منذ العام 1948م، ظهر ما يعرف بقوات حفظ السلام الدولية التي كان سبب اختراعها وأول عملية لها هي ''التحجيز'' بين العرب والصهاينة، إبان بداية احتلال فلسطين، وحتى هذا التاريخ شاركت قوات حفظ السلام الدولية فيما يقارب 61 عملية كانت قرابة ثلثيها ذات علاقة بالعرب أو المسلمين، وكأن العام 48 كان عام ''استوطاء حائط'' العرب والمسلمين، ومنذ تاريخه لم ترفع أسوارنا قط، وبقينا ''مطسة'' لكل من يرغب ''بطسنا'' وضربنا وقصفنا وقتلنا.
الداعي لهذه الكلمات أنه برغم أن ما قلت ليس سراً، وأنه أصبح من المسلمات في عالمنا الصغير هذا أن الدم العربي والمسلم أصبح أرخص من دماء البقر التي يستعملها الإنجليز في صنع ''بودينغ الدم'' - وهو على فكرة حلوى إنجليزية حقيقة لم أخترعها أو ينسجها الخيال -، وأن الكرامة العربية كسد سوقها وانهارت بورصتها، وخسر كل من تاجر بها وأفلس، رغم ذلك كله فإن ردات أفعال العرب والمسلمين بدل أن تكون نحو حقن الدم العربي والترويج لسوق الكرامة الإسلامية تحولت نحو تكريس هذه المآسي والترويج لهذه المفاهيم.
فقبل حوالي أسبوعين قامت سيارة عسكرية أمريكية بالتوقف أمام مخفر للشرطة العراقية، حيث ثبتت المصحف الشريف على عمود ومزقته بإطلاق الرصاص عليه، وغادرت دون أن يقوم أي عسكري عراقي بالتحرك، وكل ما حدث هو أن منظمة المؤتمر الإسلامي شجبت والحكومة العراقية رفضت، وبعد مرور حوالي عشرة أيام على المصيبة قيل أن الرئيس بوش اتصل برئيس الوزراء العراقي معتذراً، - قيل أنه اتصل - أي أنه لم يلق خطاباً ولم يقم بزيارة ولم يرسل رسالة أو مبعوثاً، بل بعد عشرة أيام أو يزيد رفع سماعة الهاتف واتصل معتذراً لرئيس وزراء العراق، أما بقية المليار ومئتي مليون مسلم فليس لهم قيمة، وكأن المصحف ليس كتاباً دينياً مقدساً منزلاً من رب البشر!!! بل هو مجرد بضع وريقات قد تعني شيئاً للعراقيين وقد لا تعني.
وبعد ذلك بأيام تناقلت وكالات الأنباء خبر إلغاء غير رسمي لقرار غير رسمي كان يعمل به في الجزائر منذ مدة، ويقضي عدم قبول صور المواطنين على الوثائق الرسمية إذا كان الذكور منهم ملتحين، أو كانت الإناث يرتدين الحجاب، وبعد سنوات من تطبيق هذا القرار الذي لم نسمع به أو يدري به أحد، وكأن حكومة الجزائر ليست بعربية أو مسلمة، أو كأن شعب الجزائر ليس له ظهير أو نصير من أمة الإسلام، بعد سنوات من هذا القرار نفاجأ وبعد أن وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في الجزائر بإلغاء هذا القرار على استحياء، مما جعلنا نسمع به لأول مرة.
أما مسلمو أوروبا، فحدث ولا حرج، حيث قرر اخوتنا في ألمانيا بناء مسجد من الزجاج يُرى باطنه من ظاهره تماماً كالقصر الذي بناه سيدنا سليمان الحكيم ليستقبل فيه بلقيس، لكن الفرق أن قصر سليمان الحكيم كان علامة على قوته وعزته وقدرته، أما مسجد الألمان فهو تماماً كمسجد ''الضرار'' علامة ضعف وخنوع وتذلل، حيث أن المبرر من بناء هذا المسجد على هذه الصورة هو أن يستطيع المارة أن يروا كل ما يجري داخله لإظهار أن المسلمين ومساجدهم تسير وفق ما يحب الأوروبيون ويرتضون، وأنه لا يتم فيها أي شيء قد يثير شك أو قلق هؤلاء، ولكن يبقى السؤال العالق في ذهني: هل يا ترى بنيت المراحيض والمتوضآت التابعة للمسجد بذات الصورة؟، وهل مسكن الإمام أو خادم المسجد أيضاً يرى باطنه من ظاهره حتى يكون الأوروبيون على ثقة أنه لا يفعل في خلوته ما يثير شكوكهم؟، أو أنه لا يقع بينه وبين زوجته ما يقلق راحة الشعب الألماني؟...
أما مسك الختام، فكان ما أعلنته منظمة المؤتمر الإسلامي قبل أيام حينما قررت إعلان يوم التاسع من نيسان من كل عام ''عيداً سنوياً'' لإحياء ذكرى المجازر التي وقعت على المسلمين والعرب في مختلف بقاع الأرض ابتداء من مذبحة دير ياسين عام 48، مروراً بمجزرة سيربرينيتشا في البوسنة وليس انتهاءً بقانا وغزة.
إذن فحسب منظمة المؤتمر الإسلامي فقد أصبحت إراقة دماء المسلمين داعياً للاحتفال ومناسبة للوقوف للتذكر والاستعداد لاستقبال مجازر جديدة، بدل أن يكون يوماً لحشد صفوف الأمة، وإعلان الجهاد حتى لا نعود إلى مجازر أخرى، وما زاد الطين بلة أن المنظمة الإسلامية هذه لم تكتف بإعلان هذا النبأ، بل سارعت أيضاً إلى إطلاق الاعتذارات والمبررات قائلة: '' نحن لا نسعى وراء شيء من هذا الاحتفال إلا الوفاء لماضينا..''، أي وفاء هذا للخزي والعار؟، أم أن الخزي أصبح رفيقنا الدائم حتى أصبح الوفاء له واجباً علينا؟...
اليوم أعلنا يوم استذكار واستعداد للمجازر التي ارتكبت بحق العرب والمسلمين وتلك التي سترتكب بعد، لكن أخشى ما أخشاه أن يأتي يوم نرى فيه قادتنا وسياسيينا بكامل أناقتهم يقفون أمام الكاميرات وبأيديهم أقداح من دم أطفال ذبحوا للتو وهم يحتفلون بدمائنا التي أريقت كي يبقوا ملتصقين بكراسيهم.. ولا أظن هذا اليوم ببعيد.....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية