أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معركة "خلط المعارك"!

منذ بداية الثورة السورية التقت مصالح النظامين الطائفيين في دمشق وبغداد، بعد خلاف، وأسقطت الحسابات السياسية التي كانت تعكر صفو علاقات النظامين، لصالح قواسم مشتركة تتعلق بالحفاظ على وجودهما كنظامين طائفيين دكتاتوريين تابعين لسلطة الولي الفقيه، منها يستمدان طغيانهما والإمداد بكل ما هو ضروري لاستمرارهما.

وشكل عراق المالكي جسراً مفتوحاً براً وجواً لتدفق الإمدادات الإيرانية لنظام الأسد، عسكرياً ولوجستياً، طيلة ثلاث سنوات من عمر الثورة، كما شكل أهم الموارد البشرية التي تدفقت علناً لترفد مقاتلي الأسد تحت شعارات ومسميات طائفية معلنة لا مواربة فيها..

ومع دخول الحرب مرحلة جديدة بدخول تنظيم "داعش" على خط الثورة السورية ومن ثم استثماره لانتفاضة الأنبار التي بدأتها العشائر العراقية عام 2012 ، وجد نظاما المالكي- الأسد الفرصة سانحة لخلط الأوراق أكثر، ومجاوزة الحدود لإجهاض وتغييب المعاني الثورية، وتوحيد جهدهما العسكري ضد "الإرهاب"، فها هي طائرات الأسد تقصف مواقع يسيطر عليها مسلحون في منطقة القائم داخل العراق، وعناصر من داعش يقال إنهم سوريون يُقتلون في تلعفر العراقية، هذا بعد أن شهدت مناطق من دمشق ومحافظات سورية أخرى مقتل كثير من متطوعين عراقيين جاؤوا لنصرة "السيدة زينب" والأئمة المظلومين!..

اثنان يتقاسمان حلم عودة "سيف الدولة" موحداً حلب والموصل!.. الأسد- المالكي من جهة، وتنظيم"دولة الإسلام في العراق والشام" العدو – الشريك، من جهة أخرى..

الأمر سيبدو مبرراً دولياً، فبعد خسارة الكثير من حلفائهما، ولو نظرياً وإعلامياً، لن نجد أصواتاً كثيرة ترتفع منددة بشراكة عسكرية بين النظامين لضرب "الإرهاب" المتمثل بداعش.. الإرهاب الذي دأبا على اختراعه وتفعيله وتحديد خطواته ورسم خططه..

ولأن العالم لا يرى إلا ما يريد، فإن المشهد الآن يُصور على أن العراق وسوريا وإيران يضربون "الإرهاب" متجاوزين الحدود من أجل هذا الهدف النبيل!

الولايات المتحدة واستخباراتها اكتفت بدور ناقل الخبر في قضية خرق مقاتلات تابعة للأسد أجواء العراق وقصفها رتلين عسكريين لمسلحين وبمعونة استخباراتية إيرانية.. وكأنها تبارك الخطوة هذه، بصمتها، أو أنها تعتبرها عملاً بالنيابة عن مقاتلاتها بدون طيار التي تُوكل إليها هذه المهمات عادة..

وما لا يراه العالم، أو لا يريد، أن جيشين مدعومين بقوات وميليشيات طائفية معبأة بعقيدة القتل، يقومان بذبح شعب ثائر منتفض طامح لإرساء قيم العدالة والكرامة الإنسانية في سوريا، وشعب منتفض منذ عامين في بلد محكوم بالطوارئ والفساد السياسي والطائفية منذ أحد عشر عاماً..

الأسئلة جميعها والأجوبة كذلك تقود باتجاه واحد، هو المحرك والمستفيد، إيران بنظامها الديني الذي لا يخفي توقه إلى تحقيق هدفه في تصدير "ثورته الإسلامية"، البلد المحكوم فعلياً من "آيات الله" ولا يعدو دور الرئيس والحكومة فيه دور الأدوات التنفيذية التي تنفذ أوامر السماء التي ينقلها "نائب إمام الزمان"..

إيران التي سارعت وعلى مستوى رئيس جمهوريتها للإعلان عن تقديم الدعم العسكري لحكومة المالكي حال طلبت ذلك، وبالفعل فقد وصلت طلائع قواتها إلى الساحات الخالية من قتال حقيقي وتموضعت، كما تموضعت من قبل في دمشق وحمص وحلب، وقبل ذلك بعقود في جنوب لبنان وعاصمته حيث تنتهي حدودها هناك كما تصرح جهارا.. 

فهل هذه التحركات "الحرة" في الإقليم، وإعادة التموضع عسكرياً هذه المرة وليس بإنابة محافظين لها، ترتبط بسياقات العملية التفاوضية الطويلة والمتشعبة التي تخوضها إيران مع أمريكا والغرب، ومن وراءهم جميعاً إسرائيل؟..

من المنطق والواقعية، وكذلك من قراءات التاريخ، الإقرار بإمكانية حدوث تغيير أساسي وكبير على خريطة المنطقة برمتها، خاصة وأن أطرافاً فاعلة تعمل على ذلك وتتبناه، إلا أن السيناريو الأسوأ هو استكمال مشروع "الهلال الشيعي" الذي حذر منه قادة عرب منذ سنوات خلت، ولم يتخذوا لا وقتها ولا لاحقاً أي تدابير وقائية تمنع إنفاذ المشروع.. وحين يغيب الآن الجميع عن المشهد، نجد أزلام إيران "المالكي والأسد وداعش" شبه منفردين بإدارة المسرح، في لعبة باتت إيران فيها اللاعب والخصم والحكم.. تجابهها إرادة شعب وحيد ما زال مصراً وحده على دحر أعداء حريته..

ياسر الأطرش مشاركة لــ"زمان الوصل"
(125)    هل أعجبتك المقالة (145)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي