أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لبنان انتصر فلنبارك للجميع..... مهى عون

 

            قد يعتبر البعض هذا التبريك تبسيط للحالة القائمة،أو تمادي وتسرع في التفاؤل. ولكن من دون الأستعانة بشعار "تفاءلوا بالخير تجدوه"، تقول القاعدة العامة بأن الشارع هو خير معيار وأفضل مرجع وأدق مقياس. وإذ نحتكم للشارع نراه وقد قال كلمته في الاتفاق المبرم في قطر. فلسان حال المواطن اللبناني العادي غداة هذا الاتفاق يقول بأن بداية النهاية بدأت تلوح في الافق المظلم والملبد حتى البارحة بغيوم سوداء. لقد قال اللبنانيون لزعمائهم : "كفى لا تعودوا من قطر دون اتفاق". وسمع الله دعاءهم وصرخات استغاثتهم، حين كانوا يتخبطون في براثين ثعابين الحرب الاهلية، والتقاتل الأخوي.ولسان حال المواطن يقول اليوم أنه لا بد من وضع حد نهائي لهذه السجالات والمبارزات العكاظية التلفزيونية،والتي احتلت محطات الارسال الارضية والفضائية، والتي لم تنجح سوى بازكاء روح التفرقة والكراهية المحفزة على التقاتل والاحتراب.

       لقد تنفس اللبنانيون الصعداء بعد أن فتحت الطرقات، ورفع الاعتصام، واندفع اصحاب المحلات التجارية إلى متاجرهم، بفرح عارم وارتياح شامل  كان بادياً على محيا المعتصمين  قبل غيرهم من المواطنين، يؤكد ذلك هرولتهم للملمة أغراضهم وحاجياتهم وخيمهم من الشارع، وكأن  وجودهم في الشارع كان يشكل عبأً وثقلاً عليهم قبل سواهم. فبدو مسرعين وكأنهم خجولين ونادمين على كل الضرر الذي ألحقوه باقتصاد وطنهم بشكل عام، والذي انعكس فقراً وتعتيراً داخل بيوتهم وعائلاتهم وعائلات جيرانهم وإخوانهم في الدين والوطن.

            وبغض النظر عن عملية التقييم لهذا الاتفاق الذي تم في قطر، المهم  أن اللبنانيين بغالبتهم، هم راضون عنه، وقد يكون آخر همهم معرفة  نسبة تفوق فريق سياسي على آخر عند أتمامه،  بل جل ما يهمهم أن ينصرفوا إلى أعمالهم، وحياتهم العادية. لقد ظن اللبنانيون أن الحرب الاهلية ذهبت إلى غير رجعة واكتشفوا بعد الاحداث الأخيرة أن جزأً كبيراً منهم ما زال يدار ويحرك غرائزياً ومذهبياً، وعلى الرموت كونترول. لذا رأينا هذه الردة الفعل الشاملة والشاجبة عند مختلف شرائح المجتمع اللبناني،تجاه هذا التقاتل الأخوي محفوفاً بمشاعر الاشمئزاز والقرف، وصولاً إلى الياس، والرغبة العاتية للهروب بعيداً، ومغادرة أرض الوطن إلى غير رجعة.

            فمبروك للبنانيين اللذين اندفعوا إلى قلب العاصمة الذي نفض عباره ورماده مثل طائر الفنيق، حتى يستقبل بأبهى مظاهره، المواطنين الذين توافدوا اليه زرفات وجماعات،تسبقهم إلى ساحاته ومطاعمه ومقاهيه فسحة من الأمل ما زالت تختلج وتتخمر في قلب كل مواطن يحب الحياة في هذا البلد المميز. مبروك لهم عودة زعماؤهم إلى المؤسسات الدستورية ، وإن شكلياً في هذه المرحلة الأولية. لا بأس. ألمهم أن نتدفع عجلة الحياة الطبيعية وكل شيء يمكن أن يحل على البارد في المستقبل. والاحداث الاليمة بالرغم من قساوتها سوف تشكل أمثولة جديدة للذين ما زالوا ينجرون وراء تصرفات عشوائية ومتهورة.

            تبقى مسالة سلاح حزب الله والتي ما زالت تقض مضجع اللبنانيين، وتنغص فرحتهم وتقلقهم على المصير بسبب احتمال عودة استعمال هذا السلاح في الداخل، وتوجيهه من جديد إلى صدور الاشقاء والاخوة في الوطن. ولكن عليهم أن ينسوها حالياً بل ويتناسوها، حتى يسلموها للرئيس الجديد، وهو كفيل بحلحلتها وتذليل كل تعقيداتها، بالتعاون مع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، والذي برهن عن جدارة فائقة وسعة صدر واتزان مميز في تعامله مع الازمة السابقة التي شلت كل مقدرات البلد وأنهكت الاقتصاد وأفقرت الشعب. وكل الأمل أن ُيثبت الاتفاق الذي تم برعاية أمير قطر حفظه الله، بدعم والتفاف اللبنانيين حول هذا الطاقم القيادي الجديد القادر والعادل.

            وإلذي ُيطمئن على المستوى السياسي هو حصول مبادرة دعوة السياسيين اللبنانيين إلى قطر غداة لقاء مطول كان قد جمع وزير خارجية قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، إلى الرئيس السوري بشار الأسد. أي أن هذا الاتفاق قد تم بشبه رعاية الرئيس السوري، بما معناه أنه من غير المحتمل أن يعمد إلى دكه وتفشيله كما جرت العادة، عبر وسائله اللبنانية الخاصة. وفي صدد التساؤل حول دوافع رضى الجانب السوري، وحول ما يمكن أن يجنيه من مكاسب نتيجة إرخاء قبضته على الساحة اللبنانية، بمعنى "تخليه" النسبي عن حلفائه في الداخل اللبناني، فالمستقبل هو كفيل باظهارها. وهو مستقبل لم يتأخر كثيراً. والدليل  أنه لم يجف حبر اتفاق الدوحة بعد، حتي أعلنت  تركيا وعلى لسان الاطراف المولجة بملاحقة عملية السلام بين سوريا واسرائيل عن نيتها في تسريع مسار هذه المفاوضات. وبالنسبة للولايات المتحدة فلقد جاء موقفها شبه إيجابي وإن ببرودة أما وقد شجعت وزيرة  الخارجيته كوندوليزا على المضي في تطبيق بنود هذا الاتفاق. دون أن ننسى أيضاً كيف سارعت حكومة اولمرت إلى الاعلان وبعد ساعات معدودة على إتمام الاتفاق عن نيتها في المضي قدماً في عملية السلام حتى ولو كلفها ذلك الأثمان الباهظة ليس أقلها كما ورد على لسان الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية، هضبة الجولان.

         فهل نعود عبر هذا الطرح لربط مصير لبنان بالعوامل الاقليمية؟ لا يهم . المهم أن لبنان سوف يستفيد هذه المرة من مسار التقدم في عملية السلام. واتفاق الدوحة إن يطمئن إلى أمر، فهو يطمئن إلى غياب احتمال تحميل لبنان هذه المرة أوزار وأثمان السلام الآتي، كما كان يطرح إبان المفاوضات السابقة. بل بالعكس كل المؤشرات تدل على أن لبنان سوف يكون الرابح الأكبر من السلام في حال تحقيقه،على أقله على المستوى الاقتصادي والعمراني، والباقي يتبع. ولنتوكل على الله.

                                                                           

 

                                                            

(106)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي