أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مجزرة الكيماوي…. لماذا النظام ؟

كان قد مر ثلاثة أيام فقط على وصول اللجنة الدولية للتحقيق في الهجوم الكيماوي الذي وقع على منطقة خان العسل في حلب، عندما وقع هجوم إجرامي آخر بالسلاح الكيماوي على عدة مناطق من الغوطة الشرقية والغربية، صباح يوم الاربعاء الواقع في 21 آب 2013.

هذا هو الظرف الزمني الذي تمسك به النظام كدليل على براءته من ذاك الهجوم الوحشي على الغوطة، الهجوم الذي أنكر حصوله جملة وتفصيلاً في ردات فعله الأولى على الاتهامات التي وجهت إليه، ثم خرجت نائبة الرئيس فيما بعد لتقول: (إن الضحايا الأطفال الذين شاهدناهم كانت قد خطفتهم العصابات المسلحة من ريف اللاذقية وقتلتهم في الغوطة لاتهام النظام)، بعد أن عاد النظام نفسه واتهم وسائل اعلام عربية بمحاولة حرف لجنة التحقيق عن مهمتها الأساسية، وأن الهجوم نُفذ من جانب المعارضة المسلحة لتبرير التدخل الدولي في سورية.

إضافة لما قدمته روسيا، الحليف الاستراتيجي للنظام، من رصد أقمارها الاصطناعية لصاروخين محليي الصنع، أُطلقا من منطقة دوما التي تسيطر عليها المعارضة عند الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين من ليل الأربعاء، لم يكن هناك أي حيثيات ظرفية أخرى وظفت لتبرئة النظام واتهام المعارضة بهذه الجريمة.
لابد من الاشارة، قبل البحث في أدلة أخرى، إلى أن جريمة استخدام السلاح الكيماوي أصبحت ثابتة من وجهة نظر قانونية، ولا يمكن نفيها أبداً بناء على تقرير اللجنة الدولية، الذي حسم الأمر بالجزم بأن هجوماً بالسلاح الكيماوي قد وقع فعلاً في مناطق الغوطة، ولابد من الإشارة أيضاً إلى أن روسيا هي التي أعاقت صدور قرار تشكيل اللجنة، ولم توافق عليه إلا بعد تحديد مهمة اللجنة بالتحقق من وقوع الهجوم فحسب، من دون البحث عن الجاني !!!.

وفقاً لما أعلنته المعارضة في بيانها، والذي تطابق مع روايات الشهود والناشطين في المنطقة المستهدفة، فإن الهجوم على الغوطة الشرقية بدأ الساعة الثانية وثلاثين دقيقة صباحاً بعشرات الصواريخ، وبعد عشر دقائق فقط بدأ هجوم آخر بالكثافة النارية ذاتها، وبعد خمسين دقيقة أيضاً نُفِّذ هجوم أخير، ثم تبع ذلك قصف مدفعي وصاروخي بالأسلحة التقليدية على المناطق المستهدفة بالسلاح الكيماوي ذاتها، واستمر حتى الساعة الخامسة وعشرين دقيقة، إذ تم استهداف منطقة المعضمية بصاروخين يحملان رؤوساً كيماوية.

قدمت الاستخبارات الألمانية تقريراً جاء فيه: (إن إتصالاً جرى بين مسؤول كبير من حزب الله والسفارة الإيرانية في بيروت أشار خلاله مسؤول الحزب إلى مسؤولية بشار الأسد عن الهجوم، وإلى أنه بدأ يفقد أعصابه). بالنسبة للاستخبارات الالمانية، فإن خبراء نظام الرئيس بشار الاسد وحدهم يملكون مواد مثل غاز السارين، وهم قادرون على مزجها واستخدامها في صواريخ من عيار  140 و  330ملم، وهي صواريخ موجودة لدى هذه القوات بكثرة في حين أن مقاتلي المعارضة لا يملكون الإمكانيات المطلوبة لشن مثل هذه الهجمات.

بتاريخ 3 أيلول، نشرت صحيفة الغارديان تقريراً استخبارياً فرنسياً، أشار إلى أن قوات النظام هي المسؤولة عن الهجوم، استشهد التقرير الفرنسي بصور ساتلية تظهر انطلاق صواريخ من مواقع قوات النظام وبسبعة وأربعين تصوير فيديو وضعها الناشطون وتحقق أطباء فرنسيون من صحتها.
بعد 20 يوماً على حدوث الهجوم قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ان لديها أدلة تشير بقوة الي أن هجوماً بغاز سام على مقاتلين من المعارضة السورية نفذته قوات الحكومة السورية، وأنها توصلت إلى تلك النتيجة بعد تحليل روايات شهود ومعلومات عن المصدر المرجح للهجمات وبقايا للأسلحة التي استخدمت وسجلات طبية للضحايا.

في يوم 16 أيلول 2013، صدر تقرير لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة، الذي أشار إلى أن غاز السارين أطلق بواسطة صواريخ أرض-أرض، وذكر التقرير أن الهجوم حدث في ساعة ضمنت إصابة أو مقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لأن درجة الحرارة تنخفض بين الثانية والخامسة صباحاً، وهو ما يعني أن الهواء كان يتحرك لأسفل باتجاه الأرض.

في الواقع هي ليست المرة الأولى التي يتمسك بها النظام بنظرية المؤامرة، وطالما تذرع بالحيثيات والقرائن ليثبت براءته مما يتهم به، من دون أن ينجح في تقديم أدلة دامغة، فغداة جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، كانت حجة النظام أنه لماذا سيقدم هو على جريمة الاغتيال طالما أن الحريري وافق على التمديد لرئيس الجمهورية، وكيف سيقتله بينما هو (النظام) المكلف بحفظ الأمن في لبنان.

إن اطلاق عشرات الصواريخ المزودة برؤوس كيمياوية خلال ثلاث ساعات، يحتاج إلى قدرات عسكرية حديثة ونوعية وعناصر مُدربة على استخدامها، وبالتالي لا يمكن لمجموعات المعارضة المسلحة، التي طالما افتقرت الى الاسلحة النوعية، أن تكون قادرة على اطلاق هذه القوة النارية الغزيرة خلال وقت قصير نسبياً.

كل هذه الأدلة التي تؤكد ارتكاب النظام لهذه الجريمة الوحشية، تبقى للأسف من دون أي جدوى، طالما لم تبحث فيها لجنة متخصصة ومكلفة بالتحقيق في هوية الجاني، ومن ثم عرض نتائج تحقيقها أمام المجتمع الدولي ليتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ولا بد من القول أن مرور جريمة قتل أكثر من ألف وأربعمئة إنسان معظمهم من الأطفال والنساء من دون محاسبة، ستبقى وصمة عار في جبين البشرية والعالم المتمدن وخذلاناً لأرواح الضحايا وعائلاتهم.

مهند البعلي - عضو في حزب الجمهورية - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(198)    هل أعجبتك المقالة (180)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي