مع تواتر الأنباء عن اعتقال النظام للواء "علاء الدين رجب"، تمهيدا لمحاكمته بتهمة الخيانة، عادت إلى الأضواء مجددا قصيدة نظمها ضابط آخر كان مع "رجب"، يشكو فيها حاله وحال زملائه المأساوي في الفرقة 17 بالرقة.
ورغم أن القصيدة تعود إلى أوائل العام الجاري، فإن أصداء ما نظمه العقيد "أمين محمد سرحيل" عادت لتتردد بقوة مع اعتقال "رجب"، في مؤشر على نجاح النظام بحرف الأنظار عن المتسبب الرئيس بما حدث للفرقة 17 وجنودها، بعدما تجاوزت انتقادات المؤيدين كل خطوطهم الحمراء ووصلت إلى بشار الأسد نفسه.
قصيدة ووثيقة
وبمتابعتها الحثيثة للملف، علمت "زمان الوصل" بوجود خصومة كبيرة بين "سرحيل" و"رجب" أدت إلى تصادمهما في مرات عدة، حتى إن "سرحيل" عرّض في قصيدته "مرارة الحصار" بـ"رجب" بوصفه ضمن من يسرقون ما يلقيه طيران النظام من مؤن على جنود الفرقة الذين حوصروا مدة سنة ونصف تقريبا، منذ شباط/ فبراير 2013، وحتى تموز/يوليو 2014.
والالفت أن اتهامات "سرحيل" لـلواء "رجب" تتعارض –ولو ظاهريا- مع وثيقة رسمية موقعة باسم "رجب" نفسه، وبتاريخ 16/ 5/ 2013، يكشف فيها عن سرقة محتويات الطرود والمظلات التي يلقيها الطيران على الفرقة، ويصف من يقومون بذلك بأنهم عديمو التربية والأخلاق والدين.
ويحدد "رجب" في برقيته آلية لاستلام تلك المظلات بعد إلقائها، متمنيا في الختام أن لايضطر لمعاقبة "أي قليل ضمير ووجدان"، في إشارة إلى من يقومون بسرقة محتويات المظلات.
لكن وقوع "رجب" على ما يبدو ككبش فداء، جعل قصيدة "سرحيل" تأخذ صدى أكبر من الوثيقة، وهي القصيدة التي سماها "مرارة الحصار"، وقال فيها:
تبكي الكلاب علينا في نباحتها ويسخر البوم والشاهين والوشلُ
أقاسم الفأر والجرذان أطعمتي ولا أهاب من العزال ما عزلوا
فلست أعرف طعم اللحم من أزل ولا الخيار ولا ثوم ولا بصلُ
معلبات تعاف العين رؤيتها لكنها في حنايا جوفنا عسلُ
ويغمز "سرحيل" من قناة سارقي قوت الجنود، قائلا:
وفي الطرود حكايات مؤلفة وأمنيات على الأعناق تنسدلُ
إذا استقرت وحطت أرض فرقتنا سيسرقوها فلا ذوق ولا خجلُ
وإن تناثر بعض عند مرتزق تشاهدوها على التلفاز تنتقلُ
ويشرح "سرحيل" في قصيدته مماطلة وتسويف النظام في فك الحصار عن الفرقة:
فإن سألنا، متى تأتي مؤازرةٌ تلاطم السين والتسويفُ والجملُ
سيحضرون.. سيأتوا.. سوف أنظرهم عامٌ تناهى وأيم الله ما وصلوا
ويتابع "سرحيل":
ضاقت بنا الأرض وانسدت مسالكها وضج حزنا على أحوالنا زحلُ
كم من شهيد فقدنا في معاركنا يا ويحي قلبي عليهم كلهم رحلوا
كم من مريض يئن الآه معتصرا ما صدقوه وقالوا انه دجلُ
كم من جريح بأطراف مقطعة هذا طريح وهذا نصفه شللُ.
"حلاوة الوغى"
وإذا كانت قصيدة "مرارة الحصار" هي الأوسع تداولا، لاسيما أن "سرحيل" سجلها بصوته وبثها على الإنترنت خارقا أعراف جيش النظام، ومتجاوزا قائده المباشر "رجب"، فإن هناك قصيدة أخرى للعقيد "سرحيل"، أقل انتشارا، لكنها أكثر تظهيرا لحجم العداوة بين "رجب" و"سرحيل"، الذي هجا قائده المباشر بألفاظ مقذعة، رماه فيها بأخلاقه وعرضه.
قصيدة "سرحيل" التي سماها "حلاوة الوغى في الرد على من بغى"، ولدى "زمان الوصل" نسخة كاملة منها، جاءت كما يقول صاحبها ردا على قصيدة نشرها "رجب" وكتبها له "شاعر مستعار"، يهجو فيه "سرحيل".
وتوضح مثل هذه المناكفات الشعرية أن جيش النظام لم يخل يوما من خلافات ومنازعات، كان يضبط إيقاعها لتبقيه مسيطرا على جميع ضباطه، ومستفيدا من فرصة رفع التقارير والتقارير المضادة.
يقول "سرحيل" في قصيدته التي هجا فيها "رجب":
أتاني أن زنديقا هجاني بأقوال تسر الفاسقينا
ونعتني بأوصاف تنافت مع الأخلاق عند الصادقينا
وأنشد قوله من غير اسم يدل عليه بين الفاسدينا
ولكني سأهجوه جهارا وأنعته نعوت العارفينا
عساها نخوة الأعراب تسري فنعرف من يكون الكلب فينا
ويمضي "سرحيل" في هجائه المقذع، متعرضا لذوي "رجب" من النساء (تعتذر زمان الوصل عن نشر هذه الأبيات)، ليصل إلى القول:
وضرك أنني قاتلت جوعي لأنك أصل جوع الجائعينا
سرقت طعامنا، ونفشت كرشا وتجلس ساخرا تحنو علينا
وعاد "سرحيل" مجددا إلى قذف "رجب" في عرضه، مبررا ذلك بالقول:
فأنت البادئ الجاني علينا ولولا سوء لفظك ما جنينا
ولايزال مصير العقيد "أمين محمد سرحيل" مجهولا، حيث ترددت أنباء عن قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" بأسره، وهو ما لم يمكن نفيه أو إثباته، لاسيما أن "سرحيل" كان خصما عنيدا لـلواء "رجب" الذي تولى لاحقا منصب نائب قائد القوات الخاصة، وهو منصب يخول صاحبه نفوذا واسعا، يمكنّه إن أراد من تصفية خصمه جسديا، أوعلى الأقل معنويا عبر تحجيمه.
مناورة
وكانت "زمان الوصل" من أول من نشر تقريرا عن اعتقال النظام للواء "رجب"، قائد أركان الفرقة 17 سابقا، ونائب القوات الخاصة في عموم سوريا حاليا، وذلك بتهمة الخيانة، وإرسال برقيات "كاذبة" حول قوة وصمود الفرقة، قبل أن تسقط سقوطا مدويا بيد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتضمن التقرير فيما تضمنه، عرض وثيقة موقعة من "رجب" نفسه قبل يومين من سقوط الفرقة 17، يطلب فيها من ضباطه اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، ويوزع عليهم المهام القتالية بالأسماء، كل حسب قطاعه، ما يعزز الشكوك في أن اعتقال "رجب" لم يكن سوى مناورة قام بها النظام لإلقاء حمل المسؤولية على كاهل الآخرين، وتنفيس احتقان المؤيدين من ذوي الجنود القتلى، وتحويله نحو "رجب" بدل بشار الأسد، بوصفه القائد العام للجيش والقوات المسلحة، والممسك بزمام جميع القرارات.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية