أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حزيران بين استسلام الأنظمة ومقاومة الأمة .... بلال حسن التل

يومان يفصلان بيننا وبين الذكرى الحادية والأربعين لهزيمة النظام الرسمي العربي في الخامس من حزيران 1967م. تلك الهزيمة التي كشفت زيف كل ادعاءات هذا النظام التي ملأ بها سماء الأمة وأصم بها آذان أبنائها وعمى أبصارهم حتى إذا ما حانت لحظة الحقيقة فتح الناس عيونهم على سراب الأوهام التي بددها اجتياح العدو خلال بضع ساعات لأراضي عربية واسعة صار استرجاع جزء منها هو هم النظام الرسمي العربي الذي نسي تماماً جوهر القضية. أعني فلسطين التي احتلت أجزاء منها عام 1948م، وصارت كلها محتلة عام 1967م.

صحيح أن النظام الرسمي العربي حاول أن يتماسك وأن لا يعترف بالهزيمة التي سمّاها ''نكسة''؛ فكانت لاءات الخرطوم الثلاث: '' لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات''، لكن هذا التماسك لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما دخل هذا النظام سرداب المفاوضات السرية والعلنية؛ فكان جوناريارنغ وواسطته وكان روجرز ومبادرته، ثم جاء كيسنجر وجولاته المكوكية وظل النظام العربي الذي تهاوى عسكرياً في الخامس من حزيران 67 يسقط سياسياً رويداً رويداً حتى غرق في مستنقع الهزيمة من رأسه إلى أخمص قديمه، وصار السلام خياره الإستراتيجي الوحيد، وهو الخيار الذي أدار له العدو الإسرائيلي ورعاته من الأمريكان والأوروبيين ظهورهم، بعد أن أخذوا من النظام الرسمي العربي كل شيء، بما في ذلك الصلح والاعتراف مقابل لا شيء اللهم إلا حرص هذا النظام على بقائه ولو ذليلاً مهزوماً هزيمة مزدوجة عسكرياً وسياسياً، وربما كانت هذه الهزيمة المزدوجة للنظام الرسمي العربي ضرورية للتتم المفاصلة النهائية بين خيارات الأمة وضرورات حكامها، ففي اللحظة التي كان هذا النظام يعلن فيها هزيمته ليلقي فيما بعد 99 من أوراق الحل في السلة الأمريكية كان الخلص من أبناء الأمة ينهضون للدفاع عن خياراتها وفي طليعتها المقاومة لتحرير الأرض، وهكذا انطلقت الثورة الفلسطينية بعنف وعنفوان بعد الخامس من حزيران، وظلت محافظة على ألقها واندفاعها بمقدار ابتعادها عن ضرورات النظام الرسمي، حتى إذا ما أصبحت جزءاً منه سقطت هي الأخرى في مستنقع الهزيمة عبر أوسلو وغير أوسلو.

ولأننا أبناء أمة لا تموت ولا تستسلم للهزائم التي يصنعها الحكام، فقد كان لزاماً أن تلد الأمة من يظل رافعاً لراية المقاومة مطالباً بحقوق الأمة ساعياً لتحرير ترابها، فكانت حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' وكان معها ''الجهاد الإسلامي'' وما تبقى معهما من قوى وطنية ترفض التفريط بحقوق الأمة. مؤكدة أن المقاومة هي خيار الأمة ووسيلتها لنيل حقوقها وليأتي الدليل القاطع على هذه الحقيقة من لبنان وعلى يد حركة المقاومة الإسلامية ممثلة بحزب الله الذي جدع أنف العدو وكسر ظهره وأجبره عام 2000 ولأول مرة في تاريخه على الانسحاب من أرض عربية دون قيد أو شرط ليعيد الحزب الكرّة عام 2006م، عندما أجبر العدو الإسرائيلي على التراجع مهزوماً عن تحقيق أهدافه التي وقف العالم كله وفيه بعض العرب لمساندته على تحقيق هذه الأهداف وفي مقدمتها رأس حزب الله الذي خرج من المواجهة مرفوعاً، فخاب كيد العدو ومن ناصره.

خلاصة القول: إن هزيمة حزيران 1967م كانت أخر الهزائم التي يصنعها النظام الرسمي العربي لأمتنا ويفرط من خلالها بالأرض والعرض والمقدسات؛ فبعد حزيران استطاعت الحرب الشعبية ممثلة بالمقاومة سواء في فلسطين أو لبنان أن تلحق هزائم متتالية بالعدو حتى أوصلته هذه المقاومة الباسلة إلى درجة غياب اليقين بقدرته على الاستمرار على قيد الحياة، والذين يدققون فيما يصدر من تقارير إستراتيجية عن دوائر العدو يلمسون دون كبير عناء حجم القلق والخوف في دوائر هذا العدو على مستقبله وتخوفه من زوال كيانه، وهذا الزوال بالنسبة لنا حتمية قرآنية لا بد أن تتحقق على يد المقاومة التي صارت خيار أمة ونهج مرحلة.

بعد يومين سيحتفل العدو بذكرى انتصاره على النظام الرسمي العربي. كما احتفل قبل ثلاثة أسابيع بالذكرى الستين لقيام كيانه المغتصب فوق أرض فلسطين، لكن هذا الاحتفال سيكون بطعم مر، ذلك أن هذا العدو يعرف قبل غيره أن أمتنا قد حددت خيارها؛ فإذا كان السلام هو الخيار الإستراتيجي الذي يلبي ضرورات حكامها فإن المقاومة هي خيار الأمة التي تلبي أشواقها وقد صدقت المقاومة وعدها لأمتها، فلم تخيب ظنها ففي أيار الذي قام فيه كيان العدو هزم حزب الله هذا الكيان فهبت رياح النصر على أمتنا من جديد، وصار عبق الشهادة ينادي المزيد من شبابها للانخراط في صفوف المقاومة التي سيتحقق على يدها وعد الأخرى و يرونه بعيداً ونراه قريباً.....

اللواء

(110)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي