حصلت "زمان الوصل" على ورقة قدمها الدكتور رياض حجاب للهيئة الاستشارية القريبة من الائتلاف الوطني، وأيضاً لأعضاء الائتلاف تتضمن خطة إصلاح عميقة بخطوات واضحة...
قدم الدكتور الورقة قبل اعتذاره عن خوض انتخابات رئاسة الائتلاف، وتطرح "زمان الوصل" الورقة للرأي العام السوري من أجل الذاكرة السياسية وإمكانية الاستفادة من الورقة لتطوير الأداء السياسي عموما، أو لعقد مؤتمر وطني جامع في حال بقاء الائتلاف الوطني على حاله من المراوحة بالمكان....
وتتضمن الورقة فكرة لإنشاء صندوق وطني لدعم الثورة السورية مما يخلص قرارات السياسيين من أي تبعية لأي جهة...
النص الكامل
ملامح إصلاح الائتلاف الوطني ودواعيه
الإخوة الأكارم، أعضاء الهيئة الاستشارية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم تعد حساسية المرحلة الراهنة من الثورة السورية خافيةً على أحد، وخاصةً على أبناء شعبنا من السوريين في كل مكان. ورغم كل مايمكننا قوله ومانقوله عن التقصير الخارجي في القيام بالمسؤوليات الأخلاقية والسياسية للنظام الدولي تجاه ثورة سوريا وشعبها، إلا أننا نعرف جميعاً أن المسؤولية الأولى والأخيرة ملقاة على عاتقنا، وعلى عاتقنا نحن في الائتلاف الوطني قبل أي جهة أخرى.
هناك مفارقة يجب أن نتصارح بشأنها أيها الإخوة، فرغم أن ثورتنا مستمرة، ورغم أن أهلنا مستمرون في تقديم التضحيات، ورغم أن النظام وداعميه يعرفون قبل غيرهم أن الوضع في سوريا لن يعود كما كان بأي حال من الأحوال، إلا أن هؤلاء تمكنوا في الأشهر القليلة الماضية، من وسم الثورة بصورةٍ تتناقض مع الحقائق السابقة. وأظنكم توافقونني الرأي أن هذا حصل في المقام الأول بسبب تقصير الائتلاف وسوء أدائه وعدم قدرته على الاحتفاظ بالمبادرة، وابتعاده عن روح التوافقية والمشاركة.
فقد أفشل النظام مسار الحل السياسي في جنيف، وشهدَ العالم كله بذلك إلى درجة دفعت دبلوماسياً مخضرما مثل الأخضر الابراهيمي إلى الاستقالة. وقد قدمها بعد إعلان الأسد عزمه على ترشيح نفسه للرئاسة كإشارةٍ على أن النظام هو الذي أفشل مسيرة الحل السياسي. وفي حين كان يجب أن تكون لحظة مابعد جنيف لحظة استثمارٍ تقلب الطاولة على النظام أمام عالمٍ كان يدفعنا بأسره إلى جنيف على أساس أنها اختبارٌ أخير له، لم يحصل هذا للأسف، وغرق الائتلاف في الجمود السياسي، وفي المماحكات الداخلية. فاستثمر النظام هذا الوضع وبدأ يعمل بشكلٍ كثيف على تشكيل انطباع كاذب ومزيف بأن الثورة وصلت إلى طريق مسدود.
الإخوة الأعزاء
لقد بات واضحا مرة أخرى أن أحدا في هذا العالم لايمكن له أن يساعدنا على تحقيق أهداف الثورة إذا لم نساعد نحن أنفسنا. ورغم التقدير للحركة الدبلوماسية الأخيرة لقيادة الائتلاف، إلا أن الواقع العملي السياسي والعسكري يؤكدان بأن أي تطور حقيقي وفعال في مسيرة الثورة يعتمد على عملية إصلاح شاملة وداخلية لكل الجهات والهيئات العاملة في صف المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. على أن يكون محور الإصلاح اعتماد المنهج التوافقي البعيد عن الاستقطاب، والأخذ بآلية التشاركية على جميع المستويات وفي جميع المراحل، من وضع الرؤية إلى إصدار القرار وانتهاءً بتنفيذه.
وإذا كان الإصلاح مطلوباً دائما إلا أنه ضرورة قصوى في هذه المرحلة بسبب التطورات الداخلية والإقليمية. فمهزلة مايُسمى الانتخابات الرئاسية يمكن أن تكون، إذا تصرفنا بشكل صحيح، ورقةً هامة في تأكيد لامشروعية النظام السياسية على عكس مايرجوه منها. والوضع الميداني في كثير من المناطق يحتاج إلى دراسة ومراجعة لأساليب التعامل معه. لاشك مثلاً أن (ميثاق الشرف الثوري) المعلن أخيرا يعتبر خطوة هامة على طريق جمع الرؤى والصفوف يمكن بناء الكثير عليه. أما إقليمياً فإن ضعف الرؤية السياسية للائتلاف تمنعه من أن يُعتبر لاعبا رئيسيا ومؤثرا في الحراك المتزايد الذي يحصل في المنطقة..
ومع أن عملية الإصلاح لايجب أن ترتبط بأي عنصرٍ آخر، إلا أن من الممكن أيها الإخوة النظر إلى الانتخابات القادمة في الائتلاف الوطني بعد شهر على أنها فرصةٌ مناسبةٌ لبدء عملية إصلاح جذرية، نعتقد أنها الفرصة الأخيرة ليتمكن الائتلاف من القيام بدوره الأساسي في موقع القيادة السياسية للثورة. وإذا لم يحصل هذا، فإن هذا الجسد السياسي سيفقد في نظر السوريين والعالم الغرض من وجوده، وسيصبح من طبيعة الأمور البحث عمن يمكن له أن يؤدي هذا الدور.
ليس مهما لنا جميعا من سيكون في مقاعد قيادة الائتلاف في الفترة القادمة، وإنما المهم هو أن يُسفر هذا الاجتماع عن الاتفاق بين الشخصيات الكريمة الموجودة فيه على حتمية الإصلاح أولاً، ثم على ملامحه وعناصره بعد ذلك. وفي وجود مثل هذا الاتفاق يمكن أن تكون هناك عملية حشدٍ لتأييده داخل الائتلاف وخارجه، بحيث تتبناها قيادة الائتلاف الجديدة كبرنامج عمل في المرحلة القادمة. ونحن على ثقة أن غالبية الأعضاء يؤيدون عملية الإصلاح، وأن السوريين جميعا ينتظرونها، وسنكون عند حسن ظنهم إذا أنجزنا هذه المهمة الحساسة في مرحلةٍ لم يعد يمكن فيها أبداً الاستمرار بطريقة العمل السابقة.
واسمحوا لي أن أشارككم مبكرا قبل اللقاء ببعض عناصر عملية الإصلاح التي أقترح أن تكون موضع التركيز في حوارنا، وذلك على الشكل التالي:
1. العمل بشكل عام على وحدة الصف داخل الائتلاف وإنهاء حالة الاستقطاب، والانتقال إلى استخدام آليات التوافق والمشاركة الحقيقية.
2. تحويل عمل الائتلاف إلى عمل مؤسسي حقيقي وفعال، يبدأ بتعديل النظام الداخلي بحيث تكون هناك قيادة جماعية فعلية له لاتستثني أحداً من مكوناته، ويكون دور رئيس الائتلاف وفريقه تنفيذ قرارات هذه القيادة الجماعية.
3. وضع لائحة مالية للعمل بشفافية مطلقة، ورسم ميزانية عمل مُحترفة. وإعلان كل تفاصيل الصرف بجميع أنواعه بشكل منتظم، سريع ودوري، لأعضاء الائتلاف وللشعب السوري بأسره.
4. التواصل الكثيف مع الداخل بشقيه المدني والعسكري، وإعادة تفعيل جميع قوى الثورة التي ساهمت في إشعالها واستمرارها منذ البداية، وبكل انتماءاتها وطيفها الواسع.
5. الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع لايستثني أحدا من أبناء الشعب السوري، مع الحرص على أن يكون تمثيل الداخل أكبر مايمكن. وذلك لوضع استراتيجية عمل وطنية واضحة ومُتفق عليها من قبل الجميع للمرحلة القادمة.
6. التواصل مع كل المكونات العسكرية وتوحيد الجهود والصفوف تحت قيادة وزارة الدفاع والأركان. (مع التركيز هنا على عملية إعادة هيكلة وتأهيل وتدريب وتسليح الجيش الحر ودمج الضباط المنشقين).
7. وضع وتنفيذ استراتيجية إعلامية واضحة وفعالة تُخاطب الداخل السوري والوسط الإقليمي والعالمي لإعادة تصحيح صورة الثورة وإزالة التشويه الذي لحق بها وحشد الدعم لها عبر الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والإنسانية.
8. تعزيز دور مؤسسات الائتلاف وخاصة (الحكومة المؤقتة)، ودعمها بكل الطرق الممكنة للقيام بأدوارها، وتأكيد عملية التواصل المباشر والدائم معها. والتركيز من خلالها على مهمة إعادة بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على هيكليتها، وتأكيد أولوية العمل في الداخل. إضافةً إلى تعزيز دور (وحدة تنسيق الدعم) وإزالة كل أنواع التضارب في الاختصاصات والمهمات بينها وبين أي جهة أخرى.
9. وضع خطة شاملة للتواصل مع الجاليات السورية وكل تجمعات السوريين في الخارج للعودة إلى الوضع الطبيعي الذي يتمثل في إشعارهم أنهم جزء أساسي في عملية أخذ القرار ومساعدة الثورة على تحقيق أهدافها. ويأتي في مقدمة هذا التواصل مع كل النشطاء والخبرات والطاقات السورية لاستيعابها وتوفير فرص عملية أمامها لخدمة الثورة بشكل مؤسسي مُنتج.
10. وضع تصور لمنظومة علاقات خارجية متوازنة وفعالة تؤكد دور الائتلاف كطرف مؤثر بذاته في عملية رسم المعادلات الجارية في المنطقة، وبشكلٍ يمكن الأشقاء من الوصول إلى رؤية موحدة فيما يخص الثورة السورية حاليا وسوريا كدولة مستقبلا، مع إظهار كيف أن هذه الرؤية الموحدة هي التي ستحقق مصلحة سوريا وأشقائها جميعا حالياً وعلى المدى الاستراتيجي.
11. إنشاء صندوق وطني لدعم الثورة السورية وتمويلها ذاتياً.
الإخوة الكرام
أعتقد أننا متفقون على الأهمية القصوى لهذا الاجتماع من أجل تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في إطلاق عملية إصلاح مؤسسي وإداري وسياسي للائتلاف تكون بإذن الله مقدمة لنقلة نوعية في مسار الثورة السورية نحو تحقيق أهدافها. من هنا، أقترح على حضراتكم تجنب أي مواضيع أخرى والتركيز على هذا الموضوع لإنجازه، بحيث لانخرج من هذا الاجتماع إلا وقد اتفقنا على خطة عمل واضحة ومحددة لبدء تلك العملية وتقديمها كبرنامج متكامل يجب على أي قيادة قادمة للائتلاف أن تتبناه.
هذه مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقنا، ومن المؤكد أن الوضع الداخلي والإقليمي لايحتمل أي عودة للمنهج التقليدي في عمل الائتلاف. فإما أن نغتنم هذه الفرصة ونظهر القدرة على تحمل المسؤولية، أو نقبل بحكم الشعب والتاريخ على كل من سيرفض عملية الإصلاح.
إن الائتلاف الوطني يمتلك بكل تأكيد المصادر المادية اللازمة لتنفيذ مثل تلك العملية، وإن في الشعب السوري خبراء ومؤهلين في مختلف الاختصاصات من القادرين على بلورتها وتطويرها وتنفيذها، وبالتالي فإن كل مايلزمنا هو وجود الإرادة السياسية للقيام بها، وهذا يرفع درجة مسؤوليتنا من ناحية، لكنه من ناحية أخرى يشكل دافعا لإنجاز هذه المهمة، وسيكون هذا بمثابة حد أدنى من الوفاء لما يقدمه شعبنا العظيم من تضحيات.
ولكم كل التحية والتقدير،،
رياض حجاب
3 حزيران 2014م
خاص - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية