أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قصة عائلة السلامات في مدينة الحراك من الملجأ إلى الجنة!

رحلة قصيرة لم تتجاوز الدقائق القليلة تلك التي اجتازتها الطفلات الثلاث (أسماء وهند وماريا السلامات) من الملجأ إلى الجنة إثر سقوط صاروخ أنهى حياتهن وأدى إلى بتر يد شقيقتهن الكبرى وقدم أمهن في ذات اللحظة صبيحة يوم 8 آب من عام 2012.

عاشت عائلة "غسان السلامات" ظروف رعب حقيقي في أحد ملاجىء الحراك طوال أربعة شهور من الحصار، وكانت المدينة تهتز على وقع أصوات القذائف والصواريخ التي يرميها الفوج 175 القريب منها، وبتاريخ 18/ 8/ 2012 توقف القصف حوالي الساعة، فخرجت العائلة لجلب دواء لهم من صيدلية قريبة، نظراً لإصابتهم بالزكام والاحتقان من جرّاء الرطوبة الشديدة داخل الملجأ، وفي طريق عودتهم إلى الملجأ سقط صاروخ، فاستشهدت بناته الثلاث "ماريا" و"أسماء" و"هند" على الفور، وبترت يد ابنته الكبرى "رقية"، وكذلك قدم زوجته كما استشهدت في ذات المجزرة شقيقة زوجته التي لم يمض على إنجابها سوى أربعين يوماً.

كان والد الشهيدات يعمل في لبنان حيث لم يمض على سفره إلى هناك أسبوع حينما جاءه خبر استشهاد أفراد عائلته -كما يقول – لـ "زمان الوصل" ويضيف: حينما رأيت جثث بناتي على شاشة التلفاز جئت على الفور من لبنان، ولأن الحراك كانت محاصرة لذلك لم أستطع الدخول إليها، وبقيت انتظر ما تبقى من عائلتي خمسة أيام في منطقة الصورة، وهناك تمكنت من تهريبهم إلى الأردن هرباً من الموت. 

بالذبح أو بالرصاص !
ويروي غسان السلامات أن ابنته رقية التي لم تتجاوز 13 من عمرها كانت تخرج في المظاهرات السلمية وتم تصويرها على القنوات الفضائية وهي تدعو على بشار وأبيه، فأصبحت هذه الطفلة هدفاً لقوات النظام التي اقتحمت الحراك بحثاً عنها بعد عشرين يوماً من المجزرة -يوم وقفة العيد- ولكنها كانت في الأردن.

ويردف السلامات: دخل شبيحة النظام إلى منزل أهلي وأخذوا شقيقيّ من حضن أمهما، وعندما قالت لهم إلى أين تذهبون بهما قالوا لها إلى الجنة (بدك إياهم ذبح أو بالرصاص)، وحينما ذهبت والدتي بعد انتهاء الاقتحام لترى ابنيها رأت 13 شاباً شهداء تم وضع جثثهم مكدسة في غرفة ضيقة، وآثار التعذيب بادية على أجسادهم ومن بينهم أخوتي، ولحقوا أخي الثالث وكانوا يريدون الإمساك به لقتله ولكن بيته كان بعيداً عن بيتنا نسبياً فنجى منهم.

بحر من الدماء!
أصبحت رقية اليوم في السادسة عشر من عمرها ورغم أن أحداث المجزرة وتفاصيلها المروّعة حفرت أثلاماً عميقة في ذاكرتها وحياتها اليومية، وخلّفت لها يداً مبتورة، إلا أنها تحاول التغلب على الألم بالأمل وعلى اليأس بالتفاؤل وكتابة الأشعار والأغاني التي تجسد معاناة السوريين، وتستعيد رقية مشاهد مروّعة من تلك المجزرة كما عايشتها قائلة: 
كنت أعيش مع والدتي وشقيقاتي الشهيدات في قبو رطب تنبعث منه روائح العفونة باستمرار فأصبنا جميعاً بأمراض صدرية ويوم 18/ 8/ 2012 هدأ القصف على الحراك، فخرجنا مع والدتنا وخالتي إلى الصيدلية لإحضار دواء، ولكننا وجدناها مغلقة وعندما عدنا إلى القبو وقبل أن نصل بأمتار قليلة سقطت قذيفة هاون بالقرب من مدخله، ومن شدة الضغط الذي خلفته انقذفت داخل الملجأ، وحينما أفقت من الصدمة صرت أنظر حولي، فوجدت أن الدماء من تحتي كأنها بحر، وشعرت أن ذاكرتي فرغت تماماً، وصرت أصرخ بجنون، وحاولت أن أصعد على الدرج فتزحلقت أكثر من مرة من لزوجة الدماء التي غطته، وكانت يدي اليسرى معلقة بكتفي وتكاد أن تسقط وهي تنزف دماً غزيراً.

آخر الدواء البتر !
وتستطرد "رقية السلامات" واصفة ما مرّ بها: عندما خرجت من الملجأ كان الناس يتراكضون في كل جانب، وأصواتهم تتعالى، فخفت من المنظر قبل أن يغمى علي من الألم، وتم إسعافي إلى المشفى الميداني وهناك قام الأطباء ببتر يدي اليسرى من أعلاها وبقيت حوالي تسعة أيام قبل أن يتم نقلي إلى الأردن.

ويتدخل الناشط الإعلامي "منير قداح" ليشرح واقع الخدمات الطبية في الحراك التي كانت سيئة جداً –كما يقول- بسبب الافتقار للأدوات الطبية، والانقطاع المستمر للكهرباء والحصار المتواصل على المدينة، لذلك كان الأطباء والممرضون يعالجون الناس بأدوات طبية بدائية ويضطرون لبتر الأطراف بشكل عاجل خوفاً من انتشار "الغرغرينا" في أجساد المصابين، ومن هذه الحالات حالة رقية التي لم يكن هناك أمل في استعادة يدها فتم بترها وكذلك في حالة والدتها أيضاً. 





فارس الرفاعي - زمان الوصل
(277)    هل أعجبتك المقالة (300)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي