أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خنساء الشام أخذت صمودها من "قاسيون" وماتت غريبة بعيداً عن الميدان

"أم محمد الشامية" هي واحدة من بطلات الثورة السورية وخنساء من خنساوات هذا الزمان اعتقلت قوات النظام زوجها وثلاثة من أبنائها، فظلت صابرة محتسبة، وشاء القدر أن تموت في مطار القاهرة أثناء عودتها لتقبل أعتاب الشام، وتلثم تراب حي الميدان الذي شهد مرابع طفولتها وشبابها.

حول قصة أم محمد مع التضحية والصبر تقول ابنتها الناشطة الملقبة بأم الثوار:
كرست الراحلة أم محمد (خنساء الشام) شطراً طويلاً من حياتها لتربية أولادها ومتابعة دراستهم وبالذات أخي الكبير الذي كان حلم حياتها مع أن لها من الأبناء خمسة ومن البنات ثلاثة، ووصل أخي إلى المرحلة الجامعية بعد أن تفوق في دراسته، وشعر مثل كثيرين من جيله بظلم النظام الطائفي المجرم ولم يستطع السكوت عليه فتربيته أبت عليه أن يقبل بالذل، وجاءت الأجهزة الأمنية لاعتقال ابنها الذي لم يكن موجوداً، وكان في السنة الثالثة من دراسته الجامعية، فاحتل النظام بيتها عشرة أيام، اعتقلوا والدي وجعلوه رهينة في بيتنا وهم مجهّزون بسلاح يفتح جبهة، ومع هذا لم تصرخ والدتي في وجوههم بل قابلتهم بقوة المرأة الذكية، قالت لهم نحن أبناء بلد واحد لستم استعماراً، لم تكن تعلم حينها أنهم أسوأ من الاستعمار وأشد من الفرنسيين والإنكليز، وتضيف أم الثوار: صمدت والدتي وصبرت وبعد شهر اعتقل الأمن ابنها الغالي وأملها في هذه الدنيا فصبرت واحتسبت، ولكن هذا النظام لم يكتفِ بذلك بل عاد بعد عام واعتقل ابنها الثاني الذي لم يتجاوز السادسة عشره من عمره، فسرقه الطغاة من بين يديها دون أن تستطيع فعل شيء، مرضت لكنها صبرت ولم تقل كلمة تغضب الله.

عائدة إلى الشام !
وتروي أم الثوار أن والدتها "خنساء الشام" عاشت عمراً تنتظر بصمت وترعى باقي أبنائها وبعد عشر سنوات عاد الابن الصغير لكن الابن الأكبر لم يعد، ومع ذلك صبرت وانتظرت مع أنهم آذوا ابنها الأصغر كثيراً وأثخنوا جسده بكل أنواع التعذيب، وعاد مسلسل الانتظار ومرت الأيام وتوالت، ولم يعد الابن الأكبر ولن يعود لكن أملها بالله كان كبيراً وإرادتها تهز الجبال، و وتردف ابنتها: بدأت صحة خنساء الشام تتدهور تدريجياً لكنها كانت صامدة كالجبال، وعشنا حياة طبيعية حاولت جهدها أن لاتحرمنا حقوقنا، لكن جسدها كان يحترق من الداخل، كنا نرى فيها الأم البطلة والصامدة، وجاء زمن الثورة وأبت إلا أن تأخذ حصتها منها، وخرجت من البلد مهاجرة مع أحد أبنائها خوفاّ عليه متوجهة إلى الأردن، ومن ثم إلى مصر وكان فراق الوطن أقسى ما عاشته فغربتها عن الشام التي أحبتها وحي الميدان الذي عشقته باتت تأكل من صحتها، وفراق فلذات كبدها قهرها وفي تلك الفترة خرج ابنها الصغير ولم يعد، إذ فُقد على أحد حواجز النظام، وبدأ مسلسل الأسى والقهر من جديد وزاد الحزن ومازالت شامخة صامدة ثابتة كـ "قاسيون" وتراجعت صحتها، ومرت الأيام ومضى على فراقها لبلدها عامان وعلى فقدان ابنها الصغير سنة وثلاثة أشهر وهو أب لثلاثة أطفال.

وتتابع أم الثوار: فقدت والدتي الصبر وصارت تنادي بدون وعي وقررت أن تعود إلى سوريا، كانت بقايا لتلك البطلة الصامدة كما أصبحت سوريا بقايا لذلك الوطن المعذب المجروح، وذهبت إلى وداعها في مصر وأنا أعلم بأني لن أراها لأنها ذاهبة لبلادي التي حرمني النظام من دخولها، ودعتها بقلب منكسر وقبل أن تصعد للطائرة خرجت روحها إلى بارئها مودعة الدنيا الفانية، وافتها المنية غريبة ودفنت غريبة في تربة غريبة عنها وبلد غير بلدها دفنها ابن واحد مع أنها أنجبت خمسة أبناء واحد قتله النظام والثاني مفقود والباقي في بلدهم ينتظرون الأم التي ظلت عامين بعيدة عنهم.

خالد عواد الاحمد - زمان الوصل
(124)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي