لعلها مفارقة وأي مفارقة أن يظهر البغدادي بشحمه ولحمه ووجهه المكشوف على الملأ، قبل أن يظهر شقيقه اللدود "الجولاني"، ولعلها مفارقة أكبر أن يخطب البغدادي في الموصل بخطبة لا يذكر فيها لفظ "مرتدين" أو "صحوات"، ولا يتوعد فيها بأشلاء ودماء، كما درج على ذلك كبار قادة تنظيمه، وعلى رأسهم المتحدث باسم التنظيم "العدناني".
واللافت من خلال قراءة سريعة لمضمون وشكل خطبة البغدادي، وهي أول ظهور علني له، أن البغدادي ظهر كأي خطيب مفوه، يرتل الآيات ويذكر الأحاديث دون تلعثم أو مزيد صراخ أو تشنج، حتى ليخيل لمشاهد الخطبة أن الخطيب ليس سوى شيخ معتدل جدا، لا يمت -ولا يمكن أن يمت- بصلة لتنظيم طبقت جرائمه الآفاق، وسارت بأحاديثها الركبان، من "إخوة المنهج" قبل الخصوم والأعداء.
لم يذكر البغدادي شيئا مثلا عن فتح "روما" ولا عن ذبح "الصحوات"، بل اكتفى بحديث عام عن الجهاد، وأشار للخلافة بإشارة سريعة، وأنه "ابتلي" بها، وأنه "ولي" على الناس وليس بخيرهم، فهل قرر البغدادي أن صورة "الزعيم" المقبولة بعد "ظهوره" يجب أن تأخذ منحى جديدا وربما مغايرا، أم إن خطاب المنبر الذي يتلا على رؤوس الأشهاد لايحتمل التشدد والفظاظة اللتين تحفل بهما الكلمات المسجلة من "وراء حجاب".. يبقى الجواب عند البغدادي وعند أنصاره وأتباعه.
وبالخلاصة، فإن خطبة البغدادي أظهرته شيخا معتدلا في نبرته وطرحه، بل إنه قد يكون أقل تشنجا من شيوخ كثر يتصدرون منابر المساجد في عالمنا، وهو بذلك يرسم صورة لزعيم منفصل عن تنظيمه، أو تنظيم منفصل عن زعيمه.. أو إنه يرسخ الخطاب المزدوج، الذي كان ومازال علة العلل في منطقتنا، أيا كانت خلفية "الخطيب"، وأيا كان مسماه، سلطانا كان أم ملكا أم رئيسا.
إيثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية