أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محاصرو وعر حمص وخارطة الطريق إلى "حواجز الذل"

لا توجد إشارة مرورية تدل على ذلك، ولا لافتة تنبه من يحاول العبور، وحدها قسمات وجوههم العابسة ومحياهم سيء الطالع من يقول لك: "طالما مانك موظف أو طالب ما في لا فوتة ولا طلعة".

الحصار هو الحصار، تتشابه الصورة في إطارها العام -إذا ما قورنت مع حصار سابق كما حصل مع الأحياء القديمة لحمص- وتختلف في تفاصيل كثيرة، وأهمها أن 300 ألف مدني مازالوا يرزحون حتى الآن تحت حصارٍ تختلف شدته بين فينة وأخرى تبعاً لمزاج أجهزة النظام الأمنية، إضافة إلى قصفٍ لم يتوقف منذ 18 شهرا في مربع سكني لا يتعدى بضع كيلومترات مربعة.

"الحقد وحده هو ما يدفعهم لمعاملتنا بهذه الطريقة" يقول أبو عمر (50 عاما) والموظف في إحدى مؤسسات الدولة لـ"زمان الوصل"، مشيراً بوجهٍ ينم عن غضب إلى المضايقات التي تعترض كل من يمر عبر الحواجز الأمنية الكثيرة بين الوعر وبقية أحياء حمص والتي وصل عددها إلى أربعة حواجز، مشيراً أن كل حاجز منها يتبع فرعاً أمنياً مختلفاً عن الآخر، "ولكلٍ طريقته في إذلالنا" -حسب "أبو عمر"- الذي يفصح أن السبب الأول في ذلك طائفي.

أما "سامر" الطالب في كلية الحقوق والذي تضطره الظروف للتنقل يومياً بين مكان سكنه في الوعر إلى الجامعة الواقعة جنوبي المدينة، فيتسلح كل صباح ببطاقته الجامعية التي تخوّله وحدها الخروج والدخول من وإلى الحي المحاصر,، ويصف التفتيش الذي يخضعون له بأنه "قهر إجباري علينا الخضوع له يوميا، وذلك شأن كل من يمر على الحواجز ذهاباً أو إياباً".

ولـ"نـور" الطالبة في كلية الآداب قصة أخرى لمرورها عبر الحواجز الأمنية، فهي دائماً ما تتعرض وزميلاتها لمضايقات الشبيحة الكلامية ونظراتهم "الوقحة".

وعلى هذا قد يجبرونهن على التوقف مدة أكبر عن الباقين في بعض الأحيان، ما يجعل من النزول إلى الجامعة أمراً غير مستحبٍ، فكان النزول مرة واحدة أسبوعياً للتزود بالمحاضرات الورقية هو البديل الأنسب.

دخول وخروج الموظفين وبعض الطلاب كان مصدراً رئيساً لأهاليهم لجلب بعض الخضار والمواد الغذائية إلى بيوتهم داخل الوعر من الأحياء المصنفة بالآمنة، في ظلّ حصار تتفاوت شدته بين شهر وآخر. هذا المرور اليومي من حواجز النظام خلق حوادث كثيرة رويت وتروى عمّا يمكن أن يحدث لأن أحدهم يحمل في يده كيساً يحوي كيلو من البندورة أو الخيار أو نوعا آخر من الخضار التي لم تعرفها بيوت الوعر منذ أشهر، إلا لماماً.

ومن هذه الحوادث ما روته رنيم لـ"زمان الوصل" عندما شاهدت عناصر حاجز الفرن الآلي يخيّرون أحد كبار السن بين كيس خضار يحمله بيد وبطيخة يحملها بالأخرى، فإما كيلوا البندورة التي يحملها في كيس أسود أو البطيخة.

لم تنفع كل صيحاته وصرخاته طالباً إدخال كل ما يحمل: "مشتهي الجبسي والله العظيم مشتهيها، والخضرا للطبخ ياعمي". 

إصرار الضابط لم يترك خياراً لدى العجوز إلا باختيار ما يشتهي، بترك كيس الخضار ويختار"الجبسة". تختصر رنيم ما حصل بقولها: "كل ذلّ العالم يختصر في هذه الحادثة".

زمان الوصل
(123)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي