم أسلحته الكيماوية في الربع ساعة الأخيرة ويتجنب ضربة وشيكة كانت ربما تبدو محتملة الوقوع في نظر البعض.
نزع أسلحة النظام الكيماوية كان هدفا معلنا بحد ذاته للإدارة الأمريكية لضمان أمن اسرائيل بشكل رئيسي؛ فهل كان ضحايا مجازر النظام الكيماوية مجرد أرقام لتحقيق أهداف ومكاسب أمريكية بدون أي تكاليف او عمليات عسكرية، وبذلك تكون أمريكا قد خاضت حربها الأولى عمليا بالوكلة وكسبتها بنجاح بعد ان نجحت في ملف إيران النووي.
بعد انتهاء أزمة السلاح الكيماوي لم تلتزم الإدارة الأمريكية مرة جديدة بوعودها حيال تقديم دعم بأسلحة نوعية؛ وباتت تتحدث عن ضرورة وجود قوات معتدلة للمعارضة لتقوم بدعمها، ولم تتضح مرامي وأهداف ذلك إلا في نهاية المطاف عندما أعلنت عن السعي لتشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب المتمثل بداعش وحاجتها لقوات المعارضة لخوض المعركة البرية ضد داعش فيما تقوم القوات الأمريكية بتوجيه ضربات جوية فقط.
إنها حرب بالوكالة إذن يريد أوباما تحقيق الانتصار فيها بدون خوض المعركة وبالعكس فهو يسعى لتحقيق فوائد اقتصادية واسعة تكسر حالة الركود والجمود الواسعة في الاقتصاد الأمريكي عبر الطلب من دول الخليج الالتزام بدفع فاتورة باهظة كالعادة.
سارع الائتلاف الوطني لإعلان انخراطه في التحالف الدولي ضد الإرهاب ربما بسبب مخاوفه من استبعاده أو استغلال النظام لفرصة عدم انضمامه ولكنه لم يحصل على أي شروط أو توضيحات أو ضمانات حول مجرى واتجاه الحرب ونتائجها.
يبدو الجميع ما عدا الشعب السوري سعداء، ولهم مصالح بظهور تنظيم داعش وممارساته بالعنف والتطهير العرقي والديني؛ فالنظام يريد تأكيد موقفه الدائم حول الإرهاب في صفوف المعارضة؛ وإيران تستفيد من خلال استنزاف دول الخليج من جديد اقتصاديا واحتمال انتقال العنف إليها؛ أما الغرب فقد استطاع اكتشاف خلايا القاعدة النائمة في بلاده وهو أمر بالغ الأهمية والحساسية لديها.
استراتيجية أوباما لمحاربة إرهاب داعش لا تتطرق للميلشيات الشيعية وخاصة حزب الله؛ كما أنها لا تتحدث عن الثورة السورية ولا عن أي ضرورة لقرار أممي لشرعنة العمل العسكري المتوقع ضد داعش، مما يلغي كافة الذرائع الأمريكية السابقة بعدم التدخل بحجة الفيتو الروسي الصيني في مجلس الامن ويبدو أنه لا يتم استعجال العمل وتحقيق نتائج حاسمة قبل عدة سنوات.
ليس واضحا كيف ستقوم قوات المعارضة بالتعامل مع خطة محاربة الإرهاب وكيف يمكن أن توظف إمكانياتها المحدودة لمحاربة النظام وداعش في نفس الوقت، وما الفائدة التي ستجنيها من محاربة داعش قبل النظام من دون الحصول على ضمانات كافية بإسقاط النظام في نهاية المطاف.
الحروب بالوكالة جربتها شعوب كثيرة ولم تجلب لها سوى الويلات والكوارث دون تحقيق السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي، ولكن يبدو أن البعض يفضل أن يكون وكيلا على أن يكون وطنيا وأصيلا ولكل خياراته في النهاية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية