أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

باسل التلاوي يروي لـ"زمان الوصل" كيف بترت قذيفة حاجز "ملوك" ساقيه !

في مخيم ملاطيا للاجئين السوريين بتركيا يعيش الشاب العشريني"باسل التلاوي" على ذكريات أليمة عاش لحظاتها المرعبة في ريف حمص عندما فقد ساقيه بعد أن سقطت قذيفة هاون على المنزل الذي كان يؤويه مع عدد من أقاربه، وإذا كان كابوس الإصابة قد أصبح جزءاً من الماضي بعد مرور عامين، فإن واقعه المعيشي الصعب مع عائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفل وحيد لم يكمل الشهر الرابع من عمره وتخلّي الجهات الإغاثية والمنظمات الطبية عنه مع حاجته لتركيب أطراف ذكية لأن البتر الذي تعرض له من فوق الركبتين ولساقيه الاثنتين، كل ذلك أجّج ذكرى الألم في داخله وجعل معاناته تتوالى فصولاً.

حول قصة إصابته يقول الشاب باسل التلاوي لـ "زمان الوصل":
بتاريخ 12/ 8/ 2012 عدت من لبنان حيث كنت أعمل في تلبيس الحجر إلى بلدتي تلبيسة وكان الطريق من حاجز "ملوك" باتجاهها مقطوعاً، فاضطررت للذهاب إلى قرية "تير معلة" المجاورة حيث يقطن أقارب لي، وبعد ساعات أردت الذهاب إلى تلبيسة ولكن نصحني أقاربي أن أنتظر إلى الليل لأن الذهاب إلى هناك نهاراً فيه خطورة، ويضيف التلاوي: بقيت إلى الليل، فعلمت أن الثوار سيقومون بضرب حاجز ملوك في صباح اليوم التالي، وفعلاً بدأ الثوار بضرب الحاجز فجر اليوم التالي، فألغيت فكرة الذهاب إلى تلبيسة وبقيت عند أقاربي، فبدأ الرصاص ينهمر على المبنى الذي كنا فيه وحينها نزلنا وهربنا إلى وسط "تير معلة".

وبعد أن هدأ الوضع رجعنا إلى البناية وجلسنا هناك أكثر من نصف ساعة، فعاودت قوات النظام في حاجز ملوك إطلاق النار باتجاهنا، وكنا حينها على السطح، فجلسنا على الدرج وبعد عشر دقائق سقطت قذيفة قريبة منا لم نعرف مكانها وركضنا لنجمع جثث الأطفال ونسعف من أصيب منهم، علماً أن المبنى كان يضم حوالي 50 شخصاً مابين رجال ونساء وأطفال.

ويضيف الشاب باسل: خلال دقيقة كان عمي وابنته بجانبي فسقطت قذيفة بجانبنا فارتميت أرضاً واعتقدت للوهلة الأولى أن القذيفة قد خرقت السقف من الأعلى وعندما نظرت إلى أسفل جسدي رأيت قدميي مقصوصتين من الركبتين وعندما صرخت من الألم جاء عمي يصيح: (ما بك يا باسل) فقلت له إني أصبت، فحملني وبدأ ينزل بي على الدرج وعندما وصل إلى أوله سقطت قذيفة أخرى فتهاوى الدرج وأصيب عمي ولم أعد أراه.

ألم لا يطاق !
ويردف باسل وهو يستعرض شريط ذكرياته المؤلمة: خلال ثوانٍ جاء رجل من أهل القرية وحملني على ظهره ووضعني في مكان غير مدمر من الدرج المستهدف، وطلبت منه أن يتركني ويذهب ولكنه أصر على البقاء معي، وبدأت بنطق الشهادة، فالألم الذي كنت أعانيه لم يعد يطاق وظننت أنني سأفارق الحياة في أية لحظة وبعد خمس دقائق عاد ذات الشخص إلي وحملني على ظهره وخرج بي من مكان ضيق أسفل الدرج، ومشى بي مسافة تقارب الـ100 م مقابلة لحاجز ملوك، وبدأ يصيح (بدنا سيارة.. بدنا سيارة)، وبعد قليل جاء شاب يركب على دراجة نارية فحملني وراءه مع الشخص الذي أسعفني إلى المشفى الميداني في "تير معلة" فأدخلوني إلى الإسعاف وكان هناك عشرات الإصابات ولكن حالتي كانت الأخطر بينها، فأفسحوا المجال لإسعافي أولاً. 

وسألني الأطباء إن كنت مطلوباً فقلت لهم لا لأني قبل إصابتي بيوم جئت من لبنان، وعندها أغمي علي فتم إسعافي إلى مشفى البر والخدمات الاجتماعية وهناك أجريت لي عملية بتر للقدمين. 

شظية في القدم
ويتابع المصاب التلاوي: عندما كنت في العناية المشددة أفقت حوالي الساعة الواحدة ليلاً مرعوباً على صوت انفجار ضخم وركضت الممرضة إلي وهي تقول لي (الحمد لله على السلامة).

وقالت لي أنت في مشفى البر بحمص وهذا الصوت من الكلية الحربية وأضافت: (من هون بيضربوا عليكن) ويردف التلاوي قائلاً: بعد تخريجي من مشفى البر والخدمات الاجتماعية ذهبت إلى أهلي الذين لجؤوا إلى الحولة وتم الإشراف علي بالمنزل من قبل ممرض من قرية عقرب، وبعد حوالي شهر فككت القطب، وبقيت إحدى قدمي تؤلمني وذهبت إلى دكتور جراح في الحولة فطلب لي صورة أشعة، وبعد أن رأى الصورة قال لي سوف نفتح الجرح وبعد فتح الجرح فوجىء بشظية من المتفجر باقية داخله فانتزعها، وكذلك فتح القدم الثانية ولكن لم يجد فيها شيئاً، وبعد مرور شهر على العملية بقي الألم في الساق الثانية، وذهبت إليه وإذ بالمتفجر الثاني مازال موجودا فيها.

هذه الإصابة البليغة التي فقد باسل على إثرها قدميه لم تؤثر على معنوياته وحبه للحياة والتفاؤل فتزوج بعد إصابته بشهر ورزق بطفل أصبح في الشهر الرابع من عمره الآن، ولكنه كما قال يخشى أن لا يتفهم الطفل عندما يكبر وضع والده ويراه عاجزاً لا يقوى على شيء.

ويضيف التلاوي: أعيش في مخيم للاجئين بتركيا منذ أكثر من عام وتم تركيب أطراف صناعية لي من قبل الأتراك، ولكنهما غير مريحتين للمشي لأنهما ركبتا من فوق الركبتين، ويتابع باسل قائلاً: راجعت الأطباء الذين قاموا بتركيب الأطراف لي فقالوا لي: ( هدول الأطراف هيك وهاي قدرتنا) وإن ما يسمى بالأطراف الذكية لا يركبونها إلا للرياضيين عادة. 

عشرة آلاف يورو للطرف الصناعي الواحد !
ويتدخل صديق المصاب "باسل التلاوي" الناشط "نضال العكيدي" ليقول إن مثل هذه حالة باسل تكون تكلفة الطرف الواحد فيها قرابة عشرة آلاف يورو تقريباً، وقد تكلمت بشأن حالته مع عدة جهات ومنها الائتلاف فقالوا لي إن المبالغ التي تأتي إلينا صغيرة ويمكن استخدامها لعدة أشخاص وليس لشخص واحد، مع العلم أن هذا الشخص المبتور –يقصد باسل- حُرم ربما أن يرى الشارع ويشاهد الأصدقاء وأن يقضي حاجاته بنفسه، وليس بمقدوره أن يقوم بعمل يؤمن منه بعض الليرات التي تساعده في تأمين قوت عائلته.

ويستدرك قائلاً: إن باب الشحاذة وإثارة الشفقة عند بعض المحسنين هو الباب الوحيد حتى يبقى على قيد الحياة ويربي طفله الذي ربما يلهيه عن ألم الجرح وكبر المصاب.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(163)    هل أعجبتك المقالة (146)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي