أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شهداء بلا جثث.. قصة سورية طويلة

تتعدد فصول المأساة السورية بعد دخول الثورة عامها الرابع، وإن كان لدفن الشهيد وجنازته قصص مأساوية، حين تتحول إلى مناسبة لمضاعفة أعداد الشهداء برصاص طالما استهدف الجنازات بلا رحمة، فإن امتناع نظام الأسد عن تسليم جثث الشهداء بعد اعتقالهم وقتلهم تعذيبا، أشد وأقسى ما يمكن تصوره.

تنتهي حياة فياض الطالب الجامعي وأحمد أستاذ المدرسة وأحمد العامل البسيط بإرسال هوياتهم لأهاليهم أو إخبارهم عن طريق معتقل خرج لتوه من سجون النظام، يحدث ذلك ربما بعد أسابيع أو أشهر من موتهم تحت التعذيب، دون إرسال جثثهم أو حتى صورها أو حتى تقارير عن أسباب الوفاة ليتم إثباتها.

فياض فضل أبو راس مواليد 1992، طالب جامعي سنة رابعة هندسة ميكانيك في جامعة حلب تم اعتقاله في حلب قبل ٩ أشهر، ليلة عيد الأضحى قبل عودته إلى أهله، ومن ثم ترحيله بواسطة الطيران المروحي إلى فرع فلسطين في دمشق دون توجيه أي تهمة أو سبب، يخرج أحد المعتقلين من هذا الفرع سيء الصيت ليلتقي بسعيد أحد أبناء قرية فياض على الحدود السورية _التركية ويخبره بوفاة فياض نتيجـة التعذيب والقهر والمرض قبل شهر من خروجه بعد مرسوم العفو المزعوم، لتقع على سعيد المهمة الشاقة في نقل الخبر لأهل الشهيد الشاب فياض، المهمة الأصعب في حياة سعيد على حد تعبيره.

ويختار سعيد أن يخبر وليد أخ الشهيد فياض، فوليد ضابط منشق ومعتقل سابق عند النظام، ويأتي دور النقيب وليد في إكمال المهمة وإخبار أمه وأبيه بالخبر الفاجعة.

الأستاذ أحمد عبد الرزاق جلول مواليد 1969 مصاب بمرض السرطان، بعد تخوفه وتردده، قرّر مراجعة مركز معالجة السرطان في دمشق وأخذ الجرعات الكيماوية المطلوبة، ولكن حاجز القطيفة ـأكثر الحواجز تسلطا وسوءا بالمعاملةـ ذلك الحاجز التابع لقوات النظام حال بين جلول وبين مواصلته العلاج، وتم اقتياده من الحاجز إلى الأفرع الأمنية، ليخرج بعد عدة أيام شهيداً تحت التعذيب، ويُذكر أنّ الأستاذ أحمد كان قد رزق بطفله عبد اللهـ من خلال عملية زراعةـ بعد سنوات من الانتظار ليعيش هذا الطفل وحيداً بعد أن أصبح والده شهيداً.

القصة تتكرر مع العامل الصامت أحمد خالد قداح مواليد 1984، وهو في طريق ذهابه إلى لبنان لإعالة زوجته وابنه وأسرته التي فقدت معيلها العسكري المجنّد في بداية الأحداث، والذي يعتقد أنه قد قتل أيضاً على يد النظام الذي أكتفى بإرسال هوية أحمد لأمه التي تحلم برؤيته حتى لو كان جثة هامدة وتفرح بدفنه بقبر تسطيع زيارته وقتما تشاء، ولتبقى ابنته مريم ذات العامين بدون معيل.

والشهداء الثلاثة المذكورون سابقاً من بلدة واحدة تدعى "الهبيط" في ريف إدلب الجنوبي، وهؤلاء أمثلة لعدد كبير من الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب على امتداد الأراضي السورية. 

ويبقى السؤال المطروح ما حاجة النظام لجثث الشهداء، ولماذا لا يرسلها إلى أهالي المعتقلين؟ وما هي المشاعر التي قد يكنّها قلب أم أو زوجة أو ابنة أو أخت شهيد لحظة وصول خبر استشهاده دون وصول جثمانه ودون مواراته الثرى؟ وزيارة قبره وقراءة الفاتحة والدعاء له والدعاء على من ظلمه، مكتفين أيضاً بالصلاة عليه صلاة الغائب.

زمان الوصل - مشاركة من كريم عنكير - طالب دكتوراه علاقات دولية
(108)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي