رجالٌ حول القائد الأسد... خطيب بدلة

أعتذرُ، بدايةً، للعَلَّامة خالد محمد خالد لأنني أخذتُ عنوان كتابه "رجال حول الرسول"، وحَوَّرْتُ فيه حتى جعلتُه: "رجالٌ حول القائد الأسد". لقد فعلتُ ذلك لضرورات فنية لا بد أن تكتفشوها بأنفسكم في سياق هذه المقالة.
لدي قناعة تنتمي إلى ما يسميه البعثيون (الثوابت) مفادُها أن الرؤساء الذين يصلون إلى كراسي الرئاسة في بلادهم بموجب انتخابات ديمقراطية، ويحكمون دولاً مستقرة شبه خالية من الصعوبات، والعقبات، والمشاكل، إنما هم أناس عاديون، قليلو الأهمية، لا يمكن أن يُخَلِّدَهُم التاريخ.. بدليل أن الكاتب السوري "سامر قطان" كتب قصة قصيرة بطلُها مثقفٌ سوري زار سويسرا، وسهر، ذاتَ ليل، مع مجموعة من المثقفين السويسريين، وفجأة خطر له أن يسألهم: (مَنْ هو رئيسكم؟)، فأحرجهم السؤالُ، وأوقعهم في حيص بيص، وصار كل واحد منهم يلتفت نحو الشخص الجالس بجواره ويسأله: (صحيح والله، مَنْ هو رئيسُنا؟)!
فإذا كان الرئيس نفسه، في هاتيك الدول- أمثال سويسرا وما شابه سويسرا- نكرةً غير مقصودة، لا يعرفه حتى أبناءُ شعبه، فمنذا الذي سيخطر بباله أن يحفظ اسم مستشارة الرئيس السويسري للشؤون الثقافية؟ أو اسم وزير الصحة السويسري؟ أو اسم رئيس اتحاد الكتاب العرب السويسري؟ أو اسم الأمين القطري المساعد السويسري؟!
وأستنتجُ، بموجب هذه القناعة، أن رؤساء دول العالم يمكن تصنيفهم في ثلاث خانات: الأولى: رئيس فقط. الثانية: رئيس يرقى إلى مستوى "القائد". الثالثة: رئيس يرقى إلى مستوى "القائد التاريخي"، وهذا الأخير- لعمري- أجودُ أنواع الرؤساء.
هذه القناعة، من جهة أخرى، تؤكد صحة الفرضية القائلة بأن الرجال الذين يحيطون بالرئيس يتناسبون، من حيث الأهمية، طرداً، مع الرئيس نفسه. ففي حالة القائد التاريخي، يمكننا أن نسمي المعاونين رجالاً تاريخيين، والعكس صحيح أيضاً.
خذ مثلاً الأستاذ علي عقلة عرسان مثلاً، فهذا الرجل بقي يحكم اتحاد الكتاب العرب في دمشق إلى ما بعد رحيل القائد التاريخي حافظ الأسد بخمس سنوات.. فلو لم يكن رجلاً تاريخياً هو الآخر لسقط، منذ زمن طويل، على دروب النضال، ولذهب، كما تذهب الأشياء الخفيفة، في نهر العاصي.
لقد شاعت في سوريا، خلال السنوات الماضيات معادلات خبيثة أراد مطلقوها أن يقللوا من شأن نظامنا التاريخي الجميل... منها أن كل سوري عمره دون النصف قرن لم يعرف سوى حزب البعث في السلطة! وكل سوري عمره دون الخامسة والأربعين سنة ولد تحت حكم حافظ الأسد! وكل سوري عمره دون أربعة عشر عاماً ولد تحت حكم بشار الأسد! وكل سوري مهتم في الشأن الثقافي لا يتذكر من هو رئيس لاتحاد الكتاب غير علي عقلة عرسان!
إن أعضاء مجلس الشعب السوري، السيناتورات، مثلاً، كلهم، من دون استثناء، شخصيات ذات وزن سياسي واجتماعي، والواحد منهم يرقى، في منطقته، إلى مرتبة "الزعيم"... ولذلك، وعلى الرغم من المحبة الهائلة التي يكنها هؤلاء السيناتورات للقائد التاريخي حافظ الأسد ومن بعده القائد التاريخي الشاب بشار الأسد، فإن تمرير أي مرسوم، أو قانون في المجلس هو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد. وقد بلغني، والعهدة على الراوي، أن العادة في المجلس قد درجت على أن يقول معظم السيناتورات حينما يُطرح أمامهم "مشروع قانون" لأول وهلة كلمة (لا)!... ثم تحتدمُ المناقشات الحامية التي يتخللها، بين الحين والآخر، تبادلُ كلمات بذيئة، وبعض اللكمات، والترافس بالأرجل، دواليك حتى يتمكن الوزير المتقدم بالمشروع من إقناع نسبة 51% منهم بأن يقولوا (نعم)، فيمر القانون، وفي معظم الحالات تكون النتيجة الرفض القاطع!
وإذا كان المتقدم بمشروع القانون، أو المرسوم، هو رئيس الجمهورية نفسه، يكون تمريره أكثر صعوبة، إذ أن لدى الأعضاء قناعة ثابتة تقول: هو رئيس وقائد تاريخي، نعم، على رأسنا، ولكن نحن أعضاء منتخبون من قبل الشعب السوري وتهمنا مصلحته.
أعضاء القيادة القطرية السوريون، لمن لا يعرفهم، أكثر صلابة وعناداً من السيناتورات المحترمين، فهؤلاء كانوا يعيشون، قبل تعديل الدستور، ضمن قناعة راسخة مفادها أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، وليس الرئيس، ولذلك كان حافظ، (ومن بعده د. بشار) يتحاشى الاصطدام بهم، ولا يزورهم إلا بشكل بروتوكولي.
(وللحديث صلة)
من كتاب "زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية