بعد نشوء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2012، خرجت أصوات تدعو إلى توسعة الائتلاف وإدخال مكونات سياسية جديدة تُغني واقع المؤسسة المعارضة.
إثر هذه الدعوات ونظراً لوجود عوامل أخرى، تمت التوسعة بإدخال 3 كتل سياسية جديدة في شهر مايو/أيار من عام 2013، هي الكتلة الديمقراطية التي يترأسها السيد ميشيل كيلو، وكتلة هيئة الأركان في الجيش السوري الحر، وكتلة الحراك الثوري المدني. أصبح العدد الكلي لأعضاء الائتلاف ١٢١ عضواً بعد التوسعة الثانية التي انضم فيها ممثلون عن المجلس الوطني الكردي.
كان السيد ميشيل الشخصية الأبرز في التوسعة الأولى للائتلاف. انضم هو و14 شخصاً آخرون من أعضاء الكتلة الديموقراطية، فيما عدّهُ حدثاً عربياً وإقليمياً وعالمياً، ليشغلوا أدوارهم كأعضاء في الهيئة العامة للائتلاف، وهي المرجعية لكل المؤسسات التابعة، كالحكومة المؤقتة وهيئة الأركان في الجيش السوري الحر وغيرها. هي الجهة نفسها التي تنتخب الهيئة الرئاسية (الرئيس، الأمين العام، نواب الرئيس، أعضاء الهيئة السياسية)، كما أنها المخوّلة بمنح الثقة وحجبها، وتعديل المواثيق والتصويت على القرارات. باختصار، هي الجهة التشريعية المقررة والرائدة في هذه المؤسسة التي نشأت في ظروف إقليمية معقدة ومتغيرات ميدانية جذرية كانت تصب حينذاك في مصلحة الثورة وأهلها.

بعد وصول الكتلة الديموقراطية إلى الهيئة العامة، عمل السيد ميشيل مع باقي ممثلي الكتلة، بشكل دؤوب للوصول إلى منصبي الرئاسة والأمانة العامة، من خلال الفوز بتأييد غالبية أعضاء الهيئة. كانت تحركاتهم منطقية وواضحة، هي أبسط ما تعارفت عليه التجارب الديموقراطية.! صحيحٌ أنني تحفظت ضمناً، وأؤكد، ضمناً، أي في البيت الداخلي، على محاولات استقطاب غير سليمة وتشوبها مواطن الخلل، إلّا أنني اعتبرتها جزءاً من العملية الديموقراطية، وعليّ، كما هو حال بقية الأعضاء، الالتزام بنتائجها، والقبول بها، والسير مع من يحوز ثقة الغالبية، في الطريق الواضح، نحو الهدف الجامع، متمثلاً في قيادة ركب الثورة وتمثيل الشعب السوري والسعي بكافة الوسائل الممكنة لتعجيل إسقاط نظام الأسد المجرم.
فاز السيد أحمد الجربا برئاسة الائتلاف، بدعم من كتلته (الكتلة الديموقراطية) التي حظيت بالنصيب الأكبر من شغل المقاعد السيادية في انتخابات يوليو/ تموز 2013. وكان السيد ميشيل، كما يعلم الجميع، عرّاب تلك المرحلة وما تلاها حتى الانتخابات الرئاسية الثانية التي فاز بها السيد أحمد أيضاً.
وظلّ الرجل يلعب دوره بعناية فائقة، ويسعى، حسبما يقول ونعتقد، لتعزيز مكاسب الثورة السورية، وإنشاء التحالفات، وتعزيز مكامن القوة الدبلوماسية. إلّا أن تلك السياسة انعكست سلباً على الداخل السوري. قصف نظام الأسد الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي واستشهد أكثر من 1400 شخص خنقاً جُلّهم من النساء والأطفال، ولم يحرّك المجتمع الدولي ساكناً. ما فعله، هو سحب أداة الجريمة بعملية تنقيط "مخزية"، وبقي القاتل طليقاً. خسرت الثورة مواقع متقدمة كثيرة بدءاً من تلكلخ في حمص مروراً بالقصير وحمص القديمة، ويبرود وكثير من نقاط جرود القلمون، ومناطق عدة في حلب وريفها. معركتان استراتيجيتان في الساحل تُركت إحداهما لقوى التطرف التي ما لبثت أن تخلت عن مواقعها، وأخرى صمد أبطالها بشكل أسطوري أمام آلة قتل البرّ والبحر والجوّ الأسدية حتى انسحبوا من آخر المواقع في كسب.
في تلك السنة، وفي سياق التعليق على الاستراتيجيات العامة؛ بدأ الائتلاف ينحسر شعبياً شيئاً فشيئاً. كل إنجازاته صبّت في دائرة الفعل السياسي والعمل التنظيمي، ابتعد عن الأرض لتتهيأ الظروف الملائمة أمام قوى التطرف المزدوج (النظام وميليشياته، وداعش) لتتقدم أكثر فأكثر. هي ذات السنة التي كان فيها السيد ميشيل على رأس الكتلة الديموقراطية واقفاً إلى جانب السيد أحمد الجربا ومسانداً له، قبل أن يبدأ الأول بالتهجم على الثاني ومعه الكتلة التي كان الأول عرّاب تأسيسها وقيادتها.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول العام الفائت، انتخبت حكومة مؤقتة ترأّسها السيد أحمد طعمة. ما لا يعلمه الكثيرون بأنني، مع بعض الزملاء، رفضنا المشاركة في حكومةٍ لعب السيد ميشيل كيلو وجماعة الإخوان المسلمين الدور الأبرز في تشكيلها والتسويق لها، بسبب علمنا المسبق بأن المعايير التي قامت عليها لا تنذر إلا بالفشل. مؤخراً، أي بعد 10 شهور من عمر الحكومة، كنّا من مناصري التصويت على إقالتها، بعد محاولات عدة للإصلاح والتوجيه والتنبيه (قدمت تقريراً مفصلاً لرئيس الحكومة عن أداء الحكومة في الربع الأول من العام 2014 مرفقاً بتوصيات، إلّا أنّ رداً منه لم يأتِني). وتم التصويت بإقالة الحكومة، والدعوة لاختيار غيرها في فترة لا تتجاوز الشهر.
المعايير التي قامت عليها الحكومة السورية المؤقتة السابقة غير مقبولة، ونحن اليوم أمام استحقاقات كثيرة ليس آخرها الحكومة، إلا أنها أولوية. الواجب اليوم يتجسد في عدة نقاط:
● أن تنتقل الحكومة إلى داخل سوريا وتعمل هناك وتبني لها مقراً دائماً، سيّما بعد صدور القرار /2165/ عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14 يوليو/ تموز العام الجاري، والذي يسمح بإدخال مساعدات إنسانية من معابر حدودية تسيطر عليها فصائل الثوار.
● اختيارها كحكومة "تكنوقراط" توافقية بين جميع المكونات السياسية، على أن تضم في تشكيلتها التنظيمية أصحابَ الكفاءات من الخبراء والفنيين فقط، دون إعمال أي اعتبارٍ آخر.
● أن تعمل جنباً إلى جنب مع كتائب الثوار وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وشركائها الإقليميين، ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية ومنظمات الإغاثة الإنسانية.
في الولاية تلك، وأتحدث عن ولاية الكتلة الديمقراطية كمؤسسة أنشأها قيادي بارز وشخصية نافذة وذات سمعة عريضة، ذهب الائتلاف إلى مستنقع مؤتمر جنيف2 الذي عارضته بشدة، ونأيت عن المشاركة فيه أو حضور التصويت على قرار الذهاب من عدمه، لأسبابٍ تتعلق بطبيعة الظروف الإقليمية والدولية واختلال توازن القوى، وغياب الضمانات وعدم إتمام إجراءات بناء الثقة.. إلخ، وقد وضّحتها حينذاك. وكلكم يعرف النتائج التي انتهى إليها جنيف2.
بعد عامٍ كامل، عادت الهيئة العامة لانتخاب السيد هادي البحرة رئيساً بدعم الكتلة الديموقراطية، إثرَ عقد جلسات تشاوريةٍ حضرتُ معظمها، وبقيت أسعى لتحقيق التوافق الشامل بين جميع المكونات حتى آخر لحظة. كان السيد ميشيل أكثر من تحدثت إليهم ولكن دون جدوى. وصلنا في النهاية إلى توافقٍ شبه كامل. هذا التوافق لم يكن أبدأً على أساس التوزيع أو المحاصصة (والنتائج تبرهن ذلك)، هو توافق على الأهداف، والتقاء على أرضيات مشتركة، وفق استراتيجيات واضحة ومواقف معلنة حيال مجموعة من القضايا، كان على رأسها انتقال الائتلاف لصب جلّ جهوده في العمل بالداخل السوري، وتحويل الحكومة المؤقتة إلى داخل سوريا، وتوجه الائتلاف بشكل أكثر واقعية وقوة إلى المجتمع الدولي.
تفاجأت بهجوم السيد ميشيل على أعضاء كتلته أولاً وبقية أطراف التوافق ثانياً، وكنت قد حظيت بالجزء الأكبر من الاهتمام بعد السيد أحمد الجربا.
جملٌ قصيرةٌ خطّها السيد "كيلو" في مقالته بصحيفة العربي الجديد، يرميني فيها بأوصاف أستحي ذكرها، وهو أكثر العارفين بحجم الانتقادات والخلافات التي كانت قائمة بيني وبين الكتلة الديموقراطية أثناء وجوده على رأسها، بسبب حالة الإقصاء والتهميش والانفراد بالقرار التي كانت تقودها الكتلة في مواجهة بقية المكونات. واليوم أصبحت الكتلة الديموقراطية -بلا ميشيل كيلو- عنوان الإقصاء بتوافقها النسبي مع مصطفى صباغ.!
ما ذكره السيد ميشيل كيلو في مقالته الأخيرة يحتوي مخالطات ومغالطات عديدة، ولكن ما يعنيني ويؤلمني حقاً، هو تهجمه على الثورة السورية، والقول بالإجهاز عليها، والدعوة الغريبة لوهن العزائم بالحديث عن انتصار لـ (دولة الأسد، دولة داعش، دولة النصرة). تحيّرني رطانة العبارات التي ساقها السيد ميشيل في حديثه عن الجيش السوري الحر ومصير الثورة. وأتساءل أمامه، كما يتساءل آلاف السوريين اليوم، لِمَ تخطو بهذا الاتجاه الذي لا يليق بك.؟
يخيب الأمل، إذا ما صار دعاةُ الإصلاح والاجتماع، دعاةَ حربٍ ومبارزات خاسرة لا ينتصر فيها رابح إلّا انتصارَه لنظام الأسد. ومع علمي بأن كثيراً من مكامن الخلل ستبقى إلى أجل، إلّا أن الثورة أحقّ بأن نتوافق لأجلها، لا أن نتفق عليها.
سياسي سوري - شغل منصب الأمين العام للائتلاف الوطني سابقاً
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية