أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كردستان وثمن التضحيات! ... الدكتور شمدين شمدين



البشمركة كلمة كردية تتألف من مقطعين (بيش) وتعني أمام و(مركا) وتعني الموت وبهذا التعبير فهي تعني مواجهي الموت أو الفيدائيين, هذه الكلمة التي كانت تطلق على مجموعات من المقاتلين التابعين لأحزاب كردية محلية ظلت طوال عقود تناضل من أجل نيل الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق , وبعد سقوط النظام في بغداد وفدرلة العراق أصبحت هذه القوات شرعية دستورياً تحت مسمى حرس الأقليم مزودة بأسلحة خفيفة لغايات دفاعية , هذه القوات وجدت نفسها وفي لحظة حرجة أمام هجمة شرسة لتنظيم مدجج بسلاح أمريكي متطور وعلى إمتداد حدود طويلة , واقعة بذلك تحت مرمى نيران مدافع قوة عاتية تهدف الى إلتهام المزيد من الأراضي بغية توسيع دولة الخلافة التي أعلنتها ,البشمركة التي إهتزت في البداية وانسحبت من بعض المناطق سرعان ما لملمت صفوفها وإستعدت للمواجهة الكبرى ,وبإعتبار هذه القوات غير معتادة أصلاً على حروب المدن ولم تجرب القتال داخل مجمعات مكتظة بالسكان وبسبب إفتقارها أيضاً الى سلاح حديث يواجه ما استولت عليه داعش من الجيش العراقي , لكل هذه العوامل كان لابد من طلب العون من الخارج , هذه المساعدة ورغم تأخرها الا إنها كانت كفيلة بقلب موازين القوى وبدء تقهقر التنظيم التكفيري المتشدد وسط تقدم واضح للقوات الكردية ,التي باتت القوة الوحيدة البرية التي تقاتل دفاعاً عن أقليات المنطقة وسط تراجع للجيشين العراقي والسوري وتلقيهما ضربات كبيرة ومؤلمة على يد عناصر داعش , والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : لماذا كردستان والأكراد يتحملون وزر هذه المواجهة العنيفة في ظل تراجع الجميع وخوفهم من التصدي لقوات هذا التنظيم ؟ ولماذا داعش تتوجه برشاشاتها ومدافعها وسيوفها لقتل الأكراد والأقليات المتواجدة على أرض كردستان بينما طريق دمشق وبغداد أقرب إليها من طريق أربيل؟ لماذا تريد داعش إزالة حدود سايكس بيكو بين سوريا والعراق بينما تحترم هذه الحدود مع تركيا ؟ لماذا هذا الصمت التركي الغامض تجاه المجازر التي ترتكبها داعش بينما لاتكف الحكومة التركية عن التنديد بجرائم إسرائيل ليل نهار ؟ ربما يعود السبب إن تركيا كانت من أوائل الذين غضوا الطرف عن هذا التنظيم بل فتحوا الحدود له لمحاربة قوات الحماية الكردية الذين سيطروا على مناطق كردستان سوريا وأقاموا فيها إدارة ذاتية , وعلى الرغم من مفاوضات تركيا مع حزب العمال الكردستاني وبالرغم من قرار مجلس الأمن الأخير حول قطع التمويل عن داعش الا إن مقاتلو داعش مازالوا يجدون المأوى في تركيا أقله للعلاج وما المظاهرات التي اندلعت في هاتاي والتي طالبت الحكومة بطرد مسلحي داعش والقبض عليهم ومنع معالجة جرحاهم في المشافي التركية الا دليلا على الغضب الشعبي تجاههم .
وبعكس تركيا أصبح الأكراد القوة التي يعول عليها العالم من أجل التصدي لهذا التنظيم ومرد ذلك الى كون الكورد مسلمون متدينون بإعتدال يلتزمون الوسطية ويتمتعون بثقافة أكثر إنفتاحاً وقبولاًبالأراء الأخرى من جيرانهم الشرق أوسطيين ,كما إن كردستان منطقة استراتيجية مهمة وخط الدفاع الأول في وجه الإرهاب وقد أثبتت خلال العقدين الماضيين قدرة على الاستقرار والاندماج في الاقتصاد العالمي فهولير العاصمة أصبحت قبلة للشركات العالمية والمستثمرين الأجانب ولديها من عوامل التطور والتحديث ما يجعلها منافسا قويا لمدن مشهورة كدبي , لكن يبدو ان ما ينقص كوردستان هو وجود جيش عصري مجهز بأحدث الأسلحة لمواجهة عوامل الخطر التي تحدق بالإقليم في شرق أوسط يخرج فيه كل بضع سنين موضة جديدة للقتل والترهيب, وهذا مالا يمكن تحققه في ظل وجود كردستان تحت وصاية مركزية صارمة ومتشددة .
ربما شاءت الأقدار أن تكون كردستان رأس الحربة في صراع العالم الطويل تجاه قوى الظلام ومثلما هي الميثيولوجية الزرادشتية التي تنبأ بانتصار نور أهورامزدا على عتمة أهريمان, فإن أشعة الشمس المتلألئة في علم الإقليم تبدد يومياً سواد راية الداعشين, الذين فرضوا المواجهة على قوم مسالمين كانوا يعيشون حياة هادئة في إقليم يسوده روح المحبة والتسامح وتتعايش فيه مختلف الأقليات والمذاهب بود وإخاء.
إن دعم قوى العالم الحر وتلبية إحتياجات الإقليم العسكرية والمعنوية سيؤدي الى ثبات كوردستان وصمود الأكراد على الأرض وهو ما سيشكل دعامة أساسية في بناء نظام عالمي مبني على التعاضد والوحدة في وجه الإرهاب الفكري القاسي الذي يعبر القارات ويقطع الرقاب بلا رحمة تحت يافطات الدعوة الى إقامة شرع الله .
هذ الوضع الجديد في الشرق الأوسط يجعل من كردستان صوتاً قوياً لا بد من سماعه والإنتباه اليه ,وايجاد مكان لائق به بين أصوات الأمم الحرة , حيث إن الشعب الكردي مازال الشعب الأصيل الذي لا دولة له وهو الذي يفتخر بإنتمائه الى أقدم الحضارات وتصديره لخيرة المؤرخين والمفكرين وعلماء الدين , فما الذي ينقصه ليرفرف علمه وسط أعلام الدول الصغيرة والكبيرة في نيويورك؟ ربما إعتاد الكورد أن يكونوا ورقة في يد الغير وضحية لكل الألاعيب والسياسات العالمية حيث تنكرت لهم سابقاً مختلف الدول الحليفة بعد وعود بالحرية والإستقلال , فهل سيقعون من جديد في مصيدة القوى الإنتهازية ويدفعون خيرة شبابهم فداء لقيم العالم الحر في مواجهة قوة الإرهاب الداعشية؟ ثم يتركون لمواجهة مصيرهم المجهول , أعتقد إن الكورد لم يعد ذلك الشعب المسكين الذي حرر القدس ثم تنكر له المتشددون الإسلاميون ووصفوهم بالمرتدين وتنكر لهم العرب ونعتوهم باسرائيل الثانية, فحتماً لن تكون دماء شهداءهم بلا ثمن وستكون بلا شك بداية الطريق نحو وضع أكثر إنصافاً وتلبية لمطالب سكان الإقليم وتطلعات أبنائهم, وضع يكون أقله دولة كونفدرالية!

(17)    هل أعجبتك المقالة (19)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي