أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محاربة الإرهاب.. شعار التحولات الجديدة في المنطقة... عماد غليون

بعد سنوات على انطلاق الثورة السورية يبدو أن هنالك توجها أمريكيا غربيا للتدخل في المنطقة إما بشكل مباشر أو عبر فرض حكومات يقبل عنها وتتعامل معه في مكافحة الإرهاب ويحظى ذلك بقبول دولي وإقليمي واسع؛ فكيف سيؤثر ذلك على مسار الثورة السورية؟

منذ البداية كان الموقف الأمريكي والغربي واضحا تماما؛ ربما المعارضة السورية وحدها لم تكن تريد القبول به أو التعامل معه؛ غالبا بسبب القراءة الخاطئة وسوء الفهم والتقدير لكيفية ومبررات اتخاذ القرار في تلك الدول؛ فقد اعتمدت المعارضة في طلبها المساعدة من دول الأصدقاء على ضرورات إنسانية بحتة تتعلق بما لحق بالشعب السوري على يد النظام من قتل وتدمير وتهجير ولم تغير هذا النوع من الخطاب رغم مضي وقت طويل على استخدامه بدون فائدة ترجى، استمرت في لعب دور المظلوم الذي يحتاج المساعدة لمواجهة الظالم.
البراغماتية، والمصلحة من الأولويات التي تعتمدها السياسة الخارجية للغرب ولا يحتاج معرفة ذلك لاكتشاف أو دراسة؛ ولكن المعارضة لم توائم ملفاتها مع أولويات الأصدقاء ومصالحهم ولم تقدم ملفا واحدا يشير لأنها قد فهمت اللعبة بالشكل الصحيح ولم تنجح بتحويل المأساة السورية لقضية وطنية لشعب يطالب بالحرية والكرامة.

محددات التدخل الأمريكي في المنطقة كانت واضحة منذ البداية ويرتبط حدوثها بأحد أمرين استخدام الكيماوي أو القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنها.

عند استخدام النظام للسلاح الكيماوي وصلت الأمور لحافة التدخل العسكري الأمريكي المباشر وضرب النظام قبل أن يتم انتزاع فتيل الأزمة في اللحظات الأخيرة بعد وصولها لحافة الهاوية عبر قبول النظام بتسليم كامل سلاحه الكيماوي، وقام الغرب بالتهرب من عملية ضرب النظام التي كانت وشيكة بذريعة رفض مؤسساته السياسية توجيه ضربة عسكرية والتدخل العسكري؛ ولم يكن للعامل الإنساني وصور شهداء الكيماوي المؤلمة والمفجعة أي تأثير في دوائر صنع القرار في الغرب.

يفترض أن تكون طريقة تعاطي الغرب مع الملف الكيماوي درسا للمعارضة لتقوم بمراجعة أدائها وطريقة تعاملها مع دول الأصدقاء بشكل جديد؛ لكن المعارضة خسرت ملفا بالمطلق وبدا أن النظام هو الذي استفاد منه بشكل واضح؛ وربما بدأت سياسة جديدة للغرب منذ ذلك الوقت تتمثل بعدم قبول إسقاط النظام بقوة السلاح واعتبار الحل السياسي وحده هو المقبول وتكريس ذلك في القرارات الدولية.

استمر دعم دول الأصدقاء للمعارضة والجيش الحر بالتراجع باستمرار رغم وعودها المتكررة بذلك؛ مع ازدياد سيطرة ونفوذ الجماعات المرتبطة بالقاعدة من جهة والدعم المفتوح الذي يتلقاه النظام من حلفائه جهة أخرى.
بات موقف المعارضة السياسية ضعيفا بعد فشل جنيف2 في إحراز أي تقدم في ظل خيار الحل السياسي الوحيد فقط لديها؛ كما أن قوات الجيش الحر المرتبطة بالأركان باتت ضعيفة هي الأخرى؛ وبات النظام وحلفاؤه من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية الذي تحول لدولة الخلافة من جهة أخرى هما الجهتان الأقوى في الميدان.
فور إعلان خلافة البغدادي بدأت دولته تتمدد باتجاه العراق حيث حققت قواته انتصارات سريعة كاسحة مثيرة للريبة، ووصلت لتخوم بغداد وكردستان العراق بعد أن تم كسر حدود سايكس بيكو لأول مرة؛ ولكن هذه القوات لم تكتفِ بالسيطرة على الأراضي بل قامت بعمليات تطهير عرقي في مناطق الأكراد وديني للمسيحيين والأيزيديين ولم ينجُ من ذلك جتى من لم يقم بمبايعة البغدادي خليفة للمسلمين.
بعد إغلاق ملف الكيماوي لم يبقَ سوى ملف القاعدة لاحتمال تدخل الغرب في المنطقة بشكل مباشر ولكن تبقى الظروف والطريقة والأهداف النهائية للتدخل وتوقيته هي مثار البحث والتساؤل.

سرعة قوات الخلافة في التحرك الميداني وتحقيق مكاسب كبيرة حركت الساحة السياسية في المنطقة بقوة كذلك؛ وبدأت تظهر مؤشرات تدل على تغييرات جذرية قريبة ومحتملة في المنطقة لا بل أنها قد بدأت بالحدوث فعلا.

في لبنان شكلت عودة الحريري المفاجئة بعد غياب عن لبنان لأكثر من ثلاث سنوات وتوحد كافة القوى السياسية خلف الجيش اللبناني في عرسال دليلا على اتفاق ما تم عقده بين الأطراف السياسية المتصارعة بدعم سعودي واضح، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنهاء الخلاف حول استحقاق الرئاسة وحل أزمة الفراغ الرئاسي قريبا؛ وترافق ذلك مع تصريحات ومواقف تصالحية مع حزب الله من النائب وليد جنبلاط؛ وكل ذلك قد يشير إلى حالة من التوافق الإقليمي الذي غالبا ما يكون الوضع السياسي في لبنان هو المؤشر عليه.

شكل تعيين فؤاد معصوم رئيسا للعراق ومن ثم تعيينه حيدر العبادي لتشكيل الحكومة وإزاحة المالكي بمباركة إيرانية أمريكية أممية، ومن المرجعيات الشيعية كذلك بداية لإطلاق العملية السياسية المتوقفة في البلاد من جديد وربما إنقاذ البلاد من حالة الانفلات الأمني التي باتت تهدد وحدتها. 

لتقديم الدعم والمساندة في مواجهة تهديدات "داعش" لإقليم كردستان وتهجير المسيحيين والأيزيديين اشترطت الإدارة الأمريكية قيام حكومة وحدة وطنية قوية في العراق، وهي نفذت بالفعل ضربات جوية لتثبت ذلك؛ فهل ستكون حكومة حيدر العبادي هي الحكومة الموعودة والمطلوبة والقادرة على القيام بذلك؟
في ظل بداية الحراك السياسي في لبنان والعراق يبرز التساؤل ما مصير سوريا مما يجري وهي كانت البؤرة التي انطلقت منها الصراعات في المنطقة؟

يبدو أن تنظيم داعش يتمدد بالفعل وسيتحول كقوة رئيسية في مواجهة النظام في سوريا والحكومة في العراق، وإذا كانت الإدارة الأمريكية أعلنت دعمها لمجاربة التنظيم في العراق من خلال حكومة وحدة وطنية قوية فما هي الطريقة التي ستقوم بها الإدارة الأمريكية بمقاومة داعش في سوريا؟ 

لا مؤشرات على التوجه لدعم الائتلاف سياسيا أو قيادة الأركان عسكريا خاصة بعد الضعف الذي اعترى صفوفها وعجزها عن مواجهة داعش؛ ويبدو أن سيناريو مختلفا تماما وغير سار للمعارضة ومسار الثورة السورية هو ما يتم التحضير له.

في جنيف2 أصر النظام أن تكون مكافحة الإرهاب البند الأول على جدول الأعمال وبعد ذلك يتم الانطلاق نحو تشكيل الحكومة الانتقالية؛ بينما كان الائتلاف يريد الانطلاق من الحكومة الانتقالية باتجاه مكافحة الإرهاب وعلى هذا الخلاف انتهى المؤتمر.

يبدو الآن أن أولوية مكافحة الإرهاب هي ما يتم الحديث عنه دوليا وأمريكيا وبالتالي من المتوقع تحرك ما في هذا الاتجاه.

ربما ستعود عجلة التفاوض من جديد بين النظام وقوى سياسية أوسع من الائتلاف نفسه يتم العمل على تحضيرها منذ مدة؛ ويتم من خلال ذلك تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية قوية كما تريد الإدارة الأمريكية تسميتها وتنال دعما قويا في مواجهة الإرهاب وتنظيم داعش.

التوافق الأمريكي الإيراني الذي ظهر واضحا في لبنان والعراق وبدون الحاجة لتأويلات هل سيمتد ليصل إلى سوريا؟ 

يبدو أن تحركات داعش الميدانية وتمددها بسرعة وتراجع قوات الجيش الحر وضعف المعارضة السياسية يساعد على تحقيق المشروع الأمريكي الجديد؛ ولا يمكن إيقاف ذلك سوى بتغييرات جذرية لصالح الجيش الحر والقوى المناوئة لداعش والاستفادة من ذلك سياسيا؛ وهذا الأمر يبدو صعب التحقق في ظل الظروف المتاحة.

لكن هل سيتم حل الملفات الإقليمية بالتزامن مع بعضها البعض حزمة واحدة، أم سيتم حل الملفات الأخرى على حساب الملف السوري وتركه مفتوحا بدون حل لوقت طويل؟

من هنا تبرز أهمية قيام المعارضة بقراءة موضوعية جريئة وصريحة للأوضاع السياسية وتحولاتها والوصول لأفضل الخيارات المتاحة أمام الشعب السوري وصولا لتحقيق أهدافه في الحرية والكرامة؛ خاصة مع موجة الحلول السياسية التي ستجتاح المنطقة مترافقة بتدخل عسكري أمريكي سافر لا ينتظر موافقة دولية هذه المرة لأنه يتوافق مع الأهداف والمصالح الأمريكية.

من كتاب "زمان الوصل"
(113)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي