أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السياسة وقذارات الشيطنة.. عماد غليون

من ضمن الأساليب التي تتبعها السلطات الحاكمة في محاربة معارضيها قيامها بتشويه صورتهم أو شيطنتهم بشكل ممنهج ومدروس؛ وصولا لتحويلهم كأعداء لمجتمعاتهم عبر نشر تلفيقات وافتراءات ضدهم بحيث تجعلهم يبدون أشرارا بعيدين عن قيم وأخلاق المجتمع ويعملون على تحطيم السلم والأمن الاجتماعي في البلاد وضرب حالة الاستقرار المشوهة التي يعيشها الناس على مضض.

استخدمت أساليب الشيطنة على مدى التاريخ البعيد والقريب؛ وعلى مدى جغرافيا العالم؛ ومن قبل كل أشكال السلطات وأجهزة الحكم لمواجهة من يعمل على إزاحتها عن السلطة.

في التاريخ الإسلامي كانت الخلافات السياسية تغلف باستمرار بغلاف من العقيدة يضفى عليها؛ بحيث إن كل طرف ينسب الحق لنفسه والضلال للطرف الآخر؛ فأي ثورة أو تمرد على الخليفة أو الإمام يتم تصنيفه خروجا عن الدين بالدرجة الأولى وليس لأسباب سياسية تتعلق بالسعي للحصول على السلطة وانتزاعها بالقوة؛ ومن هنا تم تكفير الخوارج الذين ثاروا ضد الخليفة علي بن أبي طالب ومن بعدهم القرامطة والزنج وحتى البرامكة الذين كانوا في الصف الأول عند الخلفاء العباسيين تم توجيه اتهامات بالكفر والزندقة لهم ومحاكمتهم والتنكيل بهم على أساسها، فقط عندما اكتشف الخلفاء سعيهم للسلطة والنفوذ لا قبل ذلك؛ حتى الخلافات الفكرية تم التعامل معها على هذا الأساس ومثال ذلك قضية محنة المعتزلة وكيف تم التنكيل بهم بسبب آرائهم الخاصة في العقيدة، ولكنهم عندما استطاعوا الوصول لسدة السلطة مارسوا هم أبشع التنكيل بمعارضيهم في الرأي وكانت لهم قضية خلق القرآن المعروفة التي سببت محنة الإمام أحمد بن حنبل. وأخطر قضية لا زالت تؤثر بقوة على العالم الإسلامي حتى يومنا هذا هي قضية مقتل الحسين وانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة بعد ذلك لا تزال تحكمهم وتتربص بهم ثارات الحسين في كل موقف وحين.

بالنتيجة ليس هناك من سلطة عبر التاريخ كما يبدو لم تمارس التشويه والإساءة لمعارضيها ويحتاج تفصيل ذلك وبيانه لحيز كبير.

في حربه الطويلة ضد دول المعسكر الشيوعي السابق بقيادة الاتحاد السوفيتي مارس الغرب من ضمن ذلك شتى أشكال الدعاية المضادة والشيطنة ضد الحكم الشيوعي بدعوى الحكم الشمولي والديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان؛ ولكن سقوط المعسكر الشيوعي حرم الغرب من وجود عدو قوي يستطيع من خلال حالة العداء معه حشد الرأي العام في بلاده وتجييشه؛ وعندما كان لا بد من إيجاد عدو جديد بديل للغرب؛ قامت على الفور مراكز الأبحاث الغربية استنادا لدراسة الواقع الجيوسياسي الجديد في العالم باقتراح الإسلام السني ليكون العدو الجديد للغرب بدلا من الشيوعية ويتضح ذلك بوضوح من البحث الشهير لصاموئيل هنتيغنتون –صدام الحضارات– وعلى الفور تحولت الآلة الإعلامية الغربية باتجاه الهدف والعدو الجديد؛ وبدأ كل شيء يتغير في توجهات الخطاب الإعلامي الغربي؛ فالجهاديون في أفغانستان الذين ذهبوا بدعم ورعاية غربية لمحاربة السوفييت هناك بدأوا يتحولون لإرهابيين وأعداء؛ وبدأ الحديث عن إرهاب القاعدة والمنظمات المتفرعة عنها هو المحور الأساسي لعمل المسؤولين في الغرب.

مع اندلاع الثورة السورية قام النظام بالتصدي للاحتجاجات الشعبية على الفور عبر تقديم بعض التنازلات في المواضيع الخدمية والمعاشية باعتبارها مطالب محقة للناس كما قال؛ رافضا الحديث عن صراع على السلطة وإسقاط النظام، لكنه منذ ذلك الوقت استمر في وصف المحتجين بالمتشددين الإرهابيين وبانتمائهم لتنظيمات تابعة للقاعدة يسعون لإقامة إمارات إسلامية في البلاد.

كانت ادعاءات النظام تلك مثارا للسخرية والاستغراب من الثوار والمعارضة السورية، وخاصة في بدايات الثورة السورية وحراكها السلمي الواضح الذي يطالب بالحرية والكرامة لكل السوريين؛ ولكن وسائل إعلام النظام والمتحالفة معه استمرت طوال الوقت في تبني تلك الرواية والاسطوانة المشروخة، كما عملت على تشويه صورة معارضي النظام عبر تلفيق اتهامات مختلفة لهم كل على حسب حاله. ومع الأسف ظهر أن بعض ادعاءات النظام بدأت تتحول لواقع خاصة مع طول أمد الثورة السورية وعدم إسقاط النظام بسرعة كما كان مأمولا؛ فقد بدأت التنظيمات المتشددة بالظهور بشكل متزايد في المناطق المحررة؛ كما بدأ ظهور العناصر المقاتلة غير السورية بكثرة وفي مراكز قيادية كذلك.

كان ممكنا في البداية الدفاع عن وجود تنظيمات إسلامية جهادية عناصرها سوريون؛ وحتى مع جبهة النصرة أمكن ذلك بسبب عملها مع الكتائب الأخرى في محاربة النظام وعدم تبنيها لأجندة خاصة ظاهريا.

بدأ النظام يجني أخيرا ثمار حملاته الدعائية الطويلة وشيطنته الثورة بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ فممارسات هذا التنظيم كانت غريبة ومستهجنة وبعيدة عن أفكار وأخلاقيات الثورة؛ وكان يتجنب قدر الإمكان الاصطدام مع قوات النظام وبتفس الوقت يسعى لفرض سيطرته ونفوذه على مناطق محررة سابقا من كتائب أخرى ومن ثم يقوم بفرض تطبيق أحكام قاسية على الأهالي والتضييق عليهم بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية.

أعلن مندوب النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري عن قيام دولة إسلامية شمالي البلاد قبل عام كامل من إعلان البغدادي لدولة الخلافة، فهل كان ذلك مجرد توقع أو ادعاء فقط، أم أن ذلك مبني على معطيات تأخر تنفيذها لأسباب عملياتية لا أكثر.

يستمر تنظيم الدولة في ارتكاب ممارسات الذبح والعنف وتهجير الأقليات وخاصة بعد إعلان الخلافة؛ مما يجعل الكثيرين يرون فيه صورة أخرى عن النظام؛ وهو يخدم ادعاءات النظام حول الإرهاب، وتبدو ممارساته، وكأنها تأكيد لماكينة النظام الإعلامية التي عملت طويلا وكثيرا قبل أن تبدأ في جني ثمار شيطنتها للثورة وفصائلها المقاتلة.

حاول النظام الاستفادة من صدور القرار الأممي 2170 تحت الفصل السابع والقاضي بمحاربة تنظيم داعش ومصادر تمويله عبر تقديم نفسه كأحد الشركاء في هذه الحرب؛ ولكن المواقف الغربية والأمريكية كانت واضحة وتشير إلى أن النظام هو من أوجد داعش ولا يمكن أن يكون شريكا في محاربته.

صحيح أن ادعاءات النظام حول الإرهاب تحققت في نهاية المطاف، ولكن يبدو أن هذا لن يكون سببا لبقائه وعدم سقوطه؛ لكن ذلك ساعد بلا شك في إطالة عمر النظام وربما لا يزال يراهن على إعادة خلط الأوراق من جديد ليعود لاعبا أساسيا في عملية محاربة الإرهاب عبر صفقة ما يقدمها للغرب في اللحظة الأخيرة على غرار ما فعله بالملف الكيماوي.

لكن التساؤلات تطرح وبقوة عن أسباب عدم نجاح المعارضة في شيطنة النظام رغم عدم الحاجة لاختراع أو ابتكار شيء وإلصاقه بالنظام كونه مارس كل الأفعال الشريرة والقذرة ضد شعبه وعلى مرأى العالم. 

لماذا نجح النظام في شيطنة الثورة، بينما فشلنا كمعارضة في شيطنة النظام؟ على ماذا اعتمد النظام في جهوده ومن دعمه فيها؟ وهل كانت خبرته الطويلة وراء ذلك؟ 

علينا التذكر فقط أن عملية خلق الأعداء وشيطنتهم تتم في أهم مراكز الأبحاث في العالم وليست عمليات اعتباطية كما تبدو؛ ويحتاج الوصول لنتائجها لسنوات طويلة؛ مما يؤكد أن النظام لم يكن وحيدا في معركته ضد شعبه فهل سيتم التخلي عنه أخيرا بعد أن قام بأداء دوره بكل إتقان؟ 

(142)    هل أعجبتك المقالة (151)

SARY

2014-08-25

لا يغيب عن ذاكرتنا ان االأ ئتلاف عرض في مؤتمر جينيف كل ما يتعلق بمجزرة الكيماوي و غيرها ولا ذنب لهم ان كانت الول الاوربية مصرة على عدم تجريم بشار الاسد.


نصوح طليمات

2014-09-08

الا تعتقد يا اخ ابو اياد ان المقولة التي روج لها النظام و التي تقول : انا سيء لكن القادم اسواً الهدف منها ابعاد اي بديل سياسي عنه الا وهو الائتلاف الوطني و الجيش الحر و رغم كل تخبيصاتهم و اخطائهم كان يعتبرهم النظام هو البديل الوحيد الذي يخشى منه ، لذلك كان خوفه الاكبر من هذا البديل الذي استمات في شيطنته ايضاً بفنون لا تعرفها كل اطياف المعارضة ، على اعتبار انه صاحب خبرة عمرها ٤٤ سنة في شيطنة الخصم و يملك الالة الاعلامية الرهيبة لهذه الشيطنة و نجح نجاحاً باهراً في شيطنة الثورة السورية كلها من خلال ممارسات تنظيم داعش الوحشية و اللامعقولة والتي صبت بالنهاية لصالح مقولته انا سيء لكن القادم اسواً رغم انها لا تمت للثورة و اخلاقها باي صلة . اتمنى استمرار الحوار معك بطريقة ما ، تحياتي لك و للعائلة.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي