أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في نقد الحكومة والائتلاف..صراع المصالح والصلاحيات... عماد غليون

موقف الجربا الحاد من طعمة جاء على أرضية الاختلاف معه في تفسير الصلاحيات الممنوحة له ولحكومته

ذكرني اختيار عنوان المقال بكتاب في نقد ملكة الحكم لإيمانويل كانط؛ وكأننا بحاجة لطاقات فكرية وفلسفية ودراسات أكاديمية لنفهم كيف تقوم مؤسسات المعارضة بعملها وماهية العلاقات فيما بينها؛ وربما أكثر من ذلك نحتاج لشروح وتوضيحات وحواشي لا تنتهي.

لا ينفع في مجالات العمل الإداري والتقني التبرير للمعارضة بإسطوانتها المشروخة عن التصحر السياسي السابق الذي عاشته طيلة أربعة عقود تحت سطوة النظام الأمنية.

منذ ثلاث سنوات بدأت المعارضة بتشكيل أجسامها المتعددة السياسية والإنسانية ومع ذلك لم تستطع تقديم تجربة واحدة ناجحة حتى الآن؛ وغالبا ينسب المعارضون الفشل لظروف موضوعية فقط متعلقة بقلة الدعم الذي يتلقونه؛ دون الحديث أو الخوض في الأسباب الذاتية المتعلقة بهم والتي منعتهم خلال سنوات من القيام بعمل منظم وتجاوز خلافاتهم ومصالحهم وارتباطاتهم الإقليمية.

مشكلة المعارضة منذ البداية هي عدم وجود رؤية سياسية ثابتة واضحة لديها وتغير ذلك وفق الداعمين ومصالحهم؛ ولكن السيئ هو انتقال هذا التشويش لميادين العمل الأخرى التي يفترض أن يكون التكنوقراط لا السياسيين هم الذين يديرونها.

كرر الائتلاف عند ولادته التجارب الفاشلة والأخطاء السابقة في إنشاء المجلس الوطني والأجسام الأخرى وبني على نقطتين أساسيتين هما الاستقطاب والمحاصصة السياسية.

الذين سعوا لإنشاء الائتلاف كانوا يريدون تحويله كممثل وحيد وشرعي معترف به للثورة السورية؛ رغم عدم انبثاقه من انتخابات أو تمثيل حقيقي؛ وهذا أقرب لاعتبار الائتلاف كبرلمان أو سلطة تشريعية وتنبثق منه حكومة تنفيذية مؤقتة.

صفة الاستعجال في الأمور الأساسية والمهمة ملازمة لعمل المعارضة، وقد تم الإعلان عن ولادة الائتلاف دون وضع احتمال عدم تنفيذ الوعود الكبيرة والمبالغ فيها موضع التنفيذ؛ ومن أجل الإسراع في الإعلان تم التغاضي عن وضع الأنظمة واللوائح الضرورية لتأمين حسن سير العمل.

لم يلتقط الائتلاف لحظة الدعم الدولي الواسع له ويقوم بتشكيل حكومة على الفور؛ وبعد أشهر من التجاذبات قام بتكليف غسان هيتو لتشكيل الحكومة ومن ثم تركه أشهرا أخرى طويلة ينتظر قبل أن يقوم بإلغاء تكليفه وإقالته قبل تشكيله للحكومة وبدون الاستماع حتى لبيانه الوزاري أو التصويت على وزراء حكومته.

بعد جهود شاقة استطاع الدكتور أحمد طعمة تشكيل الحكومة المؤقتة متجاوزا الخلافات والاستقطابات الواسعة عبر تنازلات تم تقديمها من أطراف الائتلاف لكنها بقيت قلقة وقابلة للانفجار في أي وقت.

لم يكن توقيت إعلان الحكومة المؤقتة جيدا وسط السعي الدولي المحموم لعقد مؤتمر جنيف2؛ ولذلك لم تلق الاهتمام والدعم الكافيين والمناسبين من دول الأصدقاء؛ ولكن حكومة قطر قدمت لها دعما جيدا بمبلغ 50 مليون دولار مما سمح لها بمباشرة أعمالها؛ وسرعان ما بدأت الخلافات بين صفوف الائتلاف تنتقل لصفوف الحكومة وتؤثر في عملها.

ما ساهم بتفاقم الخلافات بين الائتلاف والحكومة هو عدم وجود أنظمة ونصوص ولوائح توضح شكل وطبيعة العلاقة بينهما؛ فلو نظرنا للائتلاف كسلطة تشريعية فهذا يعني عدم تدخله في عمل الحكومة ولكنه يستطيع محاسبتها وإقالتها طالما أنه هو من أجازها بالأصل.

قرار طعمة الأخير بإقالة رئيس الأركان والمجلس العسكري الأعلى وإحالتهم للتحقيق؛ كانت الحلقة الأخيرة في مسلسل الحكومة؛ وعلى الفور أوقف رئيس الائتلاف الذي شارفت ولايته على الانتهاء السيد أحمد الجربا تنفيذ القرار.

موقف الجربا الحاد من طعمة جاء على أرضية الاختلاف معه في تفسير الصلاحيات الممنوحة له ولحكومته من الائتلاف؛ ففي حين يريد الجربا تبعية الحكومة الكاملة للائتلاف تنفذ السياسات المرسومة لها؛ حاول الطعمة التخلص من طوق الجربا عليه، ولكن قراره الأخير وتوقيته كان ولا يزال مثار تساؤلات. 

يدرك طعمة بلا شك مستوى الصلاحيات الممنوحة له وأنها لا تخوله إقالة رئيس الأركان والمجلس العسكري، فلماذا أقدم على هذه الخطوة في الأيام الأخيرة قبل انتهاء رئاسة الجربا للائتلاف؟ 

يتحدث البعض عن سيناريوهات محتملة كان سيقوم بها الجربا وأن خطوة طعمة كانت استباقية وقائية عطلت تحرك الجربا؛ وحسب التوقعات كان الجربا يريد إعلان حكومة ثورية عسكرية ونزع شرعية الائتلاف وإسباغها عليها.

حدثت حالة من التهدئة بين الحكومة والائتلاف خلال عملية انتخاب رئيس جديد للائتلاف؛ وبدت الأمور للوهلة الأولى بعد انتخاب هادي البحرة رئيسا جديدا للائتلاف تتجه باتجاه تصويب عمل الحكومة لا إقالتها وخاصة بعد اللقاء المفاجئ بين رئيس الائتلاف الجديد هادي البحرة ورئيس الحكومة الدكتور أحمد طعمة؛
لكن بعض المقربين من الجربا نقلوا عنه إنه أقسم بإزاحة طعمة عن رئاسة الحكومة مهما يكن الثمن.
في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف تمت إقالة حكومة طعمة بأغلبية 66 صوتا، وبذلك يكون الجربا قد نفذ وعده ولم يحنث بيمينه؛ وتأكدت هيمنته وسيطرته على القرار السياسي والتنفيذي للائتلاف عبر كتلته التي باتت الأكبر بعد الاصطفافات والانزياحات الأخيرة في صفوف الائتلاف.

تمت إقالة الحكومة بحجة التقصير والإهمال وكان من المفترض أن يتم إجراء نقاش خاص حول ذلك يتضمن خطة كل وزارة وما أنجزت منها وأين قصرت وأهملت وفي حال ثبوت ذلك يتم تقييم العمل ومن ثم التصويت بالإقالة أو عدمها؛ وبالمحصلة من تقييم أداء الحكومة ككل يتم التصويت بالثقة على رئيس الحكومة؛ لكن انتهاء العملية بهذا الشكل يؤكد الجانب الكيدي بشكل رئيسي وهو مؤشر غير جيد لعمل الائتلاف في المستقبل.

المصيبة في التسريبات من جماعة الجربا عن ملاحظاتهم وانتقاداتهم للحكومة وهي عبارة عن مجموعة من الملاحظات العامة غير الموثقة والتي تتحدث تارة عن تقصير وإهمال وتارة عن اتهامات؛ وكان الأولى أن يتم النقاش مع الحكومة حولها وإطلاع الرأي العام على الحقيقة فهذا حقه الأصيل. 

أعلن الائتلاف عن تشكيل حكومة جديدة خلال شهر دون أن يضع جدولا لتنفيذ ذلك؛ فكيف يمكن الحديث عن حكومة جديدة ولم يتم انتخاب رئيس مكلف بتشكيلها حتى الآن؛ وفي ظل تجارب الائتلاف السابقة لا يمكن لحكومة جديدة أن تبصر النور دون مخاض عسير، ولو حصل ذلك مرة واحدة فهذا يعني أن الجربا استطاع مصادرة الائتلاف بالفعل وهذا بحد ذاته بداية لإعلان وفاة الائتلاف.. في سبيل الجربا.

من كتاب "زمان الوصل"
(118)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي