وجّه الكاتب المصري وحيد الطويلة رسالة نارية لبشار الأسد تحتوي على تفاصيل تبدو في غاية الدقة والإلمام بما يجري في سوريا ماضياً وحاضراً، رافضاً مخاطبته بلفظ الرئيس أو بمقام الرئاسة التي ما فتئ هيكل يذكرنا بها صباح مساء -كما قال- وأضاف الكاتب في رسالته التي نشرتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية تحت عنوان (النداء الأخير على بشار الأسد): أنا أعرف أنك لا تستطيع في هذه اللحظة أن تعذر أحداً، فالقادة الحقيقيون هم فقط من يستطيعون ذلك، بل أنت معذور وأنا أقر بهذا على رؤوس الأشهاد ومستعد لتلقي الطعنات، الناس لا يقدرون أنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أي شيء، أن تتخذ قراراً واحداً وسط الزمرة القابضة على أرواح البشر من داخل عائلتك الصغيرة التي لا تستطيع أن تنبس داخلها بأي رأي، وعلى روحك أنت أيضاً باعتبارك من البشر ولو من درجة ثانية.
ورأى الكاتب الطويلة أن بشار الأسد لم يرَ صورة مجزرة حماة عام 1982 لأن الفضائيات وتوابعها لم تكن قد اختُرعت، ولكنه لعب المباراة الجديدة بنفس القواعد القديمة حيث قتل "غازي كنعان" الذي حكم لبنان وحده لعشرين عاما تحت راية "المرحوم" والده وحين فكر أن يخرج قليلاً عن قواعد اللعبة قام بنسفه من قوائم الأحياء -ربما كان يستحق– والفارق الوحيد أن القتل تم في مكتبة تكريماً له واستطرد الكاتب الطويلة أن أجهزة إعلام النظام -إعلام الأمن- لم تغادر قواعدها القديمة واستغفلتنا جميعا باعتبارنا عبيداً فى أحسن التوصيفات، وأعلنت النبأ بشجاعة تعودت عليها في أربع وثلاثين حرفاً، وتابع الكاتب أن صياغة هذا الإعلام لخبر انتحار "غازي كنعان" وزير الداخلية في مكتبه –كانت تستحق جائزة نوبل في كيفية التنكيل بأعوان النظام وفي تعليم أجهزة إعلام القمع كيف تمارس لعبتها بصرامة وخسة منقطعة النظير.
ويقارن الكاتب المصري في رسالته بين ما جرى في حماة في مطلع الثمانينات وما جرى في درعا 2011 بتوصيف دقيق يستحضر الماضي والحاضر، ففي حماة 82 لم تكن هناك صور غير صورة حافظ الأسد، كأن الضحايا ماتوا في كوابيسهم، كأنها تمددت وابتلعتهم، وكان العالم الغربي الذي يسبه بشار اليوم ويقيم معه الاتفاقات من وراء ظهورنا قد غض طرفه، ولم تلاحق والده المبجل الصور، ولا اللعنات إلا في ملاحد الصدور، لكنه -للأسف- لن يحظى بذات الغنيمة، ومهما كانت نتائج ثورة السوريين ستلاحق الأسد الابن الصور حتى موت أحفاده، وستنادي عليه أينما كان. أما في درعا فالمشهد كان أكثر من مفجع حين سقط أحدهم جريحاً أمام داره، ولم يستطع أحد أن يخرج لإنقاذه حاول واحد أن يسحبه بعصا من الحديد طويلة، لها خطاف معقوف كأنف الأب الأسد لكنه للأسف لم يستطع وسط زخات الرصاص المبارك لقوات النظام الذي -أي الرصاص- يذهب بالضحايا إلى الجنة مباشرة والى صفحات تاريخنا في نفس التوقيت كان يختبئ من الطلقات ويظهر، ثم فجأة رمى حبلاً معقوداً على هيئة خطاف مثلما يحدث في أفلام الكاوبوي الأمريكية، علقت العقدة المفتوحة في رقبة الجريح وشده الآخر حتى دخل إلى البيت.
ويسوق الكاتب "وحيد الطويلة" مقارنة بين جسد حمزة الخطيب ابن الثلاثة عشر ربيعاً الذي انتصرت فيه قوات الأسد على الجرائم الإسرائيلية في أجساد شهدائنا على مر التاريخ وقام بشار بهزيمة هذه الأجساد بـ"القاضية الفنية" ليكون الأمر رادعاً لإسرائيل قبل أن يكون ردعاً لنا وجزاءً وفاقاً لما قد تقترفه نوايانا، ويعقّب الكاتب مخاطباً الأسد الابن: لعلك تلاحظ أننا لم نرَ بعد أصابع أول ثلاثة أطفال نادوا بإسقاط نظامك في درعا والذين اقتلعت أظافرهم، لكن لا تبتئس فسوف نُخرج لك صور أصابعهم ونقرّبها أمام عينيك يا طبيب العيون لتتأكد بنفسك من أن قواتك أنجزت المهمة كما يليق بنشامى الأمن والمخابرات. والبنت التي لم تتجاوز الاثنى عشر عاماً والتى خرجت من درعا إلى الحدود الأردنية وسط عائلة من النساء –كان رجالهن إما معتقلين وإما شهداء– وقالت البنت بالحرف الواحد: أعمامي اثنان فى السجون واثنان موتى، وأبى جثته مازالت ملقاة فى شوارع درعا لا تجد من يجرؤ على دفنها، والله لأنتقم منك يا بشار، والله لأنتقم منك يا بشار.
سقوط التماثيل وكنس نظام الأسد !
ويتوجه الطويلة إلى بشار داعياً إياه بسخرية أن يسامح هذه البنت، وأن لا ينفعل من كلامها مذكّراً إياه بالحكاية القميئة التى حدثت أمام أعين سوزان مبارك حين كانت مدعوة على مائدة السيدة ساجدة زوجة صدام حسين، وكانت على حمام سباحة وحينها تقدم عدي ابنها وقتل "كامل حنا" أحد حراسها لأنه هو الذي عرّف صدام على زوجته الثانية –مما أفجع سوزان مبارك وإن جعلها تتسامح بعض الشيء أمام التعذيب اللطيف الذي كان يحدث فى سجوننا، والأنكى– كما يقول صاحب الرسالة- أننا فوجئنا بعد أيام بوالد القتيل يستعطف السيد الرئيس أن يعفو عن ابنه القتيل الذي تجرأ وجعل الدم يتصاعد فى جوف عدي، مما أخرجه عن طوره الهادئ، وجعل يديه الكريمتين تنطقان بما لا يحب، وسيجد بشار بالقطع من يحضر له هذه البنت من أشاوس الأمن والإعلام السوري لتستعطف غضبه. لكن المشهد الذي لن يفارق عينيه للأسف، ولن يستطع خياله أن يمحوه هو ذلك المشهد المتكرر من العصابات المسلحة سامحها الله والتي أسقطت تماثيل والده وتماثيله، وقطعوا رأس والده، ومزقوا صورهما المجيدة فى كل بقعة من أرض سورية، ليسقط آخر ما كان يمكن أن يحلم به شيطان على وجه المعمورة، لكنهم للأسف أيضا كانوا متحضرين للغاية، إذ أسقطوها وأحرقوها ثم كنسوها وكنسوا الأرض تحتها ونظفوها فى إشارة سخيفة بالطبع لا تخفى عليه إلى كنس نظام الأسد وتنظيف الأرض منه.
المعارضون وخطيئة العودة لسورية !
ويصور الكاتب الطويلة ما يجري مع معارضي النظام في الخارج بدقة وكأنه واحد منهم، حيث يقوم عملاء النظام بتصوير المظاهرات التي تقوم ضده في كل أرجاء العالم "حتى يجدوا الترحيب اللائق، إن فكروا في اقتراف خطيئة العودة لسورية" أو كى تتنصل منهم عائلاتهم علناً وعلى الهواء مباشرة، وغير مسموح بكاميرا واحدة في الداخل، أما مدن الحدود فيجب أن تباد عن بكرة أبيها لأنها بوابة المؤامرة ضد سورية، ويستدرك الكاتب بسخرية سوداء: أنا أشارك إعلامك المبجل وأذنابه في كل أنحاء الوطن العربي الكبير بسلامته أننا نتعرض لمؤامرة، لكن مؤامرتك أنت ونظامك وبقية الأنظمة العربية علينا أقوى وأشد تنكيلاً، الشعوب الغبية أمثالنا لا تستحقك أنت وباقي زعمائنا الأشاوس، أهمس في أذنك بأن لا تصدقنا فنحن خونة وأصحاب المشروع الصهيوني الأمريكي وناكري فضل ركوبك علينا، لكن المصيبة أنه لم يعد هناك وقت كاف لتغيروننا.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية