رصد ناشطون جنوب دمشق حركة انشقاقات عكسية في صفوف الجيش الحر ازدادت وتيرتها كثيرا في الآونة الأخيرة على حد قولهم؛ وبات هذا الأمر يقلق كثيرا من ثوار جنوب دمشق.
ويكشف ضابط في استخبارات الجيش الحر بجنوب دمشق والملقب بـ"المقدم الغظنفر" أن لدى النظام أجهزة وخلايا نشطة تعمل على الاتفاق مع "أصحاب النفوس الضعيفة" في الحر لتتم بعدها عملية تسليمهم لجيش النظام، وذلك بموافقتهم الشخصية.
ويضيف بأن النظام يشترط في عملية "الانشقاق" تسليم بندقية مع كل شخص أو شخصين يرغبان بالعودة إلى كنفه مقابل فك رقبته.
ويقول المقدم "الغظنفر" بأنه تم رصد مئات المقاتلين والمدنيين الذين سلموا أنفسهم للنظام عبر خطوط الجبهة في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن بين هؤلاء الذين قاموا "بتسوية أوضاعهم" من لا يزال إلى الآن مجهول المصير ومنهم من أخلي سبيله على الفور ليعود إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي.
*أسباب الانشقاق المعاكس
يعيد قائد كتائب "أكناف بيت المقدس" ذات التوجه الإسلامي "أبو أحمد المشير" انتشار هذه الظاهرة مؤخرا إلى بعد عقائدي؛ إذ يرى "المشير" أن كثيرا ممن التحق بركب الثوره ﻻيملك مشروعا واضحا على حد وصفه، وكان خروجه بهدف مؤقت وبعد طول أمد الثورة وجد نفسه كالسفينة بلا شراع تتقاذفه الأمواج، حيث من السهولة بمكان بالنسبة له التراجع إن لم يكن مؤمنا بأحقية المبادئ التي خرج لأجلها؛ ويضيف "المشير" بأن الحصار الذي عاناه جنوب دمشق كان بمثابة اختبار للمؤمنين الصادقين على حد تعبيره.
فيما يلقي أبو محمود الشمساوي القائد في الجيش الحر جنوب دمشق اللوم على الائتلاف الوطني وهيئة الأركان، وذلك لتقصيرهم الكبير في دعم الثوار ودعم صمودهم كوننا نعيش في منطقة محاصرة أنهكها الجوع والحصار القاسي الذي فرضه النظام، والذي استمر لأكثر من سنة ونصف وما كان من هؤلاء الجوعى إلا الاندفاع نحو مزيد من اليأس والمغامرة بحياتهم للعبور من أرض الجوع والحصار إلى مكان يجدون فيه ما يقتاتونه حتى لو كانت المغامرة خطيرة على حد قوله.
ويضيف الشمساوي:"الجيوش تزحف على بطونها فماذا ترجون من جيش جائع تخلى عنه القريب والبعيد".
ورغم ذلك لا يرى الشمساوي، الذي يسيطر عناصره على قطاعات واسعة في حي التضامن الدمشقي، في الانشقاق سوءا، معتبرا أن "الانشقاقات العكسية بمثابة غربلة للمقاتلين الصادقين الذين عليهم الاعتماد الأساسي في أي عمل عسكري، ومئة مقاتل صادق ومثابر خير من ألف متخاذل من ذوي النفوس الضعيفة، وهذه ظاهرة صحية ليميز الله الخبيث من الطيب".
من جانبه لا يختلف الناشط الإعلامي "عبيدة العبدالله" كثيرا مع وجهة نظر الشمساوي إلا أنه يضيف إلى ذلك سببا آخر وهو العامل النفسي، فقلة الانتصارات التي حققها الجيش الحر في جنوب العاصمة مقابل فقدانه لمناطق واسعة في الريف الجنوبي للعاصمة مؤخرا، أدى إلى تراجع معنويات المقاتلين وإحساسهم بأن لا جدوى ولا فائدة يحققها بوجوده جنوب العاصمة، وبالمقابل عمل النظام على استراتيجية "الحضن الدافئ" كما يرغب بتسميتها الناشط "العبدالله" من حيث استقبال النظام لأي مقاتل يرغب بالانشقاق عن الجيش الحر استقبالا "حسنا".
* الغاية تبرر الوسيلة
"عمر عجوة" شاب عشريني قاتل كثيرا في صفوف الحر، واحد ممن سلموا أنفسهم مؤخرا إلى قوات النظام من خلال معبر مخيم اليرموك ببندقيته؛ وبعد احتجازه لمدة يومين في "فرع فلسطين" تم إخلاء سبيله ليتصل برفاق السلاح القدامى قائلا لهم:
"تعالوا وسلموا أنفسكم للنظام ..أخرجوا من جحيم عيشكم ..تعالوا وشاهدوا سكان دمشق كيف يعيشون حياتهم الطبيعية ولا أحد يكترث لمعاناتكم".
ويقول الناشط والخبير النفسي "خالد حداد" بأن النظام استفاد من أخطائه السابقة وأخذ يسعى لاسترداد شيء من شعبيته المفقودة، واعتمد سياسة "ماكيافيلية" على حد وصف "حداد" مع جنوب دمشق بداية بالحصار والتجويع إلى أن وصلت الحالة الإنسانية مبلغا خطيرا لا يمكن تحمله حيث وصلت إلى حافة الهاوية، بعدها وافق النظام على فتح ممر إنساني لإدخال الطعام مقابل توقيع هدن ومصالحات مع بعض مناطق الجنوب الدمشقي، حيث اعتمد النظام مبدأ "الجوع أو الركوع" من خلال تطويع النفس البشرية وترويضها لتحقيق ما يريد بشكل تدريجي؛ الأمر الذي دفع المقاتلين إلى حالة الانهيار المعنوي والإحساس بالعجز عن كسر الحصار الذي كان مفروضا لولا موافقة النظام على هذا؛ إضافة إلى تسامح النظام مع من يقوم "بتسوية وضعه" من الثوار وهذه ضربة معنوية كبيرة للثوار برأي الناشط "حداد"، حيث إن النظام استثمر هذه الظاهرة إعلاميا بشكل كبير بين مؤيديه إضافة إلى سعي النظام الحثيث لإفراغ المنطقة من الثوار والسلاح.
دمشق -زمان الوصل -أبو عبد الله الحوراني
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية