أم محمد سيدة حلبية لاجئة تعيش في مدينة مرسين التركية مع ابنيها، عرفت بطريق المصادفة أن ابنها الأكبر نشر إعلاناً صريحاً على "فيسبوك" يعرض فيه إحدى كليتيه للبيع لأنه فقد الأمل بإكمال دراسته الجامعية، وتحقيق حلمه بالزواج من الفتاة التي أحبها وهي القصة التي نشرتها "زمان الوصل" منذ يومين.
كانت أم محمد وهي إنسانة مثقفة تعيش حياة كريمة قبل الحرب وكان أولادها بأحسن حال أما الآن، فابنها البكر يفكر ببيع قطعة من جسمه لتعيش العائلة، وكان وقع الصدمة كبيراً مما أفقدها توازنها كما تقول لـ"زمان الوصل" وتضيف: لم أعرف ماذا أفعل كيف يمكن لابني أن يفكر بهذه الطريقة، وأردفت بحرقة: الله ينتقم ممن كان السبب بتشردنا وذلنا، لقد كنا معزّزين مكرمين أما الآن فذقنا كل أنواع الذل.
وتضيف والدة محمد: كنت أعمل بتصميم الأزياء والخياطة النسائية في سوريا أما هنا فعملت بالتنظيف في المطاعم والأوتيلات، ولم يمر يوم إلا وكنت أبكي بمرارة من الذل الذي أعانيه.
وتستدرك قائلة: أنت لا تعرف ما مدى الذل والإزعاج الذي تعرضت له والأسوأ حين أتحمل ذلك على أمل الحصول على هذا الأجر الضئيل جداً جداً وفي النهاية أطرد ويذهب أجري.
انفصلت أم محمد عن زوجها منذ ثمان سنوات، وهو لم يقدم لهم أية مساعدة لا قبل الحرب ولا بعدها ولا تعرف عنه شيئاً الآن.
وتروي أم محمد أن ابنها حينما كان لا يزال في سوريا لجأ إلى بيت أبيه وعاش عنده ولكنه قام بطرده بعد شهر ونصف وتضيف: (ابني الآن في حالة نفسية سيئة جداً ولا أستطيع فعل شيء له وأنا خائفة عليه).
وتستدرك: كان محمد يدرس في جامعة حلب سنة أولى- أدب عربي فخسر جامعته وجاء إلى تركيا لاجئاً بعد التفجير الكبير الذي حصل في كلية الأدب العربي. عمل لفترة في مطعم بمعدل 14 ساعة يومياً، وتورمت قدماه كثيراً، وحين أحتاج لأن يرتاح ليومين لتأزم حالة قدميه طردوه وهو الآن بلا عمل.
وحول كيفية معرفتها بموضوع عرضه لبيع إحدى لكليتيه تقول أم محمد: دخلت على كروب "طالبي اللجوء والهجرة" ورأيت البوست الذي وضعه ابني وعرفته من خلال رقم هاتفه، وتضيف: منذ عدة أيام وأنا أشعر أنه يخفي شيئاً عني، وكنت أراه يلجأ للنوم دائما وكأنه يهرب من شيء ما، ووضع رمزاً لهاتفه وكأنه يريد أن يعيش بسرية، وحينما يأتيه اتصال هاتفي من أحد كان يتكلم بغموض وصوت خافض، وأمس بكى كثيراً، وكأنه يحمل جبلاً على صدره، وتروي أم محمد أنها حين علمت بقصة عرض ابنها لبيع كليته لامته كثيراً لتصرفه وأخبرته بأن ذلك ليس حلاً لمشاكل العائلة المادية، وبأنه قد يفقد حياته.
وتضيف أم محمد بلغة مؤثرة: لقد صدمني حقاً هذا التفكير بحل المشكلات، وكان هذا الأمر أكبر صدمة تعرضت لها في هذا البلد الذي لا أجد تعبيراً أصفه به كي لا أخرج عن حدود الأدب، والمصيبة أن ابني مصرّ على ذلك ولكن مستحيل أن أتركه يفعل ذلك.
وحول الوضع المعيشي لعائلتها تقول أم محمد: نعيش في منزل بسيط جداً وسيئ للغاية رغم أن آجاره يتجاوز الـ450 ليرة، وعندما استأجرته كان خالياً من أي أثاث فقمت بشراء بعض الأشياء القديمة لأفرشه، وقسم كبير من ثمن الأشياء بقي ديناً علي، ورغم ذلك طلب مني صاحب البيت إخلاءه لأني تأخرت بدفع آجار الشهر الماضي، وقام بقطع الكهرباء عن المنزل مرات عدة.
ورغم هذا الوضع الذي نعيشه فما يهمني الآن أن يكف ابني عن فكرة بيع الكلية وأن أحافظ على أسرتي وأحميها في مجتمع كاذب نصاب لا يملك ضميراً.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية