الحصار ... نجاح السياسة واستنزاف العسكرة ... جعفر أبو حيدر

الصورة : مخيم اليرموك - دمشق


المصالحات والهدن أكثر ما يتكلم به الناس في مناطق الحصار ، خصوصا بعد سلسلة إجراءات تصعيدية انتهت بحصار شامل للممرات الواصلة بين غوطة دمشق والمدن المتصلة بها وقد وصف بعض المراقبون بأنه أقسى حصار حصل في التاريخ الحديث ويستهدف أكثر من مليون ونصف شخص مانعا وصول المواد الغذائية والحيوية, أمافي الداخل حديث آخر أشد يستهدف الهيئات الناظمة للحياة بل يصل باتهاماته لجناح الجهاد العسكري في الداخل ولأن الموضوع هام جدا كونه يتصل بمصير هذه الثورة - أحببت تسليط الضوء على مبدأين قديمين يتصلان بأساس الحكم و يقيمان مرحلة ولأن تصرفات الهيئات في الداخل مبنية على أحداث تاريخية هامة سأضطر للبحث في التاريخ قليلا ، فاليوم يختلف عن أمس ، ففي ذاك الزمن كانت صحراء وجلافة ، ولم يكن الغذاء هو الشغل الشاغل بل كان للطعام آدابه القاسية تحكمه سلسلة من الأخلاق تتوافق مع الفطرة حينا ومع الجلافة الصحراوية وقيمها أحيانا ، فالطعام للكفاية وليس للشبع ، أول البدع التي ظهرت بعد وفاة الرسول ص هي الشبع فقد كان ثمة خلق للأكل في الطريق ويمكن أن يؤدي ذلك الى الطعن بالشخص وعدالته أيضا ، ويمكن أن يفقد علية القوم مراكزهم الإجتماعية فيما لو بخلوا على الفقراء ولم يتحلوا بالكرم والعطاء .....، حتى إن سؤال الحاجة لدى الفقراء تحكمه تلك السلسلة الأخلاقية المعقدة التي تحافظ على شرف ونخوة ومروءة الفقير ، فإما يحتالون بالسؤال عبر تغطية لفظية أدبية بلاغية وإما بالطلب ، ولكن من الكبار الوجاهات ، وإما يتلثمون خلف حجاب الحياء .... هذه المعطيات وغيرها أدت بأن لا يعتمد محمد ص على برامج غذاء أو وأدوات تحقق الكفاية للداخلين طوعا في الدين الإسلامي طيلة 13 سنة أي لم يكن السلاح الذي أبعد الصحابة عن الإنقلاب على الشريعة هو الحاجة الى تأمين الغذاء بل كان السلاح والآلية من جنس طبيعة الصحراء وسلسلة الأخلاق ، كان الإعلاء من شأن الصبر سلاحا فتاكا في وجه التعنت القرشي ، وكان الوعد الحق في الجنة ودرجاتها ونعيمها هو الآداة التي صدقها الحاضنة الشعبية من الصحابة واعتنقوها اعتناق الرضيع للثدي ليس كرها بل طوعا ولكن هذا الإعتناق لم يبدر عن فراغ - إذ كان قبله وحي قرآني يخاطب ببلاغته شأنا عظيما طالما أحبوه ..طالما عشقوه.. طالما وعوه هو اللغة العربية والبلاغة العربية التي حركت جيوشا بكلام شعر أو جمل ونثر ....لم يكن قوم في العالم أحبوا لغتهم وأنصتوا لها كما فعل أولئك ، لقد ألهمت تلك الكلمات بكيميائها سماحة وعفوا وذلك نتيجة الموائمة بين المكارم و العمل بلا تأخر لنداءاتها .... وقد أدت تلك الأدوات وظيفتها في اقناع تلك الحاضنة بالصبر والتحمل ثم النجاح في النهاية - أقصد سقوط ورقة الحصار القرشي أمام حكمة ووحي محمد ص ....فلماذا يا ترى لم ينجح حصار اليوم ومالسبب الذي يجعلنا نقبل الهدن ونرضى المصالحات رغما عن رادع الأخلاق الذي كان يجب أن يصمد - المسألة ببساطة هي اختلاف معطيات هذا الزمن والأمر الآخر استخدام الآداة النبوية نفسها لحل معضلة تختلف في في معطياتها عن فترة الحصار القرشي
لم يكن الغذاء ضمن برامج سياسية كما يحدث اليوم. ..اليوم التعاطي اختلف وفلسفة الحكم تغيرت ، وببساطة بنيت البشر هذه الأيام على نوع من الأنظمة المعقدة تعتمد على أفرع من الأعمال تدخل في خدمة الإنسان وتأمين حقوقه ، فالقرار العسكري مثلا سيدخل في تعقيدات جمة أهمها عدم خسارته للحاضنة الشعبية فمثلالن تستطيع في الأنظمة الحالية السيطرة على الهدوء دون تأمين الغذاء والسكن والراحة بل حتى الشبع وإلا ستواجه بالسقوط أمام أنظمة استغلت تلك الفجوة بقرار منك غير مدروس ، ولأن اسقطنا هذا الكلام على الحدث سنجد أن استخدام الأدوات النبوية عن تلك المرحلة صحيحة ولكن المعطيات لم تقرأ جيدا.... لسبب أن الناس لم تهيأ لتحمل المجاعة بل إن الناس اعتادت ثقافة الشبع من غير تعب ، اضافة لكون الثورة عبارة عن انفجار غير منظم وهذا يعني أن الأمور لا تدار الا بميزان الخطط والتنظيم والتخطيط الذي يبنى على معطيات ويخضع لتقييمات مرحلية تبعد الحكم عن الزلل ...ففي هذه المرحلة لم نجد الا الذراع العسكرية العاملة التي لم يرهق عملها سوى تذمر الحاضنة الشعبية كون تلك التشكيلات قدمت عملا أسطوريا ولكنها نسيت لم شمل الشعب ( الحاضنة) بسلسة من التخطيطات تشمل هؤلاء بالرعاية أهمها القرار العسكري ذو الحسابات المدنية في الداخل ، بالإضافة أن الذراع السياسية كانت غائبة تماما في هذه المرحلة ففي حين أن الحقيقة تقول : يجب أن تكون الورقة العسكرية ضمن جيب العملية السياسية ولكن الواقع كان عكس ذلك تماما .

(134)    هل أعجبتك المقالة (131)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي